آراء متنوعة

البرفيسور وليد الحيالي: أكاديمي ومثقف ملتزم بالعدالة

بقلم: البرفيسور حميد حمادي

عندما يُذكر اسم البرفيسور وليد ناجي الحيالي، يقف العقل والقلم احتراماً لتجربة إنسانية وأكاديمية نادرة، جمعت بين الفكر الحر والممارسة المسؤولة، بين الريادة العلمية والالتزام العميق بقيم العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.

لقد شكل الدكتور وليد الحيالي نموذجاً للمثقف العضوي، كما صاغه أنطونيو غرامشي، المثقف الذي لا يكتفي بالتنظير، بل ينخرط في هموم مجتمعه، يناهض الظلم، ويضع علمه ومعرفته في خدمة قضايا الإنسان، خاصة تلك الفئات المهمشة والمحرومة من أبسط حقوقها.

ولد الحيالي في بغداد، وبرز منذ شبابه بذكاء حاد ونزعة إنسانية جعلته قريباً من هموم الناس. تابع دراسته العليا في المحاسبة والعلوم الاقتصادية، حتى أصبح أحد أبرز أساتذة المحاسبة في الوطن العربي. لكن عباءته الأكاديمية لم تمنعه من خوض معارك فكرية واجتماعية عديدة، حيث كان دوماً صوتاً للحق، ومدافعاً عن حرية المرأة، ومناهضاً لكل أشكال التمييز الطبقي أو الديني أو العرقي.

كان من أوائل من أدركوا أهمية التعليم الإلكتروني كوسيلة ديمقراطية لتوسيع فرص التعلم، فأسّس “الأكاديمية العربية في الدنمارك”، التي تحوّلت إلى منصة رائدة للتعليم عن بُعد، وخاصة للعرب في المهجر وفي البلدان التي تعاني من أزمات وصراعات. لم تكن الأكاديمية مجرّد مؤسسة تعليمية، بل كانت مشروعاً ثقافياً وأخلاقياً، تعبيراً عن رؤية الحيالي في دمج المعرفة بالعدالة، والعلم بالحرية.

التزام الحيالي بحقوق الإنسان لم يكن خطاباً إنشائياً، بل ممارسة يومية. في كتاباته، وفي إشرافه الأكاديمي، وحتى في علاقاته الإنسانية، كان يُصرّ على الكرامة كشرط للعلم، والمساواة كشرط للعدالة. آمن أن لا تنمية دون احترام الإنسان، ولا تعليم حقيقي دون حرية فكرية.

ولم يكن طريقه سهلاً؛ فقد واجه ضغوطاً وتحديات عديدة، من مؤسسات رسمية وأصوات تقليدية، لكنه بقي وفياً لقيمه، ثابتاً في مواقفه، لم يتنازل يوماً عن قناعاته، ولم يخضع لمنطق السوق أو الإملاءات السياسية.

اليوم، ونحن نعيش زمناً اختلطت فيه المعايير، وانهارت فيه الكثير من القيم، يشكّل البرفيسور وليد الحيالي ضميراً أخلاقياً حياً، يُذكّرنا أن الأكاديمي لا يكتمل دون موقف إنساني، وأن المثقف الحقيقي هو من يربط مصيره بمصير شعبه، لا من يعتلي المنابر ليحصد الشهرة والمناصب.

إن تجربة الدكتور الحيالي تستحق أن تُدرس وتُكتب عنها الأطروحات، ليس فقط لما أنجزه علمياً، بل لما جسّده أخلاقياً وإنسانياً. إنه رجل لم تغره الألقاب، بل كانت رسالته الحقيقية تكمن في بناء الإنسان الحر، وتأسيس وعي جديد يقوم على العلم والعدالة والكرامة.

ختاماً، أقول بكل اعتزاز: قليلون هم الأكاديميون الذين يتحولون إلى رموز. والدكتور وليد الحيالي هو واحد من هؤلاء القلائل الذين صنعوا من الحرف موقفاً، ومن المحاضرة رسالة، ومن المؤسسة التعليمية منبراً للنضال من أجل الإنسان.

البرفيسور حميد حمادي
أكاديمي وباحث في الفكر السياسي
باريس، آذار 2025

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!