آراء متنوعة

وفرة الشهادات الجامعية العليا وجهل الوعي السياسي

الكاتب والباحث السياسي
حسن درباش العامري

يبدو أن هناك تيارين يتحركان بشكل متوازٍ في العراق؛ أولهما تيار الجهل والتراجع الثقافي العام، وهو يتحرك بموازاة تيار آخر هو التيار الثقافي الذي ينشط في الوسط الشبابي المثقف، ويدفعهم للحصول على مستوى تعليمي أعلى كدرجة الماجستير والدكتوراه، وربما حتى درجة البروفيسور.
ورغم تزايد أعداد الحاصلين على الشهادات العليا، تبقى السمة السائدة في العراق هي الجهل والتدني الثقافي، وبالأخص في الجانب السياسي. نذكر الثقافة السياسية تحديدًا لأن الشأن العام في العراق اليوم يغلب عليه الطابع السياسي، بفعل المؤثرات السلبية التي تتقاذف البلد يمنة ويسرة. وتنبع معظم هذه المؤثرات من خلفيات غير مثقفة سياسيًا، حيث إن غالبية الشخصيات المتحكمة تهتم بمصالحها الخاصة وقضايا الفساد، ويكمن همها الأكبر في كيفية التملص من تبعات ذلك الفساد، حتى أصبح من الطبيعي أن يتنازل السياسي المتنفذ عن حقوق البلد أو عن بعض مفردات السيادة من أجل الاحتفاظ بالمنصب، وبات من المعتاد أن تُباع الأراضي والمياه السيادية مقابل أثمان مادية، سواء قلت أو كثرت!

إن غالبية رجال الأحزاب السياسية، والتي تجاوز عددها 450 حزبًا وحركة سياسية وتجمعًا، لا يمتلكون رؤية سياسية استراتيجية لبناء البلد، رغم أنهم يحملون شهادات دراسية عليا – أغلبها في المجال السياسي. وهنا تكمن المفارقة!
لكن، كيف ذلك؟
من المعروف أن غالبية أو لنقل الكثيرين من السياسيين حصلوا على شهاداتهم الجامعية من جامعات أهلية عربية، وهنا تبرز علامات استفهام كبيرة. كما أن الكثير منهم حصل على شهاداته من جامعات أهلية عراقية أو حكومية خلال فترات توليهم المناصب أو أثناء وجودهم في حكوماتهم أو حكومات أحزابهم، وهو أمر يستحق التوقف والتساؤل أيضًا.

إذا كان هذا حال السياسيين، فما بال أولئك الذين لا يعملون في السياسة؟ هل أكملوا دراساتهم بدوافع ثقافية؟
في الحقيقة، رغم وجود دوافع علمية لدى البعض، إلا أن كثيرين كانت لديهم دوافع أخرى، منها قلة فرص التوظيف، حيث دفعت بعض القرارات الحكومية إلى تعيين حملة الشهادات العليا، فوجد البعض في الشهادة العليا فرصة للتعيين وبناء أسرة وتحقيق مستقبل طالما حلموا به.وهنالك نفس تلك الدوافع قد تكون أيضا هي السبب في التراجع الثقافي بين الشباب فعندما يسمع الشباب بأن من تخرج من الجامعات لايستطيع الحصول على عمل أو وظيفة فهذا يكون دافعا كافيا له لرفض معانات الدراسة من أجل المجهول !!
ولذلك أصبح من الطبيعي أن نجد مدرّسًا في الثانوية يحمل شهادة الماجستير أو الدكتوراه، بدلاً من أن يكون أستاذًا جامعيًا، أو أن نجد موظفًا بسيطًا في مؤسسة ما يحمل شهادة عليا، بينما مديره المتحزب لا يملك المؤهلات العلمية نفسها!

أما الدافع الآخر فهو تحسين الحالة المعيشية. فمع التضخم السنوي الطبيعي، والتضخم الناتج عن الوضع الأمني المحلي والإقليمي، وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، وتجاهل الحكومات المتعاقبة لتطبيق سلم رواتب عادل، أدى كل ذلك إلى خلق طبقية اجتماعية تدفع المواطن الطموح للبحث عن وسيلة تحفظ له كرامته. وبالتالي اندفع الكثير من الشباب نحو الشهادات العليا، ولو على حساب رصانة التعليم، وما يُعرف عن واقع الشهادات الجامعية العراقية.
وهذا ما أسهم في نشوء ثقافة سياسية متدنية، وخصوصًا بين رجال الأحزاب والمنتمين إليها.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!