آراء متنوعة

معرض تكنولوجيا النفط والغاز في بغداد بمواجهة واقع مرير

مع إعلان وزارة الكهرباء في بيان، عن فقدان منظومة الطاقة الكهربائية الوطنية 3500 ميغاواط من قدرتها الإنتاجية، وذلك نتيجة للانخفاض الحاد في واردات الغاز الإيراني المورد لتشغيل محطات الكهرباء التي تعتمد على الغاز، افتتحت الحكومة العراقية معرض تكنولوجيا النفط والغاز على ارض معرض بغداد الدولي للمدة من 1 ـ 4 حزيران 2025، بمشاركة 66 شركة عالمية متخصصة في مجال النفط والغاز بحسب بيان لوزارة التجارة كما شاركت فيه 8 دول أجنبية وعربية.

وقالت الشركة العامة للمعارض والخدمات التجارية العراقية في بيان ان الخطوة “تعكس التوجه الاستراتيجي للعراق نحو الانفتاح على التكنولوجيا الحديثة واستقطاب الاستثمارات العالمية في قطاع الطاقة”.

وتحدث ممثلو شركات سعودية عن اتفاقات لإيصال الغاز إلى فنادق العراق ومبانيه التجارية، كما تحدثت شركات من مصر والصين عن استعمال ما اسمته طرقا حديثة في مراقبة المنشآت العملاقة، وتطرق الجناح الإيراني إلى توفير أنواع جديدة من “الكابلات” توفر جودة أعلى لمناطق العمل، وبحسب مدير مبيعات شركة cable Yazd الإيرانية، فان: هذه المشاركة الأولى لنا في معرض بغداد للنفط والغاز، ولدينا خبرة في إنتاج الأسلاك الكهربائية والقابلوات التي تصل أعمارها الافتراضية إلى أكثر من 45 سنة وجميعها بجودة عالية ومصنوعة من مادة النحاس الإيراني المعروف بالجودة العالية، ونطمح للحصول على فرص استثمارية داخل العراق، بحسب تعبيره.

وتضمن حدث افتتاح المعرض تصريحات متفائلة أخرى لممثلي دول وشركات ولمسؤولين، فهل تلك حلول عملية بمقدورها توفير الطاقة للعراقيين؟

ان نقطة البداية في تحليل مشكلة الكهرباء في العراق هي الإقرار بأنها معضلة معقدة ومتعددة الأوجه، ولا يمكن اختزالها في تصريحات متفائلة من معرض أو اتفاقيات أولية؛ ما نشهده هو تكرار لنمط قديم من الوعود التي لا تترجم إلى واقع ملموس، وهذا يطرح تساؤلات جدية بشأن مدى جدية الحلول المطروحة وقدرتها على تحقيق التغيير المنشود.

هل الحلول المطروحة في المعرض عملية و بمقدورها توفير الكهرباء للعراقيين؟

لتقويم مدى عملية الحلول المطروحة، يجب تفصيل كل جانب، إذ أن الجانب الإيجابي المحتمل في اتفاقيات الغاز مع الشركات السعودية وبما أن العراق يستورد الغز بصورة رئيسة من إيران فان تنويع مصادر الغاز يمكن أن يقلل من الاعتماد على مصدر واحد ويحسن من استقرار الإمدادات. الغاز السعودي قد يكون حلا جزئيا لتأمين الوقود المطلوب لتشغيل المحطات، إذا جرى توجيهه بهذا الاتجاه، بعد أن كثر الحديث عن استيراده من دول بعيدة منها تركمانستان.

ومع هذا يبقى أن نقل الغاز يتطلب بنية تحتية ضخمة (أنابيب غاز)، هذه المشاريع تستغرق سنوات للتخطيط والتنفيذ، وليست حلولا فورية للصيف الجاري، كما أن تكاليف استيراد الغاز يعني تكاليف باهظة تثقل كاهل الميزانية العراقية، بخاصة في ظل تقلبات أسعار الطاقة العالمية.

و حتى لو توفر الغاز، فإن مشكلة الكهرباء في العراق تتجاوز مجرد توفر الوقود، تكمن المشكلات أيضا في سوء إدارة الشبكة، والفساد في عقود التشغيل والصيانة، والضائعات الكبيرة في النقل والتوزيع.

أما الحديث عن طرق حديثة لمراقبة المنشآت العملاقة (مصر والصين) فان جانبها الإيجابي المحتمل يتمثل في تحسين مراقبة المنشآت (محطات التوليد، شبكات النقل)، وذلك يمكن أن يقلل من الأعطال ويحسن من كفاءة التشغيل ويكشف عن التلاعب والفساد، وان التكنولوجيا الحديثة تقدم حلولا لهذا الجانب.

ولكن مجرد تواجد التكنولوجيا لا يعني تطبيقها بفعالية؛ الأمر يتطلب ملاكات مؤهلة، وإرادة سياسية لمكافحة الفساد، وتغييرا في العقليات الإدارية، فحتى أنظمة المراقبة يمكن أن يجري التحايل عليها في بيئة يتفشى فيها الفساد.

كذلك فان الحديث عن أنواع جديدة من “الكابلات” توفر جودة أعلى (الجناح الإيراني)، الجانب الإيجابي المحتمل فيها ان الكابلات عالية الجودة تقلل من الفقدان في نقل الكهرباء، وتحسن من كفاءة الشبكة، وتُقلل من الأعطال، هذا مهم جدا في شبكة كهرباء متهالكة كالعراقية، غير ان استبدال شبكة الكابلات القديمة على مستوى البلد يتطلب استثمارات هائلة ووقتا طويلا.

والمشكلة مضاعفة، اذ ان فقدان الطاقة في الشبكة ليس فقط بسبب رداءة الكابلات، بل أيضا بسبب سرقة الكهرباء والتجاوزات على الشبكة، وهذه مشكلة مجتمعية وإدارية أكبر بكثير من مجرد جودة الأسلاك.

هل ينطبق الواقع المزري على التصريحات؟ ولماذا تتكرر الوعود من دون جدوى؟

بحسب الخبراء هناك عدة أسباب لتكرار الوعود في العراق من دون طائل من أهمها، ضعف التخطيط الاستراتيجي وغياب الرؤية طويلة الأمد، إذ لا يتواجد تخطيط حقيقي وشامل لمواجهة أزمة الكهرباء يمتد لسنوات، بل يجري التعامل معها كأزمة موسمية تدار بالحلول الترقيعية.

والمشكلة الكبيرة التي تواصلت في البلد من دون حل التي تعرقل الحلول، هي الفساد الذي يعد أحد أكبر المعوقات؛ فعقود الكهرباء تعد من أكثر الاتفاقات التي تشوبها شبهات الفساد، من شراء الوقود إلى إنشاء المحطات وصيانتها، هذا يعوق أي محاولة لإصلاح حقيقي وفعال، فالأموال تهدر في مشاريع لا تنجز أو تنجز بجودة رديئة، كما ان أزمة الكهرباء تستغل كأداة للمزايدات السياسية وكسب الأصوات، بدلا من كونها مشكلة وطنية تتطلب تضافر الجهود؛ كل طرف يلقي باللوم على الآخر، وتعقد الصفقات التي تخدم مصالح ضيقة على حساب المصلحة العامة.

وتعاني وزارة الكهرباء والجهات المعنية من نقص الكفاءات والإدارة السليمة، مما يؤثر على قدرتها على تنفيذ المشاريع الكبيرة وإدارة الشبكة بفعالية؛ وبرغم تحسن الوضع الأمني نسبيا، ما تزال التحديات الأمنية والسياسية تعوق تنفيذ المشاريع الكبرى، وتبعد المستثمرين الجادين، و مع تزايد أعداد السكان والنمو العمراني، يزداد الطلب على الكهرباء بشكل مطرد، وهو ما يتطلب زيادة مستمرة في الإنتاج والتوزيع، وهو ما لا تواكبه قدرات العراق الحالية.

ان الحكومة العراقية غالبا ما تركز على “استيراد” الحلول والاتفاقيات مع الشركات الأجنبية، من دون معالجة المشكلات الهيكلية الداخلية، مثل الفساد وسوء الإدارة وتأهيل الملاكات الوطنية.

وبرأي المتخصصين فإن ما أعلن عنه في معرض تكنولوجيا النفط والغاز في بغداد، عبارة عن “نوايا” واتفاقيات أولية، أو حلول جزئية لا تعالج جوهر المشكلة، وفيما تظهر التصريحات إيجابية على السطح، فإن الواقع المعقد لأزمة الكهرباء في العراق يتطلب إصلاحا جذريا وشاملا يشمل مكافحة الفساد، وتحسين الإدارة، وتطوير البنية التحتية بشكل مستدام، وتخطيطا طويل الأمد، وما لم تعالج هذه الجذور، فإن الوعود ستظل تتكرر كل صيف وفي كل وقت، ويظل الإنسان العراقي يعاني من انقطاعات الكهرباء في ظل درجات حرارة قياسية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!