مقالات

لماذا تحتوي الكتب على فصول؟ كيف تغيرت الكتابة من العصور

مقال مترجم عن نك بيكر و إيان كوُمب

يتذكر نيكولاس دامز المرة الأولى التي فكر فيها بعمق في طريقة كتابة واضحة للغاية ولكنها غير مرئية إلى حد كبير, كان ذلك قبل حوالي عقدين من الزمن، عندما كان يكمل درجة الدكتوراه في الأدب الإنگليزي والأمريكي.
يقول أستاذ العلوم الإنسانية في جامعة كولومبيا لبرنامج ليت نايت لايڤ على قناة أي بي سي آر أن ” سألني أحد أصدقائي الذي لم يكن أكاديميًا أثناء جلسة سمر ذات ليلة، قائلاً: “لماذا تحتوي الروايات على فصول؟” “أدركت حينها أنه ليس لدي أدنى فكرة عن كيفية الإجابة على هذا السؤال. لقد كان مثل تلك الأسئلة كلماذا السماء زرقاء؟.
في السنوات التي تلت ذلك، عاد الپروفيسور دامز إلى هذا السؤال مرارًا وتكرارًا، لذلك قرر استكشاف تاريخ إستخدام الفصول (ألأجزاء) في ألكتب. قد يبدو هذا الموضوع أكاديميًا بشكل بحت، لكنه لا يتعلق بشكل خاص بكل التفاصيل المجهدة المتعلقة بمجلدات العصور الوسطى, ففي قلب هذا التاريخ تكمن الطريقة التي نروي بها القصص. من نمو الطفل إلى قضاء أمسية على الأريكة ومشاهدة قناة نيت فلكس، يؤثر الفصل (ألجزء) على حياتنا بطرق عديدة لا نلاحظها.
الفصل الأول: تاريخ طويل
أثناء معظم تاريخ البشرية، لم تكن النصوص مقسمة إلى أقسام أو فصول فقد كانت كلمات على كلمات على كلمات. أقدم نص مقسم إلى فصول تم العثور عليه من قبل الپروفيسوردامز يعود تاريخه إلى القرن الثاني قبل الميلاد وكان عبارة عن صحيفة ملفوفة تتضمن قانون روماني من مدينة أوربينو في وسط إيطاليا، كانت ألصحيفة (ألمخطوطة) تعلن عن قانون جديد كما يوضح الپروفيسوردامز، الذي ألف كتاب “الفصل: تاريخ مجزأ من العصور القديمة إلى القرن الحادي والعشرين”. ويقول: “لقد كان قانونًا مكملاً، لكنه كان مجزأً وتحمل أجزاؤه عناوين مختصرة”. هذه هي الطريقة التي تم بها استخدام الفصول الأولى – لتنظيم النصوص المعلوماتية حول موضوعات مثل القانون أو الطب أو اللغة، “لإخبار القراء أين يجدون المعلومات التي كانوا يبحثون عنها”
في معظم العصور القديمة، كان النوع الأكثر شيوعًا للنص هو المخطوطة ألتي كانت تأتي أحيانًا مع قائمة فصول، في مخطوطة أصغر مصاحبة لها.

الفصل الثاني: طرق الكتابة المختلفة
تناول بحث الپروفيسوردامز ألفي عام من تاريخ الأدب الغربي، مما يعني أنه رأى أيضًا كيف تطورت الكلمة المكتوبة. فمن المحتمل أن يجد قارئ اليوم أن النصوص القديمة لا يمكن التعرف عليها على الإطلاق فعلى سبيل المثال، لحد القرن التاسع، كانت السطور المكتوبة عبارة عن سلاسل متصلة من الحروف دون فواصل بين الكلمات.
يقول الپروفيسور دامز: “إن محاولة فهم كيفية القراءة دون فصل الكلمات عن بعضها ألبعض هي مهمة صعبة حقًا، ولكن يبدو أن ألقراء حينذاك فعلوا ذلك دون صعوبة كبيرة”. يُظهر بحثه أن “تاريخ النص هو تاريخ الطرق التي نقوم بها بتقسيم النص”. ويقول: “نحن نعيش حاليًا في نظام يتم فيه تقسيم النص بشكل متقن للغاية، لكن لم يكن هذا هو الحال قبل 2000 عام”

الفصل الثالث: كسب العيش عن طريق صنع الفصول
على مدى ألتأريخ لم يكن تقسيم ألنص إلى فصول مسؤولية الكتّاب، بل المحررين. وكان هذا يسمى “التسليم”. يوضح الپروفيسوردامز: ” يعد أخذ نص لم تكتبه شخصياً، نص موجود مسبقًا و تقسمه/ تجزؤه بطريقة منطقية تقنية قديمة، تمتد لأوروبا في العصور الوسطى، “. “لقد كان جهداً فكريًا قام به العلماء خاصة في الإمبراطورية الرومانية [وأيضًا] رهبان العصور الوسطى. لقد كان جهداً فكرياً طويل الأمد. ويمكن تقسيم الكتاب بطرق مختلفة لا حصر لها اعتمادًا على طبيعة عمل المحرر.

الفصل الرابع: تقسيم الكتاب المقدس
يقول الپروفيسوردامز ربما يكون الفصل “الأكثر عمقًا” في تاريخ الفصول هو الأناجيل المسيحية إذ يوضح أن الأناجيل كتبت في الأصل بدون فصول ولكن على مر السنين، وخاصة بين القرن الرابع والقرن الثالث عشر، تم تقسيمها بطرق لا حصر لها فقام بعض العلماء بتقسيم الأناجيل إلى فصول صغيرة للغاية، والبعض الآخر إلى فصول أكبر وأصبح الأمر مربكًا فعلى سبيل المثال، فيمكن أن يعني الإصحاح 12 من إنجيل يوحنا شيئًا واحدًا في إحدى النسخ وشيئًا مختلفًا تمامًا في نسخة أخرى. إلا أن ذلك تغير هذا في أوائل القرن الثالث عشر, فعلى الرغم من عدم التأكد من ذلك، يُعتقد أن ستيڤن لانگتون، عالم اللاهوت في جامعة باريس، والذي أصبح فيما بعد رئيس أساقفة كانتربري، هو الذي توصل إلى فصول الأناجيل الحالية حوالي عام 1210-1220
ألنظرية الأخرى هي أن نظام الفصول هذا جاء من سلسلة من المؤسسات الدينية في إنگلترا في ذلك الوقت
كانت الفكرة هي إنشاء فصول ذات حجم متساوٍ تقريبًا، مع إبقاء ألمنطقية ألسردية, لكن هذا الشكل من الفصول “قوبل ببعض الشك في ذلك الوقت… وبقي ألتشكيك فيه لغاية القرن الثامن عشر”، كما يقول الپروفيسوردامز.
الفصل الخامس: الإتجاه ألمضاد لتقسيم ألفصول
لم يكن الجميع سعداء بكون الفصول أجزاء قياسية من النصوص. ففي القرن السابع عشر، كان الفيلسوف الإنگليزي جون لوك ناقدًا لتقسيم الكتاب المقدس إلى فصول . في الواقع، كان يعتقد أنه لا ينبغي القيام بذلك على الإطلاق، كما يقول الپروفيسوردامز. ” إذ كان يعتقد أن تفصيل النص يعيق إستمرارية الفكر أثناء القراءة” إعتقد لوك أنه يتوجب على المرء أن يقرأ بطريقة متواصلة، متبعًا ما أسماه سلسلة من الحجج من البداية إلى النهاية، وكانت الفصول بالنسبة له طريقة كارثية للتعامل مع النص.
الفصل السادس: تحديد الوقت
ما تلى كان تحولاً كبيراً إذ انتقل استخدام الفصول إلى عالم الكتاب أنفسهم, وأصبحت الفصول جزءًا من طريقة كتابة المؤلف، وكانت القصص تُكتب مع وضع الفصول في الاعتبار
و مع ظهور الرواية الحديثة في أوروپا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، كانت الفصول بمثابة أدوات توقيت، وجزء من إيقاع القصة. يقول الپروفيسور دامز: “اتخذ المؤلفون القرارات، إما بتقصير الفصول أو صياغتها بطرق معينة وأصبحت الفصول مكانًا رائعًا حقًا للمؤلفين، أو الرواة، لمخاطبة القارئ مباشرة و لتذكير القارئ بقدرته على المغادرة أو أخذ استراحة. أو لجذب انتباه القارئ او للاعتذار عن أخذ الكثير من وقت القارئ, لإقامة نوع من العلاقة التواصلية مع القارئ”

الفصل السابع: إستخدام ألفصول في تنمية الأطفال
يقول الپروفيسوردامز إن إحدى علامات نمو الطفل اليوم هي الانتقال من الكتب المصورة إلى “ألكتب ألمقسمة لفصول”. تعتبر الكتب المقسمة لفصول “خطوة تنموية كبيرة في تجربة الأطفال مع السرد … [فهي] ما يقرأه الأطفال عندما ينضجون حقًا في حقل القراءة والكتابة.
يشبه هذا التحول “ما يسميه علماء النفس “ديمومة الكائن” – وهي اللحظة في مرحلة الطفولة التي يدرك فيها الطفل أنه لمجرد أنك قمت بإخفاء شيء ما، فإنه لا يزال موجودًا
يقول: “الفصل يعمل وفق هذه الطريقة، من حيث الوقت، بالنسبة للأطفال مجرد توقف القصة مؤقتًا، يمكنهم استئنافها… إنها تخبر الأطفال أنه يُسمح لهم بالمغادرة وإعادة إلدخول في السردية”

الفصل 8: البث ألتلفزيوني ( ألفضائيات)
شهدت التطورات التكنولوجية خلال العقود الأخيرة انتقال فكرة الفصول إلى طرق أخرى لسرد القصص. أصبحت الفصول جزءًا من البرامج التلفزيونية أو برامج البث ألمباشر، وذلك بتنظيم الحلقات المعدة بعناية لقطاعات مختلفة، وغالبًا ما تستخدم عمليات إعادة التقديم والتشويق
ويقول: “هذا يعني أن هذه الروايات يمكن أن تتسرب إلى حياتنا نوعًا ما. وعندما نكون في حالة لا نستهلك فيها الاعمال الخيالية ، يمكننا أن نسمح للتجربة بالانتشار في يومنا هذا”. على سبيل المثال، بدأت سلسلة شوگن على قناة أف أكس لهذا العام كل حلقة بعنوان ، ثم تنكشف الدراما بطريقة مستقلة إلى حد ما. يقول الپروفيسور دامز إن إستخدام الفصول “شائع جدًا ومرن جدًا وغير رسمي إلى درجة أنه يمكن دائمًا إعادة اختراعها”. “لذلك أعتقد أنه إلى حد ما، ستكون [الفصول] معنا دائمًا”.
ألمصدر:
https://www.abc.net.au/news/2024-05-26/the-history-of-chapters-childrens-books-netflix-bible-gospels/103801690

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!