مقالات

كيف أُعلن موتي على فيسبوك وأنا على قيد الحياة؟ – نبيل بكاني

في عصر تتسيد فيه المنصات الرقمية حياتنا الاجتماعية، صار لوجودنا على الإنترنت بعدٌ يوازي وجودنا الواقعي، وأصبح الحضور الرقمي جزءًا لا يتجزأ من هويتنا. لذلك، عندما تُخطئ هذه المنصات في التعامل مع بياناتنا، قد تكون العواقب أشد تأثيرًا مما نتخيل.

في عام 2020، عشت تجربة فريدة من نوعها، حيث أُعلن موتي على فيسبوك بينما كنت أتنفس الحياة وأمارسها بشكل طبيعي. لم يكن هذا الخطأ البسيط، بل إعلانًا رسميًا وصادمًا نُشر على حسابي، قيد الظهور للجميع، مع منعي من الدخول إليه أو حتى إدارة حسابي.

ربما يبدو الأمر للبعض مجرد خلل تقني أو زلة عابرة، لكن ما تعرضت له كان كارثة شخصية ومهنية، لم تقتصر على حذف بيانات أو حساب، بل تسببت في صدمة عائلية واجتماعية، وأثرت على سمعتي ومكانتي المهنية. استقبال مكالمات التعازي من أقرب الناس، واستنكار أصدقاء لم يعرفوا الحقيقة، كلها تفاصيل جعلتني أشعر بأنني تم طمسي من واقع الحياة، وتجاهلت عالمي الافتراضي الذي يعكسني.

ما زاد من وقع الصدمة، هو غياب أي رد فعل من الشركة المعنية، وعدم تحرك أي جهة قانونية بشكل جدي. رغم تقديمي شكاوى رسمية إلى القضاء المغربي، وحتى إرسال رسائل وشكاوى إلى ميتا، لم يُزال الإشعار الكاذب بعد، ولم يتم تقديم اعتذار أو تعويض.

الأمر يفتح باب التساؤل عن مدى مسؤولية شركات التكنولوجيا الكبرى تجاه مستخدميها، خاصة من دول الجنوب التي غالبًا ما تُهمش في سياسات التعامل مع الشكاوى. هل أصبحت الهوية الرقمية قابلة للإلغاء والإلغاء الرقمي صار واقعًا يهدد كرامتنا وحقوقنا؟

هذا الخلل لا يجب النظر إليه كحادث فردي، بل كرسالة تحذيرية على هشاشة أنظمة الحماية الرقمية، والافتقار إلى آليات إنصاف عادلة للمستخدمين في مواجهة الأخطاء التي قد تدمّر حياتهم.

إن مسؤولية ميتا وغيرها من الشركات الكبرى لا تتوقف عند تصحيح الأخطاء التقنية، بل تمتد إلى ضمان احترام الحقوق الرقمية، وتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية تجاه المتضررين، خصوصًا من أولئك الذين لا ينتمون إلى مراكز النفوذ الرقمية والاقتصادية.

في زمن أصبحت فيه هوياتنا وأرواحنا تتشابك مع وجودنا الرقمي، لم يعد مقبولًا أن تُترك حقوقنا معلقة، وأن يتم التعامل مع أخطائنا وحقوقنا الرقمية على أنها ترف أو خيار، لا ضرورة وحاجة.

قصتي ليست استثناء، بل هي صرخة لكل مستخدم قد يتحول غدًا إلى “ميت افتراضي” بلا حق، بلا حماية، وبلا صوت يُسمع.

في النهاية، لا يمكننا تحقيق العدالة الرقمية إلا بتكاتف المستخدمين والمجتمع المدني والهيئات القانونية للضغط على الشركات الكبرى، لإرساء قواعد تحمي حقوق الجميع في عالم يزداد رقمنة يوماً بعد يوم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!