آراء متنوعة

كارثة نفاد المياه

أ.د. يعرب قحطان الدُّوري
عضو الأكاديمية الأوروبية للعلوم

تشير التوقعات إلى أن الطلب العالمي على المياه العذبة سيتجاوز المتاح بنسبة 40 في المئة عام 2030م، نتيجة تضافر عوامل البيئة وتفاقم تصرفات الإنسان غير المسؤولة والنمو السكاني. حيث يصنف البنك الدولي ندرة المياه بعدم حصول الشخص الواحد من السكان سنوياً على ألف متر مكعب من المياه العذبة.

وتشير الدراسات الجيولوجية والبيئية إلى أن لندن مقدمة إلى مراحل شح في المياه العذبة، نتيجة نقص مستوى الأمطار، واعتمادها كليا على مياه الأنهار. وحاليا نرى الخرطوم، والقاهرة، ونجد مدن العراق تعاني من شبح أزمة نفاد المياه بفعل فاعل. ولو حسبناها عالميا فإن نحو 70 في المئة من مساحة اليابسة على الكرة الأرضية مغطاة بالمياه، غير أن 3 في المئة فقط منها متاحة عذبة، صالحة للاستهلاك البشري.

ويبلغ تعداد البشرية اليوم ما يقارب ثماني مليارات نسمة، لكن أكثر من مليار شخص من البشرية يفتقرون إلى توفر المياه، في حين يعاني 2.7 مليار شخص آخر من ندرة المياه خلال شهر على الأقل من العام. كما أن التلوث الحاصل في كثير من الأرجاء نتيجة تزايد النفايات الصناعية، وتفاقم عملية الاحتباس الحراري، وثقوب الأوزون، وفساد التربة والبحيرات ومجاري الأنهار والمياه الجوفية تزيد الأمر سوءاً.

وكانت دول الخليج العربي ولا تزال تعاني نقص الموارد الطبيعية للمياه العذبة، واستنزاف الموجود في عمليات الزراعة الصحراوية، وقد تسابقت أكثر تلك الدول لعمليات تحلية مياه البحار بالطرق الصناعية الكلاسيكية، وهي تسعى مستقبلاً لتحويل ذلك إلى الطاقة النووية، عبر تشغيل عدد من المفاعلات الذرية. لقد أصبح الماء العذب قضية وأزمة كبرى للبشرية، والكارثة أنها تفتقد إلى الحلول المفيدة الدائمة.

وهناك نحو 15 دولة واقعة بين الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني من الإجهاد المائي، وبحلول عام 2050 ستكون هذه البلدان هي الأكثر تضررا من أزمة مياه عالمية من المتوقع أن تطول نصف سكان الكوكب الأرضي. وفي مؤتمر تنمية المياه لعام 2024 سجل هناك ما بين مليارين إلى ثلاث مليارات شخص في العالم يعانون من نقص المياه لمدة شهر واحد على الأقل كل عام والذي من المتوقع أن يتفاقم على مدار العقود القادمة ليشمل 60% من سكان العالم.

والأردن ليس البلد العربي الوحيد الذي يعاني ندرة المياه، فالوضع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو الأسوأ من حيث الإجهاد المائي، إذ تستقبل المنطقة كمية أقل من نظيرتها في المناطق الأخرى، كما يهدد الإجهاد المائي اقتصاديات الدول النامية وأمنها الغذائي، وقد ذكر تقرير مؤتمر تنمية المياه أن أكثر من 25 دولة عربية تعاني من الإجهاد المائي. كذلك تفعل التغيرات المناخية فعلها في اليمن حيث يعتمد مزارعوه على الآبار الجوفية ومواسم هطول الأمطار في الزراعة، فشكلت عمليات سحب المياه العذبة 168% من إجمالي موارد اليمن من المياه المتجددة، ونتيجة للتغيرات المناخية تفاقمت أزمة شح المياه في البلاد بطريقة غير مسبوقة.

وهذا بخلاف الأزمة بين مصر وإثيوبيا التي من الممكن أن تتطور إلى حرب مائية وشيكة. وإذا أردنا معرفة التأثير الخطير لندرة المياه على الكهرباء، فلا يوجد نموذج أوضح من الهند، إذ تسببت ندرة المياه في مشكلة كبيرة لقطاع الطاقة في البلاد، لأن 90% من محطات الطاقة الحرارية في الهند التي تزود البلاد بمعظم الكهرباء تعتمد على المياه العذبة للتبريد، ونتيجة انخفاض إمدادات المياه في الهند بين 2017-2021 فقدت البلاد نحو 8.2 تيراواط في الساعة من الطاقة، وهو ما يكفي لتزويد 1.5 مليون أسرة هندية بالكهرباء مدة خمس سنوات.

وبحلول 2050 فمن المتوقع أن يصل سكان الأرض إلى 10 مليار شخص، وهم بحاجة إلى تأمين غذائهم، لكن 60% من الزراعة العالمية تعاني بالفعل بفعل الإجهاد المائي الشديد، خاصة المحاصيل التي تحتاج إلى كميات كبيرة من مياه الري مثل قصب السكر والقمح والأرز والذرة، علاوة على التغيرات المناخية، وإن ندرة المياه ستؤدي إلى نزوح مئات الملايين من الناس بحلول عام 2030.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!