عراقيان وجائزة عويس
عراقيان وجائزة عويس
سعيد وكجه جي ينتميان إلى خيالهما
فاز عراقيان بجائزة عويس هذه السنة، شاعر وروائية. الشاعر هو حميد سعيد الساكن في عمان منذ أكثر من عشرين سنة، والروائية هي إنعام كجه جي الساكنة في باريس منذ أكثر من أربعين عاما وكلاهما مقيمان في بغداد.
في تلك المنطقة التي تتحول فيها المشاعر إلى قوى ضاغطة يقع الجزء الأكبر من انتمائهما إلى عالم الكتابة الذي هو الوطن الحقيقي لكل كاتب يعالج غربته بنزاهة.
غمرني حميد سعيد بترف شعري حين زوّدني بكل كتبه الشعرية وكانت إنعام كجه جي حريصة على إثراء خيالي بحكاياتها.
وإذا ما كانت الجوائز تمثل فرصة للإطراء والثناء، فإن سعيد وكجه جي قد سبق لهما التمتع بسعادة أن يكونا موضع محبة، على الرغم من أنهما كانا دائما مشاكسين ومتمردين ورافضين للنفاق الاجتماعي، وفيهما من الرغبة في قول الحقيقة والانحياز لها ما يمكن أن يهدم كل حكايات التسويات المظهرية.
وقد يختلف الاثنان في طريقة تفكيرهما ونظرهما إلى العالم والحياة. حتى في الشؤون الصغيرة ليس المطلوب أن يتفقا، ولكن العراق الذي يُخشى أنه قد تحول إلى فكرة هو ما يجمعهما.
عراقهما لا ينتمي إلى الماضي، فهما لا يتغنيان بما لن تتمكن الأجيال العراقية المقبلة من رؤيته. لقد اجتازا مرحلة الحنين بإتقان ودراية كما لو أنهما صارا يحملان العراق معهما.
لقد قرأت قصائد عديدة لحميد سعيد عن النسيان كما أن إنعام كجه جي كتبت رواية كاملة هي الصيف السويسري، موضوعها العلاج من التعصب وهو المرض الذي أصيبت به الشخصية العراقية بسبب البنية المريضة للأحزاب.
ما لا يدركه الكثيرون، أن إنعام كجه جي وحميد سعيد ينتميان إلى العراق بطريقة شخصية وليس بالطريقة التي يود المرء من خلالها أن يكون عضوا في جماعة ما. إنهما عراقيان. لهما في العراق حصة لا يراها أحد ولا ينافسهما عليها أحد.
لديهما كيلومترات من العاطفة العراقية وليس لديهما متر واحد من أرض العراق. كائنان خياليان. ألم يكن السومريون وهم بناة أول حضارة بشرية على وجه الأرض كائنات خيالية؟ لا يزال حميد سعيد يتسلق الجنائن المعلقة في بابل وهو ابن الحلة ولا تزال إنعام كجه جي تراقب أصابع النحات الأشوري الذي أبدع الثيران المجنحة وهي ابنة الموصل.
أحب الاثنان العراق، عراقهما الذي لا مثيل له. لن يشاركهما أحد فيه، فهو عراقهما لوحدهما. العراق الذي لم يعرفه سواهما.
ينتمي سعيد وكجه جي إلى خيالهما، الخيال الذي يقع العراق في مكانه الحقيقي وهو مكان خانه الواقع منذ زمن طويل.
لو أن أحدا سألهما عن موقع ذلك العراق لاكتفيا بالنظر إلى السماء. ذلك لأنهما مثل الأمير الصغير في رائعة إكزوبيري قادمان من كوكب بعيد اسمه العراق.
فاروق يوسف
كاتب عراقي
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.