مقالات دينية

صرنا مثل سدوم وأشبهنا عمورة

” صرنا مثل سدوم وأشبهنا عمورة “

عقاب من الله أم عاقبة الخطيئة

اعتاد الكتاب المقدّس أن يعيد كلّ ما يحصل في الكون إلى الله. ويكاد بعضَ المرّات ينسى المسؤوليّة البشريّة. أو هو لا يتكلّم عنها. لهذا، كان كلام القدّيس بولس في هذا الخطّ حين قال عن مثل هؤلاء الخطأة إنّ الله أسلمهم إلى الشهوات. في الواقع، هم أسلموا أنفسهم. ونستطيع أن نقول في لغتنا الدينيّة الحديثة: سمح الله أن يصيبهم ما أصابهم. والأمر نفسه يصحّ في أهل سدوم. اعتادوا على مثل هذه الخطايا، فوصلت بهم الحالة إلى الكارثة والدمار. وفي أيّ حال، هذا الزنى المستشري على جميع المستويات لا بدّ له أن يشوّه الشخص البشريّ، ويدمّر المجتمع من أساسه بدءًا بالعائلة. ويتكلّمون عن الحريّة، وكأنّ الحريّة تعني الانفلات من كلّ شريعة. وكأنّ الحريّة هي الإباحيّة بحيث نعامل الأشخاص الذين يحيطون بنا كشيء نستغلّه قبل أن نرميه جانبًا. فالحريّة هي المناخ الذي فيه أرتفع إلى الله، وأرفع الآخرين معي. وحده الإنسان، بين جميع المخلوقات، يتمتّع بهذه الحريّة، بهذه الإرادة التي توجّه أقواله وأعماله وكلّ حياته.

في هذا النصّ الذي نقرأ، نفهم أنّ الله دمّر سدوم وعمورة، بسبب الخطايا الكثيرة. فقد سبق وأعلن سرّه لإبراهيم: ”هل أكتم عن إبراهيم ما أنوي أن أفعله؟” (تك 18: 16). ويتابع كلامه: ”كثُرت الشكوى على أهل سدوم وعمورة، وعظُمت خطيئتُهم جدٌّا. أنزل وأرى هل فعلوا ما يستوجب الشكوى التي بلغت إليّ” (18: 20)؟ بدا الربّ كملك وصلت إليه أخبار، ولا بدّ من معاقبة المذنبين. بل أراد أن يرى بعينيه ولا يكتفي أن يسمع بأذنيه. وعزم على إزالة المدينة. وما الذي أخّره؟ تشفّع إبراهيم. ثمّ أرسل ملاكين يمثّلان حضور الله وسط البشر. أراد أهل سدوم أن يتعدّوا عليهما. وهذا يعني أنّهم مستعدّون أن يتجاوزوا كلّ شريعة إلهيّة. ولكن سوف ينجو لوط كما نجا نوح من الطو*فا*ن. هناك بقيّة بارّة تنجو. نجا نوح وأهل بيته من أجل برّه. ونجا لوط وبنتاه من أجل إبراهيم. ولكنّ سائر أقارب لوط رفضوا أن يخرجوا من المدينة. فضّلوا الخطيئة والموت على الهرب بعيدًا عن الشرّ طلبًا للحياة. ذاك هو وضع الخاطئ الذي يمكن أن أكون أنا، الذي يمكن أن أراه. فالخاطئ يتعلّق بخطيئته. يصبح عبدًا لها، فلا يعود يقدر أن يتخلّص منها. ذاك هو وضع من يدمن مثلاً على المخدّرات. في النهاية، يشوّه شخصه ويقود نفسه إلى الموت. هنا تظهر مسؤوليّة الخاطئ الذي يحترم الله له حرّيّته حتّى النهاية، ولو أراد أن ينحدر إلى آخر ما يمكن من الانحدار. أما ترك الأب ابنه الأصغر يبتعد عن البيت الوالديّ وتصبح رفقته الخنازير؟ ما رفض الأب طلب ابنه، ما منعه، ما وضع في طريقه الحواجز. لا شكّ في أنّه قد يكون نصحه فرفض أن ينتصح.

وهكذا، لن نكون فقط أمام عقاب من الله، عقاب يسمح به الله من أجل توبة الإنسان، بعد أن يُطيل باله علّ هذا الخاطئ يعود إليه، بل نصبح أمام عاقبة الخطيئة. نتذكّر في هذا المجال الضربات العشر التي أصابت مصر على ما يروي سفر الخروج. تارة يقول النصّ إنّ الله قسّى قلب فرعون. وطورًا يقول: فرعون قسّى قلبه. في الواقع، يرفض فرعون أن يعترف بقدرة الله، يرفض أن يسمع الوصيّة التي تمنعه من استعباد الناس واستغلالهم. لهذا، فهو مسؤول عن خطيئته. وما يصيبه هو عاقبة تلك الخطيئة ونتيجتها. ففي النهاية، قاده تصلّبه وكبرياؤه إلى الغرق في البحر، إلى الموت هو وجيشه.

لا نتوقّف هنا على ما يصيبنا وعيالنا من مصائب بسبب خطايانا وأخطائنا، وننسب كلّ هذا إلى الله. هذا يعني تهرّب من المسؤوليّة. هذا في الواقع ما حصل في الخطيئة الأولى التي هو النموذج والأصل لكلّ خطيئة في العالم. فالإنسان له حدود لا يمكن أن يتجاوزها. وإن هو تجاوزها دفع ثمن فعلته. يسقط في الهوّة، يهلك. تصل به خطيئته إلى ما لا يريد بحيث يخسر الكثير الكثير. وليس جسده فقط، بل يصبح جسده ونفسه في جهنّم، كما يقول يسوع. وعلى مستوى ما يحدث اليوم من زلازل وكوارث، أما أكثرها من صنع الإنسان؟ لن نتكلّم عن الحروب! والكوارث المرتبطة بالطبيعة، يستطيع الإنسان أن يتجنّبها، بل يتغلّب عليها إن هو شاء. وأفصح مثال على ذلك، تعامل البنّائين مع الهزّات الأرضيّة. ولكنّ الإنسان لا يريد أن يسمع، لا يريد أن يفعل. وفي النهاية، ينسب ما يحدث له إلى الله، كما فعل آدم فاعتبر أنّ المرأة التي أعطاها الله إيّاه سبّبت الخطيئة. وربطت حوّاء الخطيئة بالحيّة التي تمثّل الشرّ في العالم. ولكنّ الله نبّه الرجل والمرأة معًا إلى مسؤوليّتهما، وينبّه كلّ واحد منّا، فيدعونا إلى الإيمان والثقة به. عندئذٍ، تكون له الراحة لا التعب والآلام. تكون لنا الحياة، لا الموت…

خاتمة

وهكذا نكتشف من خلال قراءتنا لما حدث لسدوم وعمورة، نداء إلى التوبة، وعبرة يجب بها أن نعتبر لكي نرجع إلى الله. ففي زمن المسيح، ظلّوا يظنّون أنّه إن مات شخص أو أشخاص في حادث مريع، فهو خاطئ، فهم خطأة. ولكنّ يسوع رفض أن يعطي الجواب حين أخبروه بحادثتين جرتا في أيّامه: ”أتظنّون أنّ خطيئة هؤلاء الجليليّين أكثر من خطيئة سائر الجليليّين حتّى نزلت بهم هذه المصيبة؟ أقول لكم: لا. وإن كنتم لا تتوبون، فستهلكون كلّكم مثلهم.” (لو 13: 2-3). في النهاية، كلّ هذه الأخبار، التي نعتبرها ضربات، يمكن أن تكون لنا تنبيهًا وتحذيرًا. في الأيّام العاديّة، نفعل كما فعل جيل نوح: نأكل، نشرب، ولا نفكّر متى سوف نموت. بل لا نفكّر بنهاية حياتنا على الأرض. نتابع عمل الشراء والبيع، والزرع والبناء، وننسى الباقي. نفعل كما فعل ذاك الغني الجاهل الذي أغلّت أرضه، فما عاد يعرف ماذا يعمل بهذه الغلّة. وبدل أن يقتدي بالله فيعطي ويُعطي، أراد أن يكدّس الخيرات خوفًا من الموت جوعًا: كلي يا نفسي وتنعّمي، فأمامك خيرات تكفيك السنين الكثيرة. ولكن جاءه الجواب سريعًا: يا جاهل، في هذه الليلة تؤخذ منك نفسك. وهذا الذي أعددته لمن يكون؟ وينتهي كلام المثل الإنجيليّ: ”هكذا يكون مصير من يجمع لنفسه ولا يغتني بالله” (لو 12: 21). ذاك كان مصير سدوم وعمورة، بل مصير كلّ واحد منّا. فالخبر الذي قرأناه ليس للمتعة والتسلية، بل نداء إلى التوبة، أطلقه الإنجيل منذ البداية: ”توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات”!

– اعتاد الكتاب المقدّس أن يعيد كلّ ما يحصل في الكون إلى الله.

– الحريّة هي المناخ الذي فيه أرتفع إلى الله، وأرفع الآخرين معي.

– الإنسان له حدود لا يمكن أن يتجاوزها. وإن هو تجاوزها دفع ثمن فعلته.

– نبّه الله الرجل والمرأة معًا إلى مسؤوليّتهما، وينبّه كلّ واحد منّا، فيدعونا إلى الإيمان والثقة به.

نكتشف من خلال قراءتنا لما حدث لسدوم وعمورة، نداء إلى التوبة، وعبرة يجب بها أن نعتبر لكي نرجع إلى الله.

– الخبر الذي قرأناه ليس للمتعة والتسلية، بل نداء إلى التوبة.

“المونسيور بولس الفغالي”

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!