مقالات دينية

هل غاية الإيمان المسيحي هي فقط المعاملة الحسنة بين الناس؟

الكاتب: مشرف المنتدى الديني
 

 

 

 هل غاية الإيمان المسيحي هي فقط المعاملة الحسنة بين الناس؟
إعداد/ جورج حنا شكرو
يرى الكثيرون أن المسيحية أو بالأحرى الدين، بصورة عامة، هو “المعاملة” بين الناس فإن كان الإنسان لا يؤذي أحداً ويحب الخير لغيره يكون قد حقق غاية الدين بغض النظر عن التعقيدات الدينية من عقائد وأصوام وصلوات وطقوس… الخ. ما رأي المسيحية في هذا الموقف؟ 
الإنسان كائن مخلوق على صورة الله ومثاله. الصورة الإلهية للإنسان هي التي تميزه عن سائر المخلوقات المنظورة. الصورة الإلهية هي ما تجعل الإنسان فريداً وخلاقاً في خلقه وحياته ومصيره. هذا يعني أن الإنسان مخلوق مدعوٌ ليكون شريكاً لله في حياته، ليكون صديقاً لله. هذا لا يكون إلا بالاتحاد بالله. هذا الاتحاد يعني عودة الإنسان الذي سقط إلى الحظيرة الإلهية، وبالتالي صيرورته إنساناً كما أراده الخالق أن يكون. فالله خلق الإنسان لا ليكون غريباً عنه بل شريكاً له في حياته الإلهية. هذا هو هدف الحياة المسيحية: أن نصير “شركاء الطبيعة الإلهية” بحسب تعبير القديس بطرس الرسول (2بطرس4:1
المسيح أتى لخلاصنا من الخطيئة وليفتح لنا إمكانية الاتحاد بالله بواسطته.
بسقوط الإنسان دخلت الخطيئة إلى العالم. فصار جميع الناس خطاة لأنهم تغرّبوا عن الله. وأجرة الخطيئة هي الموت. لهذا اجتاز الموت إلى جميع الناس كنتيجة حتمية لحالة الخطيئة التي نعيش فيها (رومية12:5). لهذا كان على المسيح أن يخلّصنا أولاً من حالة الخطيئة التي نولد فيها ونعيش فيها. فالخطيئة هي عدوّنا الأول. والخطيئة هي التغرب عن الله. المسيح صالَحنا مع الله. فصِرنا بالمسيح أولاد الله وأخوة ليسوع بالتبني.
من هنا نفهم أن غاية المسيحية لم تكن “المعاملة الحسنة” بين الناس فقط، ولا صنع بضعة أعمال خيرية، ولا إرضاء جملة من النواميس أو الفروض أو الشرائع أو الوصايا. عدونا الأول هو الخطيئة وحالة الخطيئة التي نعيش فيها، وليس المعاملة السيئة بين الناس أو سواها من السلبيات الاجتماعية. المعاملة الاجتماعية قد لا تعني شيئاً إذا بقيت الخطيئة وفعلها وإغراءاتها فينا.
فيمكن للإنسان أن يطيع الفرائض المفروضة عليه (الدينية وسواها) ويكون قلبه، رغم ذلك، بعيداً عن الله. ففي مَثَل الفريسي والعشار (لوقا9:18-14) لم يتبرر الفريسي رغم أنه كان يحفظ الناموس، لكن قلبه كان بعيداً عن الله. هذا ما قاله الرب يسوع مستشهداً بأشعيا النبي القائل: “يا مراؤون، حسناً تنبأ عنكم أشعياء قائلاً: يقترب إلي هذا الشعب بفمه، ويكرّمني بشفتيه، وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً” (متى7:15-8؛ أشعياء13:29
المعاملة الحسنة بين الناس لا تخلِّص الإنسان لأنها لا تطهّره من الخطيئة. الإنسان بقواه أو تقواه أو اجتهاده لا يمكنه أن يخلص من الخطيئة ما لم ينل نعمة المسيح المخلصة، ما لم يولد ثانية بالمسيح وفي المسيح إلى حياة جديدة. فمهما بدا إنسان اليوم مهذباً ومؤدّباً و”آدمياً” ومُحباً للخير، إلا أن هذه الأعمال والصفات لا تمنعه من ارتكاب الخطيئة أو من الاشتهاء أو من إيواء الأهواء فيه. وبالأصل هذه الأعمال الخيرية لا تجدّد فيه الصورة الإلهية المهشّمة بالخطيئة، ولا تلده إلى حياة جديدة، ولا تفتح له الطريق إلى الحق والحياة الأبدية.
الكثير من غير المسيحيين يمارسون شكلاً من أشكال الصوم، إلا أن هذا الصوم لا يعني تخلّصهم من الخطيئة. لهذا قال الرب: “ليس ما يدخل الفم يُنجّس الإنسان، بل ما يخرج من الفم، هذا ينجس الإنسان” (متى11:15). فالصوم لا ينقّي القلب بحد ذاته، بالتالي قد يخرج الصائم من قلبه كل أنواع الشرور. ما يطهِّر القلب هي نعمة المسيح، وبالتالي تصون هذه النعمة قلب الصائم وعقله وفمه.
الذين يعتقدون أن “الدين” هو المعاملة الحسنة بين الناس فحسب هم، مع الأسف، لا يفهمون معنى الإيمان المسيحي، ويصنفونه كدين من جملة الأديان الأخرى. وهم لا يعلمون أن عدو الإنسان الأول والأخير هو الخطيئة، وبالتالي يخونون المسيحية بموقفهم هذا
 

..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!