مقالات دينية

صراعنا مع قوى الشر الروحية

صراعنا مع  قوى الشر الروحية

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم ، بل مع الرؤساء ، مع السلاطين ، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر ، مع أجناد الشر الروحية في السموات ) ” أفس 12:6 “

في البدء ، وقبل وجود الإنسان ، بدأت المعركة بين معسكر الله وبين الملاك لوسيفيرس عدو الله الأول ، وبعد أن خلق الله الإنسان أخذ المتمرد وقواده بتوسيع دائرة الصراع لتشمل الإنسان المخلوق على صورة الله ليدخل معه في صراع دائم ضد الخالق . نجح عدو الخير في إسقاط الإنسان فزادت رقعة المعركة والمواجهة المأساوية بين معسكر الله ومعسكر سيد هذا العالم ، والله أرسل ابنه الوحيد فتجسد وتأنس وصار آدم جديد لهدف دعوة الإنسان للأنضواء تحت راية معسكره . كان للإله المتجسد القدرة لمواجهة خطط العدو، فدخل في معركة حامية معه بعد عماده في مياه نهر الأردن وصيامه الأربعين يوماً فأقهره وفضح خططته وانتصرعليه ، فأعلن الشيطان هزيمته ، لكنه أجل تحديه بعد التجارب الفاشلة إلى حين .

بدأت البشرية تنتمي إلى أحد المعسكرين ، فيسوع يدعو الجميع إلى قطيعه وتحت راية صليبه لكي يشمل الخلاص للجميع لأنه تجسد ليموت عن كل إنسان . ولوسيفيرس يعمل بكل قوة لخداع الكثيرين للإنتماء تحت رايته ، فيظهرللناس كمن يعمل لمصلحتهم فيبدو لهم كملاك نور ، أو كأسد زائرمخيف يسعى إبعاد الناس من نداء الملك السماوي لكي يتمردوا أولاً ، ومن ثم  يلبوا طلباته ، فعلى الإنسان أن يختار أحد المعسكرين . الذي يكشف خطة عدو الله سيقاومه بكل ثبات طالباً من الرب أن يقوي بصيرته ويعضد قوته بواسطة النعمة لكي تتجلى الصورة الحقيقية للمجرب أمامه ، بعدها سيفضح مكر ودهاء الإبليس الذي قد يجرب الإنسان بأقرب أقربائه ومحبيه ، وتجاربه مستمرة مع العمر لهذا يجب أن يكون الإنسان في حالة أستعداد لمقاومة التجربة في كل وقتٍ ومكان .

الشر موجود في العالم ، زرعه الشيطان في زرع الله كالعدو الذي يزرع الزوان في حقل خصمه ، فعلى كل إنسان أن يعلم بأن لديه عدو متربص ككائن سري يعمل في الخفية يخطط له ، وهو أشد ذكاءً منه ، لأنه يمتلك ذكاء وحكمة ملاك  ، يظهر في خطته كأنه جاء بدافع الحب لكي يدافع عن مصلحته كما فعل مع أمنا حواء ، لكن في الحقيقة مجيئه يكون دائماً بدافع الخبث والحقد لتدميرالمخلوق الذي يعبد الله . الله يعطي القوة والحكمة والقدرة للإنسان لكي يقاوم الشرير ويهزمه وكما فعل مع تلاميذه عندما ارسلهم إلى القرى للتبشير بملكوته ، فأعطاهم القدرة لطرد الشياطين والأرواح الشريرة ، فتلك المعركة التي قادها يسوع كانت لكسب بني البشر إلى معسكر الله ، فعند عودة تلاميذه من المعركة ، صرح لهم عن نتائجها ، فقال ( كنت أرى الشيطان يسقط من السماء كالبرق ) ” لو 18:10 ” . وهكذا نلتمس من قصص العهد الجديد صراعاً واضحاً ، بل معارك مستمرة بين المسيح والشيطان ، فغاية المسيح واضحة ، وهي ( طرد سيد هذا العالم إلى الخارج ) ” يو 31 : 12 ” . والعدو يستمر مع نسل المرأة ” رؤ 11:12 ” وإن كانت هزيمته واضحة له مسبقاً ، لأنه لا يكل ولا يمل ولا يخجل من الفشل .

في جبل التطويبات أعطى يسوع للحاضرين القوة والعزيمة والأمل والفرح الدائم ، فقال لهم : أن أجركم في السماء عظيم ( طالع لو 6: 17-23 ) كان في خطابه تحدياً لأعمال المجرب الكاذب .

لا شك في أن الوجود البشري في ضوء هذا الواقع يبدو جدياً لكي يتمسك أتباع الراعي الصالح بوصاياه من أجل خلاصهم ولأجل توجيه البشرية إلى عمل الخير والمحبة ، وهكذا سيتقلص معسكر الشريربمواجهة محاولاته الكثيرة لهلاك البشرية . كما على الإنسان أن يتخذ موقفاً واضحاً لكي يقرر إنتمائه ومصيره ، فلا يجوز أن يتخذ موقف الحياد ، فلا يستطيع أحد أن يكون مع المعسكرين ، كما لا يجوز أن يعبد إلهين ، فجاهل من يقول ( ساعة لك وساعة لربك ) .

الإنتماء الأفضل هو إلى جبهة المسيح لأجل المشاركة في المعركة الضرورية ضد عدو الخير ، ولأبراز نورالأنجيل للعالم أجمع ، والمؤمنين بالمسيح هم نور العالم وملحه وخميرته ، فعلى كل مؤمن أن يدخل المعركة كجندي شجاع إلى آخر لحظة في حياته الزمنية . لا سلام ولا راحة له ما دام عدو هذا العالم  ، لوسيفيرس وأبالسته يعملون ضد معسكر الله ، لهذا فالمسيح لم يأتي ليلقي سلاماً ، بل سيفاً ( طالع لو 12 ) تلك ستكون الخميرة الكبيرة التي تحطم جميع آنية العدو ، ذلك سيكون الصراع مع الأهواء ، مع ظلمات النفس ، وعلينا أن لا نفكر يوماً بأننا سنهزم أثناء المعركة ، بل نضع دائماً النصر أمام أعيننا بعد أن نستعد للقتال . وكما علمنا الرسول بولس أسلوب وطريقة الإستعداد ، قائلاً ( لذلك أتخذوا سلاح الله الكامل ، لتتمكنوا من المقاومة في يوم الشر ، ومن الصمود أيضاً بعد تحقيق كل هدف  …) ” أفس 6 : 13-20 ” .

في الختام نقول : في حياتنا المسيحية لا يوجد هدوء ، بل صراع دائم ، فعلينا أن نتهيأ للمواجهة والتحدي والصمود في كل الجبهات ، وهدوء المؤمن ما هو إلا علامة ضعف وبداية هزيمة يفرح بها العدو ويستغلها لكي يسجل له انتصاراً بإفساد الملكوت المزروع في داخل ذلك الإنسان . فعلى المؤمنين أن يطلبوا في صلواتهم النِّعَم لأفراز خطط المجرب لكي تتجلى لهم الرؤية بوضوح فيجاهدوا ويتحدوا من أجل الإنتصار .

كانت حياة يسوع كلها صراعاً مستمراً مع قوى الشر ، وحتى عندما كان على الصليب ، وهذا يعني بأن أتباعه أيضاً سيخوضوا الصراع ذاته إلى يوم مغادرتهم لهذا العالم .

ليتمجد أسم يسوع المنتصر

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!