مقالات دينية

*شهيدات المسيحية العراقـية*

 *شهيدات المسيحية العراقـية*

 إعداد / جورج حنا شكرو

تذكر المصادر الرومانية والآرامية أن (القديس توما) ثم بعده (مار أدَّي) من تلامذة السيد المسيح، مع تلميذه (مار ماري) هم الذين بشروا بالمسيحية في العراق، اولا في شماله ثم في وسطه وجنوبه. وقد شيد (مار ماري) ( 82 م) أول كنيسة في بلدة (كوخي) قرب المدائن، وقد وسعها مار عبد المسيح الحيري. وفيها تكونت (بطريكية) او القيادة الرئيسية للكنيسية الكلدانية العراقية ومقرها في (المدائن ـ جنوب بغداد) وتلقب رسميا بكنيسة (بابل) ويطلق عليها المؤرخرون احيانا (كنيسة فارس ولكن فقط في بدايتها) بسبب خضوع العراق لفارس. وتتفرع الكنيسة العراقية الى فروع كنسية في كل انحاء ما بين النهرين ويطلق على كل فرع تسمية (ابريشية)، وهي كالتالي:

1- ابريشية بابل او ساليق، وتشمل وسط العراق، مثل المدائن (قطيسفون وساليق) والحيرة (النجف) وغيرها، وهي الرئاسة الكنسية العليا (البطريكية).

2 –  ابريشية تكريت والبلدات الأثني عشر التابعة لها من بينها سنجار ومعلثا وبانوهدرا.

ابريشية حدياب التي تمتد بين الزابين الأعلى والأسفل ومركزها (أربيل).

4 ـ  ابريشية (بيث عرباي) وهي الموصل وما حواليها.

5 ـ ابريشية (كشكر) وهي الكوت وما حواليها.

6 – ابريشية ميشان (ميسان) وتشمل جنوب شرق العراق

7 ـ أبرشية البصرة.

8 ـ ابريشة بيث حوزاي (الاحواز) وتسمى ايضا بالفارسة (جندشابور).                        

*ان اهم انجاز حضاري قامت به المسيحية الكلدانية  العراقية انها افتتحت مدرسة في كل كنيسة وفي كل قرية ومدينة ، فصار تعليم القراءة والكتابة والعلوم جزءا من النشاط الديني والايماني. وكانت هذه الخطوة بداية خروج العراقيين من قمقمهم الظلامي نحو افق النور والتحرر.

*كانت السلطات الايرانية، بين فترة واخرى، تشن حملات قمع واغ*تصا*ب وق*ت*ل ضد المسيحيين. كانت الحملات متقطعة، سرعان ما تهدأ وتتخلها فترات سلم وتعاون وتقـارب من قبل الملوك. وحسب المصادر المسيحـيـة فان هذه الحملات المتقطعة خلال عدة قرون، كلفت مئات الآلاف من الشهداء.

*وقد ذكر المؤرخ المسيحي العراقي (ماري بن سليمان)، ان الملك (شابورالثاني) خلال ما اطلق عليه (الاضطهاد الاربعيني) الذي دام اربعين عاما في القرن الرابع م، ق*ت*ل حوالي مئة وستين الف في بلدات شمال العراق، واكثر من ثلاثين الف في بلدات الفرات. وقد اكد المؤرخ العراقي المسلم المسعودي هذا الرقم (التنبيه والاشراف ص149).

*كان الجيش الايراني الساساني متكون من اقلية ايرانية والغالبية من العراقيين والاتراك والاغريق..

*عموما هنالك سببان للاضطهاد،

اولهما شعور الملوك والموابدة (رجال الدين المجوس) بأن المسيحية العراقية بدأت تشكل خطرا كبيرا على المجوسية وبدأت تكتسحها في داخل معاقلها بحيث ان هنالك الكثير من اقارب الملك والحاشية بدأوا يدخلون المسيحية، وان كنيسة المدائن العراقية تحولت الى زعيمة ومقر، ليس فقط للكنائس العراقية، بل لما يحصى من الكنائس المنتشرة في جميع انحاء الامبراطورية الفارسية حتى حدود الصين، بل ان المبشرين العراقيين نشروا المسيحية حتى في الهند وفي انحاء الجزيرة العربية. وهذا يعني ان العراقيين بدأوا يعوضو عن خضوعهم السياسي بهيمنة روحية دينية سوف تشكل اساس مستقبلي لانطلاقتهم الحضارية والسياسية والتي حصلت في الفترة العباسية.

*بدأ السلطات الايرانية تدرك بأن هذا النشاط المسيحي العراقي ما هو الا بداية استعادة اهل العراق لدورهم القيادي، دينيا على الاقل. يضاف الى ذلك سبب ثاني، يتمثل بخوف الملوك الفرس من تعاون المسيحيين العراقيين مع الرومان ثم البيزنطيين الذين كانو على نفس الدين. رغم ان العراقيين تحولوا بغالبيتهم الساحقة في القرن الخامس الميلادي، الى مذهب (النسطورية) المخالفة لمذهب البيزنطيين.

*يلاحظ عموما ان الكثير من فترات الاضطهاد كانت مرتبطة بطبيعة العلاقة مع الامبراطورية البيزنطية الحاكمة في سوريا. فعندما تتوتر العلاقة بين الدوليتين، يبدأ الفرس الوثنيون بمعاملة المسيحيين العراقيين كـ (طابور خامس) تابع للدولة البيزنطية. فيشرعون بعمليات انتقام وحشي سريع ضدهم والتركيز على اعدام الشخصيات الدينية النشطة، وسلب املاكهم.

*طبعا كانت النساء الكلدانيات العراقيات من ضمن الذين تعرضوا للقمع والسلب والاعدام. وهذا الوضع يشبه الى حد بعيد عمليات العزل والاضطهاد التي تعرض لها شيعة العراق خلال قرون الصراع العثماني الايراني.

    في القرنين ألأخيرين لحكم ألساسانيين ( من منتصف القرن الخامس حتى منتصف السابع ) كان معظم حالات الإستشهاد القائمة فعلياً لها علاقة بالمتنصرين من ألعائلات ألأرستقراطية ألزرادشتية ( أو أحيانا بالكهنة الذين عمدوهم ). وطبعا استُغِلَّت هذه الحجة في كثير من الاحيان لغايات خفية.

*ومثال على هذا ما حـدث للقـديسة ( تقلا ) التي تُـعـتـبـر من القـديسات الشهيدات(الطوباويات المكرسات). كانت هذه المرأة مع رفيقاتها من منطقة (حدياب) وهي ( اربيل) وما حواليها. لقد قام الوالي الفارسي الظالم  (نرساي تحمشابور) بالقبض عليهنَّ مع كاهنهن ألمحلي بولص. وكانت غاية الوالي الاستيلاء على املاك الكاهن بعد اعدامه، لكنه فشل بذلك بسبب ارتداد الكاهن عن دينه ولم يعد من الممكن اعدامه. لذلك قام الوالي بأخذ النسوة المسكينات رهائن في مناورة غايتها اجبار الكاهن على التنازل عن املاك الكنيسة. وقد تم اعدامهنَّ طمعا بالمال لا اكثر.

*كذلك هنالك القديسة بربارة التي استشهدت في الـقـرن السابع المـيلادي تـحت نيـر العـذاب والموت والدموية ومايزال مزارها على سفح في قرية (كرمليس) في الموصل، يشهد كل عام زيارة الآلاف من المؤمنين

ان تراكم حملات الاضطهاد هذه وما خلفته من كوارث، خلقت ادبا كـلـدانياً مكرسا لسرد سير الشهداء.

بقلم/ فاطمة صابر الحلي ـ لبنان

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!