مقالات

العوامل الدافعة للهجرة غير الشرعية

تعد الهجرة غير الشرعية واحدة من المظاهر الاساسية التي تثير اهتمام المجتمع الدولي والمحلي على حد سواء، وذلك لما لها من اثار ترتبط بجميع الجوانب الحياة للدول التي تعاني منها، وظهرت الهجرة على الساحة الدولية كظاهرة اجتماعية معقدة ومتداخلة خلفت العديد من التداعيات والصعوبات لعدة أطراف، في مقدمتها المجتمعات المرسلة، وقد تفاقمت مشكلة المهاجرين غير الشرعيين بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة مهددة بذلك الاستقرار العالمي سواء البشري أو السياسي ، وبذلك مثلت تحدياً كبيراً للمجتمع الدولي، فالدولة أصبحت الآن تواجه أنماطاً عدة من مصادر التهديد والتي ليست بالضرورة مصادر عسكرية ومنها قضية الهجرة غير الشرعية والتي تعد من مصادر تهديد أمن الدول حيث أنه لم ينجح حتى الآن في وضع حلول دائمة لها في وقت تنامي فيه معاناة المهاجرين يوماً بعد يوم، فبالنسبة لدول المصدرة تقف الدول عاجزة عن تلبية المقومات الأساسية لأفرادها تمنعهم من الهجرة، أما دول الاستقبال والعبور فكل دولة تعد مسؤولة عن وضع سياستها المتعلقة بالهجرة فمعظم هذه الدول تتذرع بالسيادة الوطنية وإجراءات تعد منتهكة لحقوق المهاجرين، وللهجرة غير الشرعية اسباب عديدة منها ما هو اقتصادي او اجتماعي او سياسي وامني ، وكالاتي:
اولا: الاسباب الاقتصادية: تشير معظم الدراسات الى ان الاسباب الاقتصادية هي الاكثر شيوعا وانتشارا، والتي من اجلها يلجأ الاشخاص الى الهجرة وهي ما تجعلهم لا يهتمون بما اذا كانت هجرتهم تتم بطرق شرعية ام غير شرعية، فعلى الرغم من تباين دوافع الهجرة واسبابها من فئة الى اخرى فأنه من المؤكد ان العامل الاقتصادي والدخل المرتفع الذي تحصل عليه العمالة المهاجرة من اهم عوامل الجذب للسفر الى الخارج، فأن التوزيع غير العادل لاقتصاد الدول ادى الى تردي الظروف المعيشية وتفشي الفساد وتضاءل فرص العمل مع الارتفاع المتزايد في البطالة خصوصا بين فئة الشباب، فضلا عن انخفاض الاجور في الدول العربية وتزامنها مع ارتفاع اسعار السلع والخدمات التي تؤدي بالتالي الى انخفاض القدرة الشرائية لدى الافراد، وهنا يبرز الاختلاف بين الدول المرسلة والدول المستقبلة، وهذا الاختلاف نتيجة لتذبذب وتيرة مستوى التنمية في الدول العربية، والتي لا تزال اقتصاديات الكثير منها تعتمد على الزراعة والتعدين، وهما قطاعان لا يضمنان الاستقرار لعملية التنمية في المجتمع، وكذلك فشل السياسات الحكومية في اعتمادها على القطاع الخاص فقط لتوفير فرص العمل، وهذا بالتالي يؤدي الى تفاقم ظاهرة البطالة التي تدفع الشباب الى الهجرة غير الشرعية ، والتي تكمن اسبابها في ضعف الاستثمار وندرة رأس المال والركود الاقتصادي وضعف المبادرة الفردية وسوء التخطيط التعليمي وعدم ربط مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، والتباطؤ التنموي في النشاط الاقتصادي ، وهذا ما يقابله من العكس في الدول المستقبلة بتوافر فرص العمل وحاجتهم الى الايدي العاملة في الدول المستقبلة للمهاجرين، وعليه لعبت العوامل الاقتصادية دورا كبيرا ودافعا قويا محركا للهجرة غير الشرعية.
ثانيا: الاسباب الاجتماعية: على الرغم من من الظروف الاقتصادية التي شكلت عاملا مهما من العوامل الاساسية المحفزة للهجرة، الا انه ليس العامل الوحيد الذي يفسر الظاهرة برمتها بل توجد عوامل اخرى مثل الاسباب والعوامل الاجتماعية، وتعرف الأسباب الاجتماعية الدافعة للهجرة بأنها مجموعة الظروف التي لا تحقق الاشباع الكامل – بمعنى ان الهجرة في مجملها عبارة عن انتقال او تحول من سياق او موقف غير مرغوب فيه لعجزه عن تحقيق الاشباع النفسي والمادي والتكييف الاجتماعي وعدم قدرته على اشباع الحاجات والرغبات او حتى مستوى الطموح الذي يتطلع اليه الفرد او الجماعة الى سياق او موقف اخر تتوفر فيه امكانيات تحقيق كل هذه الامور ولو بدرجة نسبية، وتكمن الاسباب الاجتماعية في زيادة النمو السكاني وظهور العجز في تلبية المقومات الاسياسية للحياة في كافة دول العالم النامي، فضلا عن غياب العدالة الاجتماعية بسبب ارتفاع البيروقراطية والمحسوبية داخل المجتمع وتناقص فرص العمل ، فضلا عن ضعف الولاء والانتماء للدولة المتسلل منها والتفكك الاسري وسوء العلاقات الاجتماعية، وعدم التوافق مع عادات وتقاليد الدول المتسلل منها، والتفكك الأسري وسوء العلاقات الاجتماعية ووجود أقارب في الدول المتسلل إليها وبعض الأحيان عدم التوافق مع عادات وتقاليد البلد المتسلل منها، كلما ازداد الوعي بهذه الفوارق وأصبح السفر متاحاً للجميع بسب سهولة الحركة والتنقل بين الدول سواء بشكل مشروع أو غير مشروع بحثاً عن حياة أفضل افتقدوها في الدول المرسلة ، ومن ثم جاءت العولمة لتفاقم من حركة البشر ورؤوس الأموال ، فضلاً عن عامل الموقع الجغرافي والثروة ، كما لخص العالم الديموغرافي ألفريد صوفي ، إشكالية الهجرة بقوله : ” إما أن تدخل الثروات حيث يوجد البشر ، وإما أن يرحل البشر حيث توجد الثروات ” ، ففي الوقت الذي تقلصت فيه منافذ الهجرة الشرعية ومن ثم يقع الشباب في المحظور من خلال اللجوء إلى أباطرة السوق الذين يتقاضون من كل شاب يريد السفر مبلغاً معينا وتنتهي رحلة الشباب أما الموت أو السجن أو الوصول لدولة الاستقبال بصعوبة ، وأنَّ شيوع ظاهرة الاكتئاب لدى الأفراد في المجتمع خصوصاً لدى الشباب نتيجة عدم توافر حياة اجتماعية ملائمة تعد من العوامل الاجتماعية الدافعة للهجرة الدولية ، وأنَّ عدم الاستقرار السياسي أو الاجتماعي والإشكالات التي تعتري التجارب الديمقراطية العربية التي تؤدي في بعض الأحيان إلـى شعور قسم من أصحاب الكفاءات والخبرات بالغربة في أوطانهم فتضطرهم إلـى الهجــرة سعياً وراء ظروف أكثر حرية واستقراراً وغالباً ما تسمى مثل هذه العوامل بالعوامل الاجتماعية الطاردة من الأوطان، أمَّا العوامل الاجتماعية الجاذبة فإنها تتمثل في الحصول على حياة أكثر استقراراً ورفاهية ، وفضلاً عن هذا، تعد البطالة من العوامل المؤثرة في الحالة الاجتماعية، ومن ثم فان قلة فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة تؤدي بدورها إلى زيادة معدلات الهجرة العملية، كذلك يعد عامل التعليم عاملاً مؤثراً على الموقف الاجتماعي، ومن ثم فان انعدام فرص التعليم أو انخفاضها يعد من العوامل الاجتماعية الدافعة للهجرة إلى الدول المتقدمة ، الأسباب الاجتماعية الأخرى الدافعة للهجرة :
أ – وجود أقارب للشخص الراغب إلى الهجرة في بلد ، ومن المهجر يقومون بنقل صورة مشرقة لحياتهم الاجتماعية في بلد المهجر ما يولد له الدافع في الهجرة
ب بالتفكك الأسري وضعف العلاقات الاجتماعية.
ت- عدم تكيـف الشخص الراغب في الهجرة مع عادات وتقاليد موطنهم الأصلي.
ث- إنَّ وسائل الاتصال الحديثة ونظم المعلومات والإعلام وزيادة حجم المطبوعات والتي لها دور في نقل واقع الحياة المرفهة التي يعيشها أبناء الدول المتقدمة يشكل عاملاً اجتماعياً يدفع إلى الهجرة.
ج- إنَّ قيام الأشخاص الذين سبق لهم القيام بالهجرة عند عودتهم إلـى موطنهم بنقل صورة عن مستوى الرفاهية وفرص العمل المتاحة بأجور مرتفعة، فضلاً من عما تتمتع به تلك الدول من الحريات السياسية والدينية تدفع بالآخرين الموجودين في موطنهم الأصلي الذين يعانون فيه من الاضطهاد الاجتماعي إلى الهجرة غير الشرعية.
ح- تعرض الأشخاص في دولهم الأصلية إلى الاضطهاد السياسي، يـعــد عملاً العوامل التي دفعت الاشخاص إلى الهجرة غير الشرعية.
د – ضعف الولاء والانتماء وروح المواطنة لدولته الأصلية.
ثالثا: الاسباب السياسية والامنية: تعد الأسباب السياسية والأمنية من أهم العوامل التي أدت إلى تسارع وتيرة الهجرة غير الشرعية، ومن أهمها عدم الاستقرار السياسي وإهدار الموارد ومصادرة الحريات، وعدم تطبيق معايير الديمقراطية واسلوب الحكم الرشيد في ادارة الدولة وعدم شعور الأفراد بالأمان في مناطق سكناهم والبحث عن أماكن اخرى أكثر أمناً، فضلا عن عدم قدرة الاحزاب السياسية في تحقيق طموح وأمال الشباب للتعبير عن مطالبهم ، بل تم تهميشهم وإقصائهم بشتى الوسائل وهو ما دفع الكثير منهم لترك بلدانهم والمخاطرة بأنفسهم بحثا عن حياة كريمة يسودها الاستقرار، فهذه الأحزاب في الغالب لم تساهم إلا في شيوع ظاهرة الفساد وتكديس الثروات والتسابق على المناصب ، وبالضغط على الحكومة تحت غطاء المعارضة فلم تقدم أي برامج أو حلول لمشاكل الدولة كل هذا فتح المجال على مصراعيه للهجرة خاصة نحو الدول الأوروبية ، ومن الأسباب الأمنية الأخرى التي تكون حافزاً قوياً للهجرة غير الشرعية هو انعدام الأمن والاستقرار في جل المجتمعات المرسلة ، نتيجة كثرة النزاعات الدولية والداخلية بسبب التدخلات الأجنبية أو بسبب الثورات مثل ما شهدته العديد من الدول العربية منها كالعراق وسوريا وليبيا وتونس واليمن في ظل ما يسمى بالربيع العربي . هذا بالإضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بالعقيدة والديانة ، إذ أن كثير من الأقليات في بعض الدول تضطر للهجرة هرباً من سوء المعاملة والتعذيب والق*ت*ل والتنكيل والعن*ف وهدم البيوت ، ومن أبرز هذه الأقليات التي تم حرمانها من حق المواطنة هي جماعة (الروهينجا) ( المسلمة في ماينمار اذ تم حرمانها من الجنسية في انتهاك صريح لحقوق الانسان من قبل البوذيي.ومما سبق يمكن القول أن الدوافع السياسية والأمنية ساعدت بقوة تحريك الهجرة غير الشرعية بالإضافة إلى الدوافع الاخرى التي أدت الى تراجع القيم والعادات في المجتمع ، وظهور مجتمعات عشوائية في الدول المستقبلة، ناهيك عن تعدد الحروب الإقليمية والصراعات العرقية التي أدت إلى سلب حقوق الشعوب وحرمانها من حق التنعم في الحياة ونهب الخيرات مما زاد في حدة الفقر والبؤس، فضلاً عن زرع بذور الفرقة والخلاف بين الشعوب ليحول المنطقة العربية الأكثر خطراً وهجرة .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!