شغف القراءة
شغف القراءة
القراءة تساعد على فهم الآخرين
من خلال القراءة، أنت تعد لنفسك لتكون صانعا للحياة، مدركا لأسرار الكون، متوغلا في أعماق إنسانيتك، متجذرا في طين هويتك، متوثبا نحو مستقبلك، منطلقا نحو فضاءات أرحب، منسجما مع حكمة أن تكون أنت هو أنت بقدرتك على النجاح والتميز، متواصلا مع عبقرية من سبقوك، واضعا بصمتك على دفاتر المستقبل بما يجعل من حياتك ألف حياة في أسفار الخلود.
تساعدك القراءة على فهم الآخرين، وعلى التعاطف معهم، وتجعلك قادرا على ملامسة مشاعرهم المنثورة على تلك الصفحات التي تطالعها وخاصة عندما يتعلق الأمر بالنصوص الأدبية والفنية. إنها تضعك أمام تكثيف للمشاعر الإنسانية من وراء تكثيف الأحداث والوقائع التي يحبّرها قلم المبدع. الكلمة الصادقة تصل إليك بسرعة. والنص الجيد يتبادل معك الأدوار، ويعطيك فرصة الولوج إلى حياة موازية تشحن منها بطارية القدرة على مواجهة تحديات حياتك الأصلية.
القراءة يمكن أن تقلل مستويات التوتر بنسبة تصل إلى 68 في المئة وفقا لدراسة يقول صاحبها البروفيسور ديفيد لويس، عالم الأعصاب الإدراكي، “لا يهم حقا نوع الكتاب الذي تقرأه، فمن خلال الانغماس في كتاب ممتع تماما، يمكنك الهروب من هموم وضغوط العالم اليومي وقضاء بعض الوقت في استكشاف مجال خيال المؤلف، إذن يمكن للصفحة المطبوعة تحفيز إبداعك والدخول بك في حالة متغيرة من الوعي.”
القراءة تشكل العقل وتبني الشخصية وتعطي للفرد قدرة فائقة على الانسجام مع مجتمعه ومع المجتمع الإنساني عموما. تقول الروائية الأميركية فيرا نزاريان “كلما قرأت كتابا جيدًا، ينفتح باب في مكان ما من العالم ليسمح بدخول المزيد من الضوء،” بل “بمجرد أن تتعلم القراءة، ستكون حرا إلى الأبد” وفق فريدريك دوغلاس الذي ولد العام 1818 بولاية ماريلاند الأميركية وكان من دعاة إلغاء العبودية، وتمكن من الفرار منها بعد أحداث مؤثرة في حياته، مثل تعلمه الأبجدية سرا عن طريق زوجة سيده. في سن العشرين وجد دوغلاس العزاء في نيويورك، ثم في ماساتشوستس، ليصبح خطيبا ومؤلفا بارزا، وصوتا يدافع عن قيمة الحرية وحشد المتعاطفين مع إلغاء العبودية. أعطته القراءة حنجرة وجناحين وفتحت أمامه الباب لينطلق نحو معانقة مجد الدفاع عن الحرية والمساواة.
منذ سنوات، تحول “تحدي القراءة” إلى حالة ثقافية وحضارية واجتماعية انطلقت من دولة الإمارات لتشمل الوطن العربي والناطقين بلغة الضاد من خارجه. الدورة التاسعة شهدت مشاركات قياسية وصلت إلى 32 مليونا و231 ألف طالب وطالبة، بزيادة 14.2 في المئة، عن مشاركات الدورة الثامنة والتي بلغت 28.2 مليون طالب وطالبة. يقول الشيخ محمد بن راشد صاحب المبادرة وراعيها “فخور بكل طالب مشارك.. فخور بلغتنا العربية العظيمة.. فخور بتاريخنا وهويتنا.. ومتفائل بأجيال عربية متجددة في فكرها ومعارفها ومتمسكة بجذورها وثقافتها.” فالإقبال الاستثنائي على التحدي أكد أن أجيالنا الجديدة تحتاج إلى من يأخذ بيدها ويفتح أمامها أبواب القراءة ومعانقة الكتاب وتلمّس صفحاته وشم رائحة الحبر. الحقيقة أن المبادرة قدمت لأطفال العرب ما يترجم إلى الواقع مقولة الكاتبة الأميركية إليزابيث هاردويك أن “أعظم هدية يمكن أن تقدمها هي شغف القراءة.” عاشت القراءة وعاش التحدي الذي يجعل منها أملا في أن تكون أمتنا أفضل مما هي عليه.
الحبيب الأسود
كاتب تونسي
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.