آراء متنوعة

شذرة زرقاء

بعينين يحجبهما الدمع كان يتبادل النظرات مع سقف الغرفة، حيث يعيش وحيدا في شقته المتواضعة. تمر عليه أطياف من فقدهم ، وأحيانا يهرب من واقعه إلى أحلام اليقظة التي ترطب حياته القاحلة ، بعد ان فقد عائلته في حادث سير.

لا يدري كم من الوقت مضى وهو على تلك الحال قبل أن ينفض ذكرياته وأحلامه. ارتدى ملابسه مسرعا.

كان عمله كل عالمه، إذ يخفف عنه وطأة أيامه يذهب صباحا يمضي وقته في سكون ووحدة، مع أحلامه ، يتساءل أحيانا ماذا سيحل به لو لم تكن هناك تلك الأحلام؟! يعود إلى شقته متثاقلا، يجر معه همومه، وكيس طعام يشتريه من المطعم المحاذي لدائرته.

كان يصعد السلم حين صادفته أول مرة، تحير مرتبكا ونسي في لحظة ذهولهِ هل كان صاعدا ام نازلا!!؟ حيث غاب كل شيء سوى وجهها ، تذكر ما قاله جاره الثرثار وهو يصلح نقطة الكهرباء ، بأن سيدة مع والديها، قد سكنت في الشقة التي تجاوره… التقت نظراتهما، ابتسمت بلطف ممَا زاد في ارتباكه، على الرغم من حزنه كان وسيما.

بسرعة لم يكونا يتوقعانها انجذبا لبعضهما ، كان ينتظر الصباح بفارغ الصبر حيث يلتقيها، بدورها صارت توقّت موعد خروجها لتصادفه… يلتقيان.. يتبادلان النظرات، ويذهب كل منهما إلى عمله وملامح يحملها في ذاكرته لتكون زوادته لبقية يومه حتى يحين موعد رجوعه، في بعض الأحيان كان يفترش السلم جلوسا، وما ان يسمع وقع خطواتها ينتفض واقفا وكأنه وصل توا، تبتسم هي، لأنها كانت تفتعل ذلك احيانا.

قرر في احدى الصباحات مفاتحتها بمشاعره،

بفارغ الصبر كانت تنتظر تلك اللحظة ، قدم لها في إحدى لقاءاتهم السريعة خاتما فضيا بشذرة زرقاء كان يتلألأ في يدها، عاهدته أن لا تخلعه حتى الموت،اسكتها وقتها بإشارة، حيث ترعبه هذه السيرة وهو الذي أخذ حصته كاملة منه.

كانا سعيدين بذلك الحب الذي انتشلهما من وحدتهما ، صارا يلتقيان كل صباح عند موقف الباص يتبادلان أحاديث الحب ، وفي الليل كانا يلتقيان عند الشرفة… وكلما يشتاق لرؤيتها، ينقر الجدار ثلاث نقرات.. فتهرع للقائه، كانت تلك النقرات في سمعهما أجمل من كل السمفونيات. يقفان في الشرفة يتبادلان النظرات والهمسات حتى يحين وقت المغادرة، التي تنتهي بقبلة يحملها الهواء لتحط على وجهها الجميل هكذا امضيا أيامها.. وهما في قمة السعادة .

اقترحت عليه يوما أن يأتي إلى الجامعة حيث دوامها ، ذهب قبل موعد اللقاء، أنتظر بفارغ الصبر مجيئها، وعشرات الكلمات تتزاحم في رأسه. جلس على مصطبة قرب الباب… لم يشعر بعدها إلا وكأن الساعة قد قامت، صوت يصم الآذان اهتزت الأرض من تحته، وسط دخان كثيف، امتزج بعدها زعيق صوت الإسعاف مع سيارات إطفاء الحرائق مع سيارات النجدة… لتشكل أبشع معزوفة يمكن أن يسمعها إنسان.. نقالات محملة بجثث، تدلت من أحدها كفٌ رقيقة تلبس خاتما فضيا بشذرة زرقاء .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!