آراء متنوعة

زيد الحلي.. نصف قرن من الكدح والثراء .

زيد الحلي.. نصف قرن من الكدح والثراء .

هارون محمد

لا أعرف حقيقة من أخرج فئة الكتّاب والصحفيين من طبقة الكادحين، وخصصها للعمال والفلاحين، واختصرها بالجهد البدني، وأطلقها على الفقراء فقط، مع ان (الكدح) صفة أو سمة، لازمت الكثير من العلماء والمبدعين، وما زالت ترافق حشداً واسعاً، من أصحاب الكفاءات والاختصاص والخبراء، وحتى بعض الاغنياء الذين كدحوا في جمع أموالهم بطرق شريفة وأساليب نزيهة.
وزيد الحلي الذي أعرفه منذ اكثر من نصف قرن، (كادح) صحفي، أمضى ثلاثة أرباع عمره، يكدح في ميدان الصحافة، كتابة ونشراً ومعاناة، وما زال يكدح في مهنة، صدق من سماها: مهنة البحث عن المتاعب، دون ان يغادرها، او يلقي سلاحه (القلم) في زاوية مهملة أو ركن معزول، برغم عبوره السبعين، وما زال يحمل روح شاب ثلاثيني، يبذل ويعطي، يعمل ويضحّي، بل انه يعشق ايضا، خصوصاً، الحلوات والانيقات والذكيات والمجتهدات، وقد تفوق علينا، في هذا المضمار، نحن الذين زاملناه وعاشرناه، ولولا الخوف من التأويلات الضيقة والتفسيرات المغرضة، لقلت ما عندي، وهو كثير، يعكس حيويته المدهشة، وحبه للجمال والحُسن والناس.
أتذكر زيداً، وهو أصغر مني، عاماً أو عامين، والله أعلم، وكان يراسل مجلات لبنانية فنية واجتماعية، وكانت كثيرة في عقد الستينيات، وينشر فيها أخباراً وتقارير وحكايات فنية واجتماعية عراقية، وكانت تلك المجلات مقروءة ومتابعة من الجمهور العراقي، بشغف واعجاب، لذلك برز اسم زيد، صحفياً وشعبياً في تلك المرحلة، وصار معروفاً، أكثر منا نحن الذين سبقناه، وعزز نجاحه الصحفي عندما نشط في الصحافة العراقية، وتحديداً في جريدتي (الحرية) و(العرب)، وكانتا أبرز الصحف القومية في العراق يومذاك، حيث زامل وعاصر، صحفيين كبار ، قاسم حمودي ونجله الاستاذ سعد، ونعمان العاني وشاكر علي التكريتي وفيصل حسون وصادق الازدي، وسجاد الغازي ولطفي الخياط ورشيد الرماحي وفلاح العماري ومظهر عارف، واسماء اخرى لامعة في الفضاء الصحفي وقتئذ، ولاحقاً طارق عزيز وعزيز السيد جاسم وحميد سعيد وناجي الحديثي، وزيد معروف عنه منذ بداياته الصحفية، بانه مثابر ودؤوب، ينتفع من خبرات الذين زاملهم وعمل معهم، وهو جريء واقتحامي، يقتنص الحكايات والحوارات الصحفية مع الشخصيات والقيادات الفكرية والثقافية والفنية، أتذكره قبل خمسة عشر عاماً، وكنا في مطعم دمشقي، كيف انتبه الى وجود الروائي السوري حنا مينا في ركن قصي، وذهب اليه وقدم نفسه اليه، متمنياً عليه، ان يجري معه حواراً صحفياً، وهو ما أفزع آنسة أو سيدة سورية (لا فرق) كانت ترافق الروائي الكبير، وتهتم به وترعاه في سنواته الاخيرة، ورحب به الاستاذ حنا وحياه بلهجة شامية محببة، وعرفًه على مرافقته وكانت سمراء أنيقة، فاذا بزيد وقد صعد حسه الصحفي الى ذروته، يطالب الروائي الذي ضيفّه، بحوارين، واحد معه والثاني مع مرافقته الجميلة، هو يتحدث عن تجربته الثرية في عالم الثقافة والرواية العربية، وهي تتحدث عن انطباعاتها وملاحظاتها جراء مرافقتها وقربها لسنوات طويلة مع الاستاذ حنا.
زيد الحلي.. تسكنه الصحافة في كل ذرة من كيانه، يعيش معها، وتعيش معه، سئل مرة في مقابلة صحفية قديمة معه، ماذا كنت تتمنى ان تكون لو لم تكن صحفياً؟ قال ضاحكاً: صحفي لا غير !!
لقد سعدت شخصياً، ان يمنح زميلنا الكبير وصديقنا الصدوق، الاستاذ سعد البزاز، جائزة الابداع، الى زميلنا المتألق دائماً، وصديقنا الراقي أبداً، زيد الحلي، فشكراً لابي (الطيب)، طيب الصحبة والاخوة والمروءة والوفاء، وهنيئاً لزيد، الذي يستحق المزيد، من الاهتمام والاكبار والمحبة.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!