زواج الام .. وسقوط الحضانة بين الشريعة والقانون – احمد شهاب
تُعد الحضانة من أكثر قضايا ما بعد الطلاق تعقيدًا، إذ تتداخل فيها الجوانب الشرعية والقانونية والنفسية، ويُفترض أن يكون الطفل ومصلحته هما محور القرار.
في الفقه الإسلامي، خصوصًا عند مدرسة أهل البيت (ع)، تُمنح الأم أولوية الحضانة في السنوات الأولى، استنادًا إلى روايات نبوية كقول النبي (ص): “أنتِ أحقّ به ما لم تنكحي”. كما ورد عن الإمام الصادق (ع) إذا فُطم الطفل، فالأب أحقّ به من الأم، فإذا مات الأب فالأم أحقّ من العصبة” وهو ما يعكس مرونة فقهية تراعي عمر الطفل وظروف الأبوين.
القانون العراقي تبنّى مقاربة مشابهة في المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية، إذ جعل الحضانة للأم حتى سن العاشرة، مع إمكانية التمديد إذا اقتضت مصلحة الطفل، شرط ألا تتزوج الأم من أجنبي عن المحضون. وقد اقترحت تعديلات قانونية مؤخرًا لتقليص سن الحضانة وسحبها تلقائيًا عن الأم المتزوجة، ما أثار جدلًا واسعًا، باعتبار هذه الخطوات تهدد مصلحة الطفل وتُعزز منطق التسلط الذكوري.
تعديل المادة 57 قد يساهم في حماية الطفل من بيئة غير مستقرة إذا كانت الأم متزوجة من أجنبي، ويشجع على تحمل الأب لمسؤولياته ويوفر وضوحًا في تطبيق القانون، لكنه يحمل سلبيات مثل إسقاط الحضانة تلقائيًا دون النظر إلى مصلحة الطفل الحقيقية، ويعزز التمييز ضد المرأة، وقد يؤدي لفقدان الاستقرار النفسي والاجتماعي للطفل بسبب فقدان الرعاية الأمومية، كما يضعف دور الحضانة كمسؤولية تربوية بسبب تطبيق قانون جامد لا يأخذ الظروف الفردية بعين الاعتبار. الأفضل أن يكون القرار مرنًا ومبنيًا على تقييم مصلحة الطفل الفعلية.
وتُسقط الحضانة – شرعًا وقانونًا – في حالات محددة، أبرزها: الجنون، وفقدان الأهلية، والانحراف الأخلاقي، وسوء السلوك، وتعريض الطفل للإهمال أو الخطر، وزواج الحاضنة من أجنبي إذا ثبت أن ذلك يضر بالمحضون. وهي شروط تهدف نظريًا إلى حماية الطفل، لكنها على أرض الواقع كثيرًا ما تُفسّر بشكل جامد، بعيدًا عن المصلحة الفعلية للطفل.
مواقف المرجعيات الدينية اختلفت في التفاصيل، لكنها اتفقت على أن المعيار الأهم هو مصلحة الطفل. فالسيد السيستاني حدد سن الحضانة بسنتين للولد وسبع سنوات للبنت بعد ذلك ينتقل الاختيار إلى الأب أو جهة الحضانة الأخرى ما لم تُثبت الأم أن بقاء الطفل معها هو الأفضل له وان الزواج تسقط الحضانه مالم يثبت ضرر. بينما رأى الشهيد الصدر أن الحضانة ليست حقًا ثابتًا دائمًا، بل هي مسؤولية مشروطة بمصلحة الطفل ويرى أن الزواج لا يُسقط الحضانة تلقائيًا، بل يجب النظر في وجود ضرر فعلي على الطفل. ويتفق مع رأي الصدر الشيخ اليعقوبي في تقديم الأهمية النفسية والاجتماعية.
الواقع العراقي يعكس تحديات كثيرة: الأمهات قد يفقدن الحضانة تلقائيًا دون أن يكون في الزواج ضرر فعلي، والرؤية تتحول إلى أداة مجهولة. كما أن الأب – في حال نيله الحضانة – قد يوكل الرعاية لزوجة ثانية، مما يضعف البُعد العاطفي، خاصة عند الطفلات.
الخبراء النفسيون يجمعون على أن الأم هي الأنسب في الحضانة المبكرة، والأب ضروري للتوازن التربوي لاحقًا. ومن هنا، لا بد من حلول واقعية، تقوم على بيئة تشاركية بعد الطلاق، وتُبنى على تقارير مهنية دقيقة، وتمنح القاضي سلطة مرنة تراعي الواقع ولا تظلم أحد الطرفين.
فالحضانة ليست صراع نفوذ، بل مسؤولية تربوية وإنسانية، وعلى القانون أن يُعيد ترتيب أولوياته، ليكون الطفل هو الأساس، لا الأبوين
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.