آراء متنوعة

“زمّر” حتى أراك!

“زمّر” حتى أراك!

استخدام البوق انعكاس لمشاعر وضغوط نفسية
ينسب إلى الفيلسوف اليوناني القديم سقراط مقولة “تكلم حتى أراك،” أو أعرف من أنت، وأظن أنه لو كان موجودا في زمننا هذا لفكر جديا في تعديل حكمته ليجعلها “زمّر” أو اضغط بوق سيارتك حتى أعرف من أنت بما أن الناس في بلادنا أصبحت تستخدم البوق أكثر مما تتكلم.

فقد تحول استخدام سائقي السيارات للزمور أو “الكلاكس” إلى هوس لدى البعض، أو غاية وليس وسيلة، ووصلت الأمور إلى درجة أن عددا غير قليل من سائقي السيارات في مصر يتحاورون مع بعضهم البعض من خلال بوق السيارة وليس من خلال ألسنتهم، فمثلا ضغط البوق مرة واحدة قصيرة وضعيفة الصوت تعني تحية من السائق لسائق السيارة الأخرى، والضغط عليه بشكل مستمر وبصوت عال يعني أن السائق غاضب من سلوك من يقود السيارة أمامه.

كما أن ضرب البوق مرتين قصيرتين يعني كلمة “شكرا لك” وذلك حين تفسح المجال لسائق سيارة أخرى للعبور، أما إذا سمعت “3 زمامير” متقطعة فهذا يعني أن السائق يعطيك تحذيرا أو يستعجلك كي تزيد سرعة سيارتك، وفي بعض الدول صار البوق وسيلة لإشهار الزواج، حين يستخدم بكثافة وبأعلى صوت في مواكب الزفاف ليعرف القاصي والداني أن هناك عروسين يتزوجان، ربما الحالة الوحيدة التي نجت من استخدام البوق ولو إلى حين هي مواكب الجنازات.

هل يعد الأمر نوعا من اللهو أو إشباع الشعور الزائف بالسيطرة لدى البعض، أم أن له أبعادا أعمق، بمعنى أن استخدام البوق انعكاس لمشاعر وضغوط اجتماعية واقتصادية ونفسية.

وجدت دراسة أُجريت على سلوكيات السائقين في الهند أن الطبقات الفقيرة والمتوسطة هي الأكثر استخدامًا للزمور، بسبب الإحساس المستمر بالتهديد، وذكرت دراسة أخرى أن السائقين يلجأون إلى ذلك في المجتمعات التي يسود فيها شعور بأن النظام لا يعمل، سواء شرطة المرور أو قوانينه، ما يدفعهم للبحث عن سبل بديلة.

وذكرت دراسة ثالثة أن الفقر والبطالة والغلاء وانعدام الاستقرار تسبب توترا ينعكس على سلوك الأفراد في الشارع، وهنا يصبح استخدام النفير نوعا من الاحتجاج على الأوضاع المعيشية غير المريحة، أو يمكن وصفه بأنه “صوت الغضب”.

الربط بين مستوى المعيشة وتطبيق القوانين، وبين استخدام البوق ذكرني بواقعة حدثت قبل سنوات حين كنت أقود سيارتي في أحد شوارع دبي ذاهبا إلى عملي، وفوجئت بسيارة تقف في وسط الطريق وتسده، حاولت تنبيه سائقها بالضوء فلم يتحرك، انتظرت لحظات من دون تطور يذكر.

ولما كنت متأخرا على موعد العمل وجدت نفسي اضغط البوق بعصبية شديدة، لأفاجأ بسيارة شرطة تظهر من العدم لتقف بجواري ونزل منها شرطي بدا عليه الانزعاج وهو متجه نحوي، سألني بحدة “ألا تعرف أن استخدام نفير السيارة بهذه الطريقة يستحق المخالفة؟” فأشرت له على السيارة التي لم تكن قد تحركت وأخبرته أنني حاولت تنبيهه أكثر من مرة دون جدوى وأنني تأخرت بسببه عن عملي.

لم يرد الشرطي علي وإنما اتجه نحو سائق السيارة الأخرى ورأيته يطلب منه رخصة قيادته ورخصة السيارة فيما بدا أنه سيوقع عليه مخالفة، ثم طلب منه التنحي عن الطريق قبل أن يعود وعلى وجهه نصف ابتسامة، وهو يقول “خف الزمور شوية يا طيب.. ما فيه شيء يستحق إزعاج الناس.”

بهاء الدين يوسف

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!