مقالات عامة

هل اختفى جيل الطيبين

هل اختفى جيل الطيبين……
ابراهيم المحجوب…..
يتساءل الشباب فيما بينهم عن جيل الطيبين وربما هذا السؤال يكون باشمئزاز وبعض السخرية ..وماذا كان يأكل هذا الجيل ومن هم ؟
هل هو جيل الأميين الذي لا يستطيع أغلبهم القراءة والكتابة ؟
ام انهم فقراء القرى والمدن الذي لم يشبعوا بطونهم بسبب الفقر وأحيانا من الحياء ..
أليس اليوم افضل من الامس من ناحية العلم والتكنولوجيا والبيوت الحديثة والسيارات الفارهة والقنوات الفضائية المنوعة البرامج …
الم يكن التلفزيون ممنوع الا قناة واحدة أو اثنتين فقط وتغلق في وقت محدد ..
الم يكن الموبايل غير موجود ولايعرفون الاتصالات الى عبر الهاتف الارضي …..
فأين هم جيل الطيبين ؟؟؟؟؟
نعم أيها الشباب أيها الجيل الجديد من حقكم أن تتساءلوا عن الماضي وحياة ابائكم وحياة اجدادكم وتاريخهم وحياتهم ..وانتم تعيشون حياة العصرنة والتكنولوجيا الحديثة بأنواعها المختلفة …
في الماضي كان في البيت وأقصد بيت المدينة والناحية فقط الهاتف الارضي وكان الاقتراب منه ممنوع وبعض أرقامه محظورة وخاصة الصفر وكان غير مسموح استخدامه الا للوالدين فقط وإذا رن جرس الهاتف تسمع اصواتهم وبصوت عالي واوامر صادرة بالأمر من بعيد
((لا أحد يرد)) فربما سوف يكون رجل غريب على الخط يتصل والجواب عليه من اي فرد من افراد العائلة غير الكبار يعتبر مخالف لمفهوم الأخلاق والحياء….
كان اقتراب البنات من الهاتف فيه نوع من الحياء والجواب على الهاتف يشبه خروج البنات الى الشارع بدون الحجاب اوغطاء الرأس ….
في الماضي كان التلفزيون الموجود سواء في القرية والمدينة فيه قناتين فقط ولكنهما تكفيان لإيصال اخبار البلد والعالم الى الأسرة وكانت كل عائلة لا تملك الا جهاز تلفزيون واحد فقط….
وهناك برامج خاصة لكل فئة في العائلة فالأطفال يشاهدون برامج الصغار في التلفزيون مثل افتح يا سمسم والكابتن ماجد وزينه والسندباد ونحول وكل هذه البرامج للأطفال كانت تقدم في اوقات بعد العصر إلى قبل المغرب يودع الاطفال بعدها التلفزيون مستعدين لاستقبال الليل والنوم المبكر والجلوس في الصباح الباكر…
أما الشباب والكبار فبرنامج العلم للجميع. والرياضة في اسبوع .وكلها برامج أسبوعية وكان فلم الاسبوع يقدم في يوم الجمعة عصراً…أما نشرة الأخبار فتقدم يومياً عند الساعة الثامنة والعاشرة مساءً…وقبل أن يدخل التلفزيون في البيوت كان الراديو هو البديل وكان الناس يسمعون الاخبار العالمية طازجة من مونتي كارلو أوهنا لندن .وكان اغلب أهالي الريف العراقي ينتظرون يوم في الاسبوع ليستمتعوا بتراثهم الاصيل من إذاعة بغداد وبرنامج ركن البادية ولدقائق معدودة يشعر المستمع بسعادة لا توصف وهو يسمع الملاضيف الجبوري وسلطان احمد وغيرهم من مطربي الربابة المشهورين في حينها .. .
كان الأب عملاق زمانه وشخصيته تكفي لكلام واحد لكل افراد الأسرة لانه كان كبيرا بنظر الجميع واي نظرة من عينيه تسكت الجميع …
واما ضحكته فكانت تطلق فرحاً وأعيادا في البيوت.. وعندما يسمعون صوت خطواته القادمة إلى غرفة جلوس العائلة من الصباح تكفي لأن يستيقظ الجميع من عميق السبات ويغسلون وجوههم ثم وجبة الإفطار الموجودة ببساطتها والذهاب كلا الى عمله ..
في الماضي اذا كانت المدرسة قريبة اوبعيدة تجد الجميع يمشي إليها كل صباح وهم مْرتاحين ألأنفس ليوم دراسي جديد ويعودوا عند الظهيرة. ولم نسمع كلمة اوقول آه أو اوف لأننا نعتبرها معيبة..
لم نحتاج إلى سيارات مكيفة ولم نخاف على أنفسنا ونحن نتجول في الحارات وفي براري القرى والارياف من الحشرات والافاعي وغيرها.. ولم نخشى الحر والبرد رغم قساوته في الماضي. وقلة الملابس وانعدام وسائل التدفئة والتبريد…
لم تكن هناك بكتريا اوجراثيم على عربانة بيع الخضراوات ومحلات بيع اللحوم ولم نسمع بإنفلونزا الطيور أو الحمى النزفية ولم نراها في أرضيات البيوت وفي سقوفها ولم نسمع عنها في إعلانات الجرائد والتلفزيون ولم نحتاج لسائل معقم ندهن فيه ايدينا ووجوهنا كل ساعتين لكننا لم نمرض في حينها ولم نعرف الضغط والكوليسترول وأمراض السكر وتصلب الشرايين في الماضي وانما عرفناها في عهدكم فقط ..
كانت للأم سلطة قوية جدا تستمد قوتها من الاب وللمعلم سلطة مطلقة تستمد من العلم وللمسطرة الخشبية الطويلة سلطة الضرب على ظهر اليدين كنا نبلع ريقنا أمامها ورغم انها كانت تؤلمنا وتبكينا من الداخل لكن فوائدها كثيرة فخوفنا منها جعلنا نحفظ جزء عم وجدول الضرب وأصول القراءة والكتابة والخط العربي ونحن لم نتعد العاشرة من العمر. وعلمتنا اللغة الإنجليزية ونحن لم نعبر الثانية عشر من العمر. تعلمنا من المدرسة والمعلم وبمساعدة هذه المسطرة الخشبية الأخلاق والآداب وكيفية احترام الكبير والعطف على الصغير ..
كان في الماضي يبعث الجيران ابنهم الصغير حمودي وهو مصغر لمحمد اوأحمد يأتي فيطرقُ الباب ويقول: (أمي تسلم عليكِم وتقول عندكم بصلة. عدكم طماطيتين .عدكم بيضه . رغيف خبز) كل شيء مسموح طلبه من الاكل والماء البارد كنا إخوان مع جيران البيوت وحتى الحائط بيننا مشترك وكنا مشتركين بالجدر والجدار …
كان الحياء وماء الوجه لدى الرجال والنساء اكثر من مياه نهر دجلة والفرات وكانت الرجولة تق*ت*ل الطمع وكانت النساء تطبخ على بركة الرحمن…
كنا كل ما نأكله في البيوت من خضراوات وفواكه ولحوم هو إنتاج عراقي ولم نسمع في المستورد في حينها….
كانت الحادية عشر مساءً توقيت لايمكن تجاوزه فكل افراد العائلة في هذا الوقت جالسة في البيوت .
أما النساء ماكثات منذ وقت الغروب في البيوت وممنوع عليهن تجاوز الاعراف والتقاليد. والرجال لا يعرفون مكان مفتوح في هذا الوقت إلا المستشفى أو گراج النقل الى المحافظات الاخرى.والذي يسمى گراج بغداد..
كانت النيات السليمة بين الجيران وتبادل الزيارات وفق الاصول المتعارفة وكان الجار يطعم جاره كل اكلة دسمة يطبخها فيأتيه منها بطبق لذيذ بتذوقه معهم ..

الان ايها الجيل الجديد ارى القسم الاكبر منكم يتبادلون الشكوك والظن السيء للأسف مع الجار .وٓيشٓم الجار رائحة طبيخ جاره فقط .
أما زلتم تسألون عن جيل الطيبين
جيل لم يأكل البيتزا صحيح ولكنه شبع مع الثريد حتى وإن كان ماء ويصل فقط ..جيل شبع الكوليسترول من خلال دهن الحر والشحوم الموجودة في طرف الخروف ولكنه لم يستخدم مضادات ضد الدهون ..
جيل يعرف اين يجلس ومتى يتكلم ولايوجد عندهم شيء اسمه صديقة ولايعرفون شيء عن النصب والاحتيال وتع-اط*ي الممنوعات.. …
نعم إن الأنفس تغيرت وأعمتكم حضارة العصرنة.. حضارة ألبستكم أرقى أنواع الملابس. وركبتم افخر السيارات وسكنتم احسن القصور. ولكنها جعلتكم عراة من كل القيم الإنسانية والأخلاق وصلة الرحم …حضارة ابعدت الجار عن جاره.وافقدت الرجل حياءه .وحولت المرأة في اغلب العوائل الى سلعة رخيصة تخرج شبه عارية بأسم الثقافة والحرية ..واصبحت الام في بعض البيوت تشبه الخادمة لاأكثر ولايسمع كلامها أحد والأب كحمالة الحطب يحتاجونه من أجل الراتب التقاعدي فقط .او رعاية الأطفال بغياب الأمهات .ولم يْحترم الاخ الكبير ..ولم يْعطف احد على الصغير.
حضارة كارتونية جعلت البنت تخرج من التقاليد والأعراف وتتكلم بالهاتف النقال دون رادع اوخوف …حضارة مزيفة صنعتموها بإسم العلم وهي بعيده من مفهومها العلمي . صنعتها القنوات الفضائية المنوعة لق*ت*ل صلة الأرحام وتفتيت المجتمعات والابتعاد عن الإنسانية ..
أما زلتم تسألون عن جيل الطيبين ..لقد رحلو ورحلت معهم طيبتهم ..
نعم انهم جيلاً سوف تشتاقون إليه أنه جيل الطيبين…

Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!