مقالات

رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية

أشباح التحرير: سيرك الأوهام وسجن الحروف
في سيرك الإعلام المُعلَّق بين سماء الحرّية وفسحة الصحافة والتعبير وأرض التكفير والتشهير والحضر والمنع والحصار ، يتحوَّل رئيس التحرير إلى “بهلوان أيديولوجي ومنفعي ” يرتدي قناع المدنية بينما يخفي في جعبته سكاكين الرقابة الذاتية … ؛ إنه ليس مجرد حارسٍ للبوابة، بل ساحرٌ يستحضر الأوهام من قبعته؛ يُحوِّل الحروف إلى سرابٍ إن لم ترقص على إيقاع طبوله البرجماتية وانغام موسيقاه الأيديولوجية .
هنا، في مملكة الورق المُزوَّرة، تُصبح الأيديولوجيا والبرجماتية والدوغمائية والعقد الاجتماعية والامراض النفسية داءً مُزمناً يتحكَّم بشرايين النشر، بينما يُختزل الكاتب إلى بهلوانٍ آخر في سيرك المؤدلجين والمأجورين والمرتبطين والسطحيين والمكررين ، يُطلَق سراحه فقط إن أجاد تقليد حركات السيد واصبح صدى لأصوات الجهات التي تحرك هيئة التحرير !
المفارقة السريالية تكمن في أن “اللامنتمي” – بحسب منطقهم – مؤدلجٌ أيضاً، لكنه مؤدلجٌ لعدم انتمائه!
فالإيمان بأي فكرة – مهما كانت – هو حقٌّ طبيعي كحقّ الشجرة في النمو، لكن المرض يبدأ حين يتحوَّل رئيس التحرير إلى “حدّاد أيديولوجي” يصهر أقلام الكتّاب في أفران آرائه وارتباطاته … ؛ اذ يُرفَع شعار الحرية كشماعةٍ لتعليق الأكاذيب والافتراءات ولتمرير الآراء والمخططات ، بينما تُختنق الأصوات في دهاليز “مصح التحرير” النفسي، حيث يُشخِّص رئيس التحرير كل معارضٍ بـ”جنون الاختلاف” ويصف له جرعات الصمت والحضر!
اللغة هنا ليست وسيلة تواصل، بل ساحة حرب… ؛ فـ”الطائفية” و”العن*ف” – في قاموس هؤلاء – مجرَّد طُعمٍ لاصطياد الكلمات التي تُزعج أحلامهم النرجسية… ؛ ويا للعجب!
فهم يبنون جداراً منيعاً ضدَّ “الآخر” باسم حمايته، كالطبيب الذي يق*ت*ل المريض لإنقاذه من المرض!
بل إن بعضهم – كالدمى المتحركة – يتحوَّل إلى “ناقل عدوى” يوصي زملاءه من شلة رؤساء التحرير الاخرين بتحويل الكاتب الفلاني إلى “شخصٍ غير مرغوب فيه”، وكأن الأفكار فيروساتٌ يجب عزلُها في مختبرات الرقابة…!!

وفي هذا المشهد الكابوسي، يصبح رئيس التحرير “قاضياً في محكمة المومياء”؛ يحكم على نصوصٍ لم يقرأها، وكتّابٍ لم يرهم، مستخدماً “مِجهرَ الشك” لتضخيم الهفوات واختراع العيوب… ؛ إنه يشبه رساماً يرسم البحر ثم يمنع الماء من البلل!
فكيف يدَّعي حماية الجمهور وهو يسرق منهم حقَّ الغوص في بحر الأفكار المختلفة والرؤى المتعددة ؟!
أليس الأجدر – إن كانت الكتابات “سخيفة او سطحية او طائفية او عنصرية … الخ ” – أن يتركها تموت تحت أشعة النقد بدل دفنها في قبور المسودات؟
الغريب أن هؤلاء “الحراس” يصدقون أكاذيبهم لدرجة أنهم يرون أنفسهم قديسي الإعلام!
فبينما يرفعون لافتة “نحن حراس الحقيقة”، يدفنونها تحت ركام التحيزات… ؛ إنهم كمن يُشعل عود ثقابٍ في منزل من القش ؛ ثم يصرخون “أنقذوا المنزل !” بينما هم الوقود!
أما الكاتب المُحاصر، فيتحوَّل إلى شبحٍ يطوف بين المنصات كحامل شمعة في عاصفة، يبحث عن فجوةٍ في جدار الرقابة ليهرب منها حرفُه المكسور… ؛ إنه يعلم أن المنصة الحقيقية ليست مجرد “ميناء”، بل محطةٌ كونيةٌ حيث تتحرَّر الكلمات من جاذبية الأيديولوجيا والارتباطات والتوجيهات المشبوهة ، لكن السؤال السريالي الأخطر : مَن يملك مفتاح هذه المحطة؟
هل هو رئيس التحرير أم القارئ الذي حوَّلوه إلى سجينٍ في زنزانة التلقين؟!
وزبدة القول : الصراع هنا ليس بين قلمٍ ومدير، بل بين منطقين:
الأول يرى الفكرَ حديقةً عامةً تزدهر بتنوع أزهارها،
والآخر يحوِّلها إلى حديقة حيوانات تُقيَّد الأفكار بأغلال “الصواب المُطلق”.
فمتى ندرك أن المفتاح الوحيد لتحرير الإعلام هو تحطيم مرايا الأنا التي يُشوِّهها غرورُ المؤدلجين؟
وللحديث بقية …

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!