حين يعمى القلب ، وداد البرغوثي – مهند طلال الاخرس
حين يعمى القلب كتاب لوداد البرغوثي يقع على متن ٢٤٥ صفحة من القطع المتوسط، والكتاب من اصدارات وزارة الثقافة ا*لفلس*طينية في رام الله، وصدر بطبعته الاولى سنة ٢٠٢٠.
الكتاب عبارة عن نص وطني مطول يتخلله كثير من القصص والمواقف والتجارب الذاتية والحكايا الوطنية والتي تناقش قضية التمويل الاجنبي [المشروط] للمؤسسات الاهلية ا*لفلس*طينية، وهي قضية احسنت الكاتبة بتسليط الضوء عليها لما لها من اهمية في السيطرة على وعي الفلسطينيين ومحاولة تحييدهم ما امكن عن الالتزام بقصاياهم الوطنية والنضال في سبيلها …
حيث تناقش الكاتبة من خلال استحضار امثلة وشواهد وشهادات وتجارب متعددة، وبحيث كانت كل شهادة من هذه الشهادات او التجارب عملت او تعاطت او اطلعت على تجربة التمويل الاجنبي مباشرة وعاشت في اتون تفاصيلها، والتي اطلعت عليها الكاتبة عن كثب نتيجة عملها في هذا المجال ونتيجة وعيها السياسي والوطني ونتيجة لاطلاعها على فساد وعمالة هذه المنظومة بحكم عملها الصحفي.
الكاتبة عملت في هذا المجال [التمويل الاجنبي] بأجر وراتب شهري نتيجة ظروف قاسية تشرحها عبر صفحات الكتاب باسلوب قصصي غلبت عليه اللغة الصحفية التقريرية الجافة. لكن كل ذلك وكل الاغراءات لم تنجح في سلب الكاتبة ارادتها ووعيها الوطني وارتباطها بارضها البكر [كوبر] وبوطنها الاصيل فلسطين..بل ناضلت وكافحت وقاومت كل الاغراءات والضغوطات في سبيل قضيتها الوطنية الاسمى وبقيت قابضة على جمر المباديء لتخط لنا من تلك ااسيرة وذلك المضمار الشائك مجموعة القصص والحكايا والتجارب التي تتضمنتها صفحات هذا الكتاب، لتبقى متمسكة بجذوة الثورة والمقاومة، ولتبقى شاهدا حيا على نضالات الكثيرين وانكسارات الاخرين ممن باعوا انفسهم ورهنوا ارادتهم لدى الممول وشروطه الدنيئة.
تنبه الكاتبة الى ان المتحولون او ادعياء الوطنية من اصحاب برامج التمويل من المؤسسات الاجنبية لا يدركون ان وجهة نظرهم ليست هي المهمة، وليس مهما ما يقولون حتى لو بصقوا بوجوههم، فهذا كله لن يظهر في الصورة التي يسعى اليها الاس*رائ*يلي ليوصلها الى العالم، فهو يسعى لصورة يظهر فيها انسانا مهذبا خلوقا، ولا مشكلة له مع الفلسطيني، ولا مشكلة للفلسطين فيه، ولا في وجوده، ولا مشكلة لديه لو التقط صورتك ثم ق*ت*لك بعدها، فقد كون روايته التي سيضحك بها عليك، ويضحك على العالم بك، ويضحك بها العالم عليك…
تقول الكاتبة في ص ٢٤٣ ما نصه :”حين يعمل قلب تتغير الرؤية، ويشرع ما كان مستحيلا، ما كان محرما شرعا يصبح محللا.
وتختم بقولها :”فطوبى لمن بقيت قلوبهم مبصرة ، ومن رحلوا وقلوبهم تتمسك باخر بصيص من ضوء الحقيقة. ما زال للكوبر [تشوبر] طعمها الشهي الذي لم تسرقه الايام، ولم يشوه صورتها الزمن في عيني.”
في هذا الكتاب النصي ذي الاسلوب القصصي تحمل الكاتبة الحوارات على السنة شخصيات الكتاب، وهي شخصيات منتقاة بعناية، ومرد هذه العناية ان طبيعة هذه الشخصيات مستمدة من الواقع المعاش من قبل الكاتبة…وبالذات شخصية يزيد وغاردينيا وحازم وغيرهم من موزعي “يحدث في مصر الان” بما لها من دلالات ورمزيات من حيث تبنيهم للفكر اليساري في مطلع شبابهم وبواكير نضالهم واذا بهم يتحولون الى طوابير الاصطفاف على التمويل الاجنبي بحجج وذرائع شتى فيصبحون مصاصي دماء ويتحولون الى ابطال قصة ” حين يعمى القلب”…
والكتاب جاء خليطا هو من بين السيرة والفنون الادبية الاخرى…والمهم القضية التي انبرت الكاتبة لتعريتها وتسليط الضوء عليها، ومن هنا تنبع اهمية الكتاب وقيمته الاثيرة.
تقول الكاتبة: التمويل بحد ذاته كان موضوعا مزعجا بالنسبة لي خاصة أنه برز بشكل مكثف في بداية الانتفاضة الأولى وكانت تراودني أسئلة لماذا هذا التمويل ولماذا ظهرت هذه المؤسسات بهذه القوة وهذه الكثافة في هذه الفترة بالذات تحت مسمى دعم الشعب الفلسطيني ومن أين يأتي هذا التمويل؟ وما السبب؟”
وتضيف البرغوثي: اعتقدت في البداية أن السبب أن هناك ثمنا يجب أن ندفعه مقابل هذا المال والثمن كان الانتفاضة وهذا الاعتقاد أكدته لي الظروف مشيرة إلى أنها عبرت عن ذلك آنذاك في قصيدة نشرتها في جريدة القدس”.
عادة ما تستلهم الكاتبة مواضيع كتاباتها من تجاربها الشخصية، وكان لها واحدة مع التمويل المشروط، حول هذا تقول: “تجربتي الشخصية عززت هذه القناعة حيث كنت أعمل في صحيفة صوت النساء وكانت تمول من قبل مؤسسة ألمانية ونظرا لصعوبة الظرف قبلت بهذه الوظيفة، وبعد سنتين تضاعف راتبي وهنا طرحت تساؤلا لماذا هذه المضاعفة؟”
وتتابع: كوننا صحيفة نسائية ركزنا في تلك الفترة على وضع الأسيرات الفلسطينيات وأيضا على وضع أسيرة فلسطينية مسجونة في ألمانيا اسمها سهيلة أندراوس، حيث وصلتنا رسائل ونشرناها في الصحيفة وكانت تحمل مطلبا للأسيرة بنقلها إلى سجن في النرويج حيث تقيم عائلتها، وهنا فوجئت برد فعل بعض القائمين على المؤسسة حيث انتقدوا اعتبروا أن الصحيفة أصبحت مسيسة”
ودار جدل حينها في المؤسسة هل المرأة بعيدة عن السياسية وهل المرأة الأسيرة يمكن أن تنتهي قضيتها كمرأة ونتيجة لتراكمات مشابهة قدمت البرغوثي استقالتها حيث كانت تعمل كرئيسة تحرير للصحيفة آنذاك، بعد اقتناعها بأن التمويل الألماني للمؤسسة مشروط.
“ولكن وافقت على كتابة مقالات وتقارير من خارج الصحيفة” تقول الكتابة، كتبت مقالين عن الاجتياح وهنا تحرك الممول وهدد الصحيفة بوقفها اذا استمرت مقالاتي التي تهدد “عملية السلام”، كما طلب مني الزميل الذي استلم رئاسة التحرير بعدي أن أخفف اللهجة إلى أن تهدأ العاصفة وكانت اجابتي: “انشالله عمرها ما تهدا” موضحة أنها سعيدة بهذا الموقف ولم تكتب ثانية في هذه الجريدة لأنها تأكدت قطعا أن التمويل مشروط”.
حين يعمى القلب مثل فلسطيني شائع واصيل، استطاعت الكاتبة ان تعيد استنطاقه بما يخدم قضيتها الاصيلة والاصلية فلسطين، في تاكيد ابدي على ان كل مانريده من اجل الحرية والتحرير موجود لدينا ، لكن فقط علينا البحث عنه في عوالمنا الداخلية الاصيلة، في التراث والتراب في التاريخ والجغرافيا وفي كل حكايا البلاد؛ سنجد كل شيء اذا اصلحنا حال قلوبنا وابصرنا فلسطين بحق…
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.