آراء متنوعة

حين تُستبدل قيم الشهادة بالمنافع.. قراءة في عراق ما بعد

في معركة كربلاء، لم تكن تضحية الإمام الحسين عليه السلام مجرد موقف سياسي أو تمرّد عابر، بل كانت وقفة تاريخية دفاعًا عن أسمى قيم الإنسانية والعدل والتسامح ورفض الظلم والطغيان.

لقد خرج الحسين ليُعيد للضمير الإنساني بريقه، وليثبت أن الكلمة الحرة والحق لا يُقاسان بالموازين المادية أو المكاسب الدنيوية، بل إنهما جوهر الوجود وعنوان الكرامة.

ومع ذلك، فمنذ عام 2003، انحرفت الحكومات العراقية المتعاقبة عن تلك المبادئ، وابتعدت كثيرًا عن جوهر رسالة الحسين. فبدلاً من ترسيخ العدل، تكرّس الفساد السياسي والإداري، وتغلغلت المحسوبية في مفاصل الدولة، حتى بات الحصول على فرصة عمل أو حق قانوني يُقاس بالولاء لا بالكفاءة. في الوقت الذي يدعو فيه الحسين إلى رفع المظلوم واحتضان الضعيف، نجد أن ملايين العراقيين يعانون من البطالة وسوء الخدمات، وقد تحوّلت الدولة إلى منظومة عاجزة عن تلبية أبسط حاجات المواطن من ماء وكهرباء وتعليم وصحة، والأشد مرارة أن يُقطع قوت موظفي إقليم كوردستان لأسباب سياسية وخلافات بين الحكومات، وكأنهم لا ينتمون إلى هذا الوطن.

أما قضية النفط، التي يفترض أن تكون ثروة وطنية يتشاركها الجميع، فتحولت إلى أداة ضغط، حيث يُمنع تصدير نفط كوردستان وتُقيّد صلاحيات حكومة الإقليم خلافًا لروح العدالة والتكافؤ.

وما يزيد الأمر سوءًا هو التلاعب بقانون العفو العام، الذي من المفترض أن يُجسّد الرحمة ويُعزز الاستقرار الاجتماعي، لكنه صار رهينة بيد النزاعات السياسية والفئوية.

فكل ما يجري منذ سنوات يؤكد أن العراق، بمؤسساته وسياساته، بات بعيدًا عن منطق الإمام الحسين ونهجه الإنساني النقي، ويحتاج إلى صحوة ضمير تعيده إلى طريق الإصلاح الحقيقي، حيث تكون الدولة وخيراتها لجميع مواطنيها دون تمييز ، وحيث تُحترم كرامة الإنسان وتُصان حقوقه، تمامًا كما أراد الإمام الحسين في يوم الطف بعيدا عن التجاذبات والمؤامرات السياسية التي تحاك خلف الجدران.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!