مقالات

متابعة صحافية استرجاعية محايدة لما بات يعرف ب-قضية إدريس

ما دمنا نريد لهذه المتابعة أن تكون استرجاعية، فيجب الانطلاق من اللحظة الراهنة وننزل في بئر الأمس القريب رويدا رويدا حتى نبلغ أصل الحكاية بحسب ما يسمح به الحيز؛ لأنه، لو تعمقنا في زمن أقدم لما كان بطل الحكاية طفلا ومراهقا فشابا، وأي تنشئة تلقى ومع من وفي أي بيئة وغير ذلك مما يدخل في إطار السيرة الذاتية، لتطلب الأمر منا تسويد مجلد على أقل تقدير.
لنتحدث من الأخير، كما اعتدنا – نحن النغاربة – أن نقول. ماذا حدث الآن لهذا المغربي المقيم منذ سنوات في الديار الإيطالية والذي نعلم أنه يشتغل صحافيا في جريدة الشروق نيوز 24?
في تزامن مع احتفال العمال بعيدهم الأممي، خرجت علينا جريدة إلكترونية مغربية (k36)، بمعية جريدتين أخريين أو أكثر، بخبر يفيد أن السلطات الإيطالية اعتقلت صاحبنا واصفة إياه ب”عميل الجزائر ” لتورطه في الابتزاز والإتجار بالبشر، على حد تعبيرها. واستنادا إلى مصدرها الذي لم تكشف عن هويته، ادعت الجريدة أن هذا الاعتقال تم بتعاون مع الانتربول على أساس أن فرحان “كان مطلوبا في المملكه المغربية”.
من المعلومات التي تؤثث سياق هذا “الحدث”، والتي أصرت الجريدة على التكتم عن مصادرها، أن العملية كانت بريشيا الإيطالية مسرحها، وأن الشخص المقبوض عليه “يدعي العمل كصحافي استقصائي، تم استخدامه كأداة من قبل المخابرات الجزائرية لتنفيد أجندتها ضد المملكة المغربية ورموزها”.
وتختم الجريدة مقالها الإخباري بالقول إن إدريس فرحان تخصص في “إنتاج مواد وقصاصات إخبارية تضم اتهامات كاذبة”، توظف في “حملات تشويه ضد مؤسسات أمنية مغربية، بهدف زعزعة الاستقرار وتشويه سمعتها الوطنية، وذلك عبر استغلال منصات إعلامية تابعة للمخابرات الجزائرية”.
هذا كل ما في الأمر بالنسبة إلى ما استجد في “قضية إدريس فرحان”. لنحاول أن ننزل بدرجة واحدة في السلم المؤدي إلى البئر. هيا، طيب. ماذا وجدنا؟ نحن في اليوم الثامن والعشرين من شهر مارس الأخير. ماذا جرى خلال هذا اليوم من أشياء ذات صلة بقضية صاحبنا؟ جريدة إلكترونية مغربية فرنكوفونية (bled.news) تصدر في نفس اليوم مقالا يتحدث عن مقابلة مع عبد الله بوصوف وسعيد الفكاك من قبل المكتب الوطني للشرطة القضائية.
منذ الوهلة الأولى يظهر أن الجريدة المومئ إليها تستمد معلوماتها المتعلقة بهذا الموضوع من جريدة أخرى مماثلة (Barlamane.com) نشرت خبر انعقاد جلسة استماع للأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، عبد الله بوصوف، من قبل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.
إلى ذلك، تضيف الجريدة الأولى نقلا عن الثانية أن مقابلة ثانية تمت مع ثلاثة أشخاص آخرين، وهم سعيد الفكاك عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكي والرئيس السابق لمؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لموظفي الصحة وإبراهيم مخلوفي سائق بالمؤسسة.
إذا واصلت قراءة المقال تجد أن النقاش خلال المقابلتين انصب حول كيفية “تعبئة الأموال لفائدة مغربي مقيم بإيطاليا”، والمقصود به بطل الحكاية الذي، بسبب ما ينسب إليه من أفعال، “يواجه مذكرة اعتقال دولية صادرة عن قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف بفاس”.
وفي الأخير، يخرج القارئ بنتيجة وهي تورط الأشخاص الأربعة المذكورين أعلاه في ضخ أموال عمومية في حساب الصحافي قيد حريته؛ لهذا قررت الشرطة القضائية تقديم عبد الله بوصوف وسعيد الفكاك في حالة سراح والاثنين الآخرين (المخلوفي والسائق) في حالة اعتقال أمام الوكيل العام لدى المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء.
لعل الحبكة التي تولدت عنها الأحداث المسجلة في السطور السابقة تكمن في خبر نشرته جريدة ناطقة هي الأخرى بالفرنسية (perspectives) يوم 20 يناير الماضي بعنوان “مذكرات اعتقال بحق ضباط أمن مغاربة: نيقوسيا تنفي…”
أول ما أكدت عليه الجريدة هو أن هذه الادعاءات المشار إليها في العنوان أوردها “موقع إخباري مقره في بريشيا بإيطاليا، يديره إدريس فرحان، وهو مواطن مغربي، ثم استحوذت عليه وكالة الأنباء الجزائرية” التي نشرت مقالا بعنوان “كبار المسؤولين الأمنيين المغاربة عرضة لمذكرة توقيف دولية”، خاصة مع ذكر أسماء عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للمديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، ومحمد الدخيسي، المدير المركزي للشرطة القضائية. . مباشرة بعد ذلك نفى فاعل دبلوماسي مغربي، في تصريح أدلى به لوكالة المغرب العربي للأنباء “نفيا قاطعا” هذه المعلومات. وأكد أن “المؤسسات الأمنية للمملكة، معروفة على مستوى العالم بصرامتها وخبرتها ومهنيتها، كما يتجلى ذلك، من بين أمور أخرى، في اختيار المملكة المغربية لاستضافة الدورة الثالثة والتسعين للجمعية العامة. للإنتربول”.
من الناحية المهنية، هذه مجرد متابعة صحافية محايدة، حاولت تقفي أثر هذه القضية من خلال ما كتب عنها في بعض الجرائد، وتتحفظ على صحة الخبر الأول لانعدام أي أثر له في الصحافة الإيطالية على الخصوص والأوربية على العموم لحد كتابة هذه السطور.
وتبقى للقضاء المختص الصلاحية الأولى في النظر والتحقيق في حيثيات هذه القضية وملابساتها والحسم في الأخير في ما إذا كانت التهم ثابتة في حق المتهمين الذين هم أبرياء حتى تثبت إدانتهم.
ومن الناحية الحقوقية، نتمنى ألا تكون التهم الموجهة للصحافي هي فقط للتغطية على عقابه لكونه مارس حقه في حرية التعبير، خاصة وأنه لم توجه إليه تهمة انتحال صفة ينظمها القانون مع الاعتراف بكونه مديرا لموقع إخباري.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!