مقالات

تفجير ميناء رجائي الرسائل النارية و الحروب الرمادية – محسن

مقالة / تفجير ميناء رجائي: الرسائل النارية و
الحرب الرمادية

الكاتب / د. محسن عقيلان
حادث تفجير ميناء رجائي في إيران اليوم السبت ليس مجرد حادث عرضي في خضم التوترات الإقليمية، بل تمثل حلقة جديدة في سلسلة العمليات الرمادية التي تتصاعد بين إيران وخصومها لذلك توقيت التفجير بالتزامن مع مفاوضات إيرانية أمريكية في مسقط يفتح الباب أمام عدة تساؤلات حاسمة:
هل كان التفجير بهدف الانتقام لضربة الحوثيين على ميناء حيفا؟ أم استهداف مواد حساسة مرتبطة بصناعة الصواريخ والأسلحة الإيرانية؟ أم بعثرة أوراق المفاوضات الجارية في مسقط؟ أم سباق مع الزمن في محاولة لتدمير ما أمكن من المنشآت الاستراتيجية الإيرانية قبل توقيع اتفاق نووي جديد؟ أم ببساطة تنفيذ لسياسة ترامب القائمة على “التفاوض تحت الضغط و التهديد”؟

مهما كان الجواب، فإن الحادثة ليست عرضية أو معزولة، بل تشكل حلقة متقدمة من لعبة إقليمية معقدة تحكمها قواعد الحرب الرمادية.
كما حدث في مرفأ بيروت ٢٠٢٠ و التشابه الغريب في كليهما بدأ
بحريق محدود لجذب أقل قدر ممكن من الانتباه، أعقبه انفجار ضخم أحدث دماراً واسعاً.
تكرار هذا النمط يوحي بأن العملية كانت محسوبة بدقة، و هذا
الميناء لم يكن هدفاً جديداً في معادلة الصراع الخفي؛ فقد تعرض عام 2020 لهجوم سيبراني نسب إلى إس*رائي*ل تسبب بشلل في عملياته.
لذلك ما جرى اليوم يعيد التأكيد أن الميناء يشكل حلقة مركزية في استهداف العصب الاقتصادي واللوجستي الإيراني.

اذن

أحد السيناريوهات الأكثر ترجيحاً أن إس*رائي*ل نفذت هذه العملية بالتوازي مع سير المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة في مسقط.
بهدف بعثرة الأوراق وإرباك المفاوض الإيراني
لكن لا يمكن إغفال الدور الأمريكي:

سياسة ترامب التفاوضية تقوم على الضغط المباشر وغير المباشر، وبالتالي من غير المستبعد أن تكون واشنطن قد أعطت الضوء الأخضر تحت الطاولة لإس*رائي*ل لتنفيذ هذه الضربة.
بذلك تكون العملية تخدم هدفين معاً:

ضغط تفاوضي لإرغام إيران على تقديم تنازلات.

و إبقاء إيران في موقف دفاعي مرتبك.

و لا يمكن تجاهل أن التفجير جاء بعد أيام قليلة من الضربة الحوثية التي استهدفت ميناء حيفا الاستراتيجي في إس*رائي*ل.
في هذا السياق، قد يُفهم ضرب ميناء رجائي كرسالة إ*سرائ*يل*ية صريحة:
استهداف موانئنا سيقابل باستهداف موانئكم.

محاولة لتدمير المواد الحساسة؟

فرضية أخرى تقول إن التفجير لم يكن مجرد استعراض قوة أو رسالة سياسية، بل عملية عسكرية خفية تهدف إلى تدمير مواد حساسة، مثل مكونات تصنيع الصواريخ والأسلحة الإيرانية التي قد تكون مخزنة في الميناء أو في منشآت قريبة منه.
هذه الفرضية تكتسب ثقلاً خاصة مع وجود مؤشرات سابقة على استخدام الموانئ الإيرانية كمراكز لوجستية عسكرية.

هل نقترب من اتفاق نووي… بالقوة؟

توقيت العملية يتزامن مع الحديث عن تقدم نسبي في المفاوضات غير المباشرة لإحياء الاتفاق النووي.
بالتالي، قد يكون التفجير جزءاً من استراتيجية تهدف إلى تدمير أو تعطيل البنية التحتية الإيرانية قبل التوصل إلى اتفاق، بما يحد لاحقاً من قدرة طهران على الاستفادة الاقتصادية أو التسليحية من رفع العقوبات.

الرواية الإيرانية: استمرار سياسة الإنكار الصامت

كما حدث في حوادث سابقة، تبنت السلطات الإيرانية رواية تقول إن الحادث ناجم عن سوء تخزين مواد قابلة للاشتعال.
يأتي هذا في سياق الاستراتيجية الإيرانية المعروفة التي تقوم على التكتم و امتصاص الهجمات الرمادية و لكي لا تقع تحت ضغوط الشارع بالرد العسكري هذا من الجهة الإيرانية لكن

لماذا سارعت إس*رائي*ل إلى النفي؟

بسرعة لافتة، أعلنت إس*رائي*ل عدم مسؤوليتها عن الانفجار.
هذا النفي يدخل في إطار سياستها التقليدية “الغموض و الانكار”، لكنه قد يعكس أيضاً خشية إ*سرائ*يل*ية من أن تستغل إيران الحادث لتحسين موقعها التفاوضي، عبر الظهور بمظهر الضحية أمام الوسطاء الدوليين.

الخلاصة

تفجير ميناء رجائي لم يكن مجرد حادث عرضي أو تسرب مواد خطرة.
بل هو رسالة معقدة تشترك فيها عدة أطراف، وتحمل أبعاداً سياسية وعسكرية واقتصادية، هدفها الرئيسي إعادة صياغة معادلة القوة قبيل لحظة مفصلية من تاريخ المنطقة.

وفي ظل تسارع الأحداث، يبدو أن الشرق الأوسط دخل رسمياً مرحلة الحرب الرمادية المفتوحة، حيث تُدار المعارك بالتفجيرات الصامتة أكثر من التصريحات الصاخبة.
لذلك سوف نسمع و نرى أكثر من حادث أو تفجير في المنطقة بهذه الشاكلة و نحن نعرف أن الفاعل المجهول معلوم

الكاتب / باحث في العلاقات الدولية

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!