تشريع قطع الأعناق
تشريع قطع الأعناق
د . فاتح عبد السلام
راتب المواطن هو الوسيلة الوحيدة لبقائه انساناً له وجه بشري غير متوحش بالغضب والحيرة والعوز والضياع، وهنا لا أريد أن أعيد كلاما سبق أن قلته في هذه الزاوية قبل سنوات حول قدسية الراتب لأنه سبب حياة بعض العوائل أو موتها عبر التصدي لهجمة العوز التي قد تقود الى تفكك الاسرة الواحدة.
في بلد غني مثل العراق، لا يعقل انّ الكلام لا يزال منذ عشرين سنة عن ازمة الرواتب في مدن عراقية حتى إن كانت في اقليم كردستان.
هناك مشكلات سياسية صنعها السياسيون انفسهم وغذّتها الدول الداعمة لهم وزاد في تفشيها الرعونة والاهمال والاحقاد المتوارثة والحسد والأسباب الشخصية المخجلة التي لا تليق أن تقرن برجال دولة. وهذا كله ليس مبرراً لأن تحجب الرواتب عن الموظفين في الشأن العام في إقليم كامل.
اذا كنتم حتى الان عاجزين عن البت في تشغيل خط نفط ميناء جيهان، ولا توجد آليات عراقية تركية ومن ضمنها الإقليم لحل هذه المشكلة، فكيف يمكن الوثوق بأنكم قد نجحتم في التصدي لمشكلات أكبر تخص أمن العراقيين وأقواتهم ومستقبل أطفالهم.
لا يمكن أن نغفل وجود مشكلات وأزمات، لكن الذين صنعوها هم مَن يقودون دفة السياسة. عودوا الى أنفسكم
أولاً، وحلّوا العُقد التي تتكدس في الصدور ثم انطلقوا الى ساحة وطنية موحدة للحوار والعدالة وستجدون الحلول بطريقة سريعة. غير انّ المسيرة صعبة لأنّ أيّ أمل لن يكون في مأمن من المتربصين من حيتان الفساد المستفيدين من الازمات والاضطرابات.
الدستور لم يحل لكم مشكلة، بل انكم تختلفون على مواد أساسية فيه وتراوغونها بلعبة التوافقات التي لن تستمر طويلا، فهي تنفع لعبور اختناق صغير وتعجز عن عبور الطريق الى الضفة الأخرى.
هناك بعض الطروحات الغربية في بعض الاروقة السياسية في بغداد، تفيد بأنّ السياسي الكردي الفلاني لا يريدون ان يزورهم في بغداد ويتداول في المشكلة وحلها، وانّ زيارته قد تزيد الازمة تعقيداً، وانهم في الوقت ذاته يفضّلون عليه أن يزورهم سياسي اخر من إقليم كردستان ويقولون انهم سيتعاملون معه بشكل إيجابي. هذا السلوك لا يمتُ بصلة لعمل الدولة والمؤسسات والمصالح الوطنية، لكنه مع الأسف واقع معاش يجري التغاضي عنه.
أفواج من العراقيين من بغداد ومدن البلاد الأخرى يزورون أربيل والسليمانية ودهوك وزاخو، لأغراض التجارة والسياحة والعمل والتواصل مع الاهل والسفر للخارج والعلاج في المستشفيات، ويجدون التعاون والترحيب في الإقليم، لكن كثيرا من العراقيين يصابون بالحرج من سماع موظفين في قطاع الصحة او التربية والتعليم في كردستان يتحدثون عن انقطاع رواتبهم التي تعيل أسراً كاملة منذ ثلاثة أو أربعة أشهر. لا يمكن أن تكون هذه الحالة مقبولة، فالذي يحكم بلداً فيدرالياً كما ينص دستوره، عليه أن يحقق تفاهمات ادامة الحياة المشتركة بعناصرها الأساسية ويفصلها عن المسارات والخصومات السياسية.
قطع الرواتب هو عملية متدرجة لتشريع لقطع الاعناق.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.