ترامب ونتنياهو: مَن يستخدم مَن؟ – ناضل حسنين
بين خيار الضربة الوقائية وممر التفاوض الضيق، يقف دونالد ترامب على مفترق طرق لا يحسد عليه، في واحدة من أكثر اللحظات خطورة في الشرق الأوسط. السؤال المطروح اليوم ليس فقط: “هل يتدخل ترامب عسكريًا إلى جانب إس*رائي*ل؟” بل: “من يستدرج الآخر نحو قرارات كبرى؟ ومن يُخفي حساباته تحت الطاولة؟ إس*رائي*ل أم الولايات المتحدة؟”
لقد منح ترامب البنتاغون مهلة أسبوعين ليراجع خياراته: إما ضربة عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني، أو مبادرة دبلوماسية إن أبدت طهران استعدادًا لتنازلات. لكن من قال إن الأمر بهذه البساطة؟ “الأسبوعان” ليسا وقتًا للتفكير فقط، بل هما مهلة لتصفية النوايا، وإعادة فرز الحلفاء، وفهم من يجر من، وإلى أين.
من الناحية الشكلية، تبدو تل ابيب في موقع من يناشد واشنطن التدخل. تطلب الدعم، تؤكد أن الضربة التي وجهتها مؤخرًا إلى منشآت إيرانية لم تكن سوى تمهيد، وأن طهران تقترب من امتلاك القنبلة. لكن هل هذا حقًا كل ما في الأمر؟ أم أن تل أبيب، بخبرة عقود في إدارة الأزمات، تحرك المشهد باتجاه يخدم مصالحها العميقة، دون أن تضطر لدفع ثمن الحرب بنفسها؟
في المقابل، ثمة رأي آخر لا يقل وجاهة: ربما الولايات المتحدة هي من تفسح الطريق أمام إس*رائي*ل لتنفّذ ضربات قاسية، لكنها محسوبة، بهدف إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات ضعيفة ومهزوزة. بهذا الشكل، تصبح الحرب ورقة تفاوض، وليست خيارًا نهائيًا.
إس*رائي*ل تحتاج الولايات المتحدة، لا شك في ذلك. لكنها أيضًا تدرك أن كل قنبلة تلقيها على إيران تدفع ترامب إلى الزاوية؛ إن سكت، سيبدو ضعيفًا أمام “حليفته الوحيدة” في المنطقة، وإن دعم، سيجد نفسه على مشارف مواجهة إقليمية لا أحد يضمن نهايتها. فهل تلعب إس*رائي*ل على أعصابه؟
وفي الاتجاه المعاكس، لترامب مصلحة واضحة في بقاء إس*رائي*ل في حالة هجوم: كل صاروخ يطلقه سلاح الجو الاس*رائ*يلي على اهداف في طهران يجعل احتمال العودة إلى الاتفاق النووي أكثر إلحاحًا، ويزيد من الضغط على الأوروبيين والإيرانيين لقبول شروط واشنطن في مفاوضات جديدة، بشروط جديدة، وبرئيس جديد اسمه ترامب. إذاً، من يستخدم من؟ قد يكون الجواب: كلاهما يستخدم الآخر، لكن كل بطريقته.
ترامب نفسه لا يبدو مرتاحًا. في داخله صراع واضح بين شخصيتين: الأولى هي “رجل الحسم” الذي لا يسمح لطهران ببلوغ العتبة النووية، والثانية “رجل الصفقة” الذي يريد انتصارًا دون حرب، يريد مشهدًا يصافح فيه العدو، كما فعل مع كوريا الشمالية، ويخرج أمام الكاميرات كبطلٍ لا يهزم.
لكن اللحظة الحالية أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى. في واشنطن، هناك جنرالات يحذرون من تكرار كارثة العراق، ومستشارون جمهوريون يخشون أن تتحول الحرب إلى كرة نار تلتهم ما تبقى من فرصهم في انتخابات الكونغرس المقبلة.
وفي المقابل، ثمة كتلة صقور تحث ترامب على الضرب الآن، باعتبار أن التردد مكلف، وأن إيران لن تتراجع إلا بلغة النار.
أما في الإقليم، فالكل يتوجس. عواصم الخليج ترى في الضربة الأمريكية حلاً ممكناً، لكنها تخشى من نيران الرد الإيراني. لبنان وسوريا والعراق واليمن، كلها جبهات جاهزة للاشتعال إن انطلقت شرارة واسعة. فلا أحد يصدق أن الحرب مع إيران ستكون محدودة، كما يدعي منظرو الضربات الدقيقة.
ثمة شيء يتغير، لكن لا أحد يعرف إن كان هذا التغير سيقود إلى صفقة كبرى، أم إلى خراب طويل الأمد.
في لحظة ما، سيتخذ ترامب قراره. ولكن فلنكن واقعيين: هذا القرار ليس نابعًا فقط من حسابات استراتيجية أو اعتبارات أخلاقية. هو أيضًا قرار انتخابي، وتكتيكي، واستعراضي. والقرار الحقيقي، أيًا كان شكله، سيكون محمّلًا بثقل مزدوج: ثقل إس*رائي*ل التي تعرف كيف توصل رسائلها بصمت، وثقل إيران التي لن تسكت إن شعرت أنها تعرضت للخديعة أو للحصار بلا مخرج.
نحن أمام مشهد فيه قدر هائل من المناورة. إس*رائي*ل تبدو وكأنها تستنجد، لكنها تدير المعركة بهدوء أعصاب لاعب شطرنج محترف. أما ترامب، فيبدو مترددًا، لكنه قد يفاجئنا بقرار يبدّل قواعد اللعبة.
السؤال لم يعد: “هل تتدخل أمريكا؟”، بل: “في أي لحظة، وبأي ثمن، ومن الذي يكتب السيناريو الحقيقي لهذا الفيلم الطويل؟
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.