مقالات

بمناسبة الذكرى (150) لميلاد الصحافة العراقية – نقابة

بمناسبة الذكرى (150) لميلاد الصحافة العراقية
نقابة الصحافيين العراقيين : متى يحين أوان إصلاحها ؟!

ثامر عباس

لا ريب في أن الذي تسوقه الضرورة للدخول الى مقر (نقابة الصحفيين) العراقيين ، سرعان ما يتولد لديه انطباع سيء مؤداه ؛ ان هذه المؤسسة (الثقافية) لا تختلف في شيء عن محاكم (التفتيش) التي كانت سائدة في أوروبا العصور الوسطى ، سواء من حيث طريقة الاستقبال الجافة والخشنة للوافدين / المراجعين ، أو من حيث أساليب التعامل مع مشاكلهم والإجابة عن استفساراتهم التي يتطلعون لإيجاد الحلول لها . حيث تضطر مرغما”لتقديم بعض التنازلات الاعتبارية أمام وجوه استوطنت ملامحها مظاهر التجهم والجفاء ، فضلا”عن تجنب نظرات أدمنت التعبير عن الازدراء والتشكيك بكل زائر غريب . لا بل حتى ان آداب (السلام) – ولا أقول (الترحيب) – تبدو بالنسبة للعاملين فيها (مكلفة) لهم نفسيا”، بحيث تواضع الجميع على اختصار العبارات وابتسار الحوارات .
وهكذا ، فما أن تطأ قدما الشخص المراجع أروقة هذه (النقابة – الوكر) التي استحالت أروقتها الى ما يشبه المتاهة ، سيتملكه شعور منفّر ومقلق كما لو أنه في حضرة مؤسسة (أمنية) محاطة بإجراءات وممارسات لا علاقة لها بشؤون الفكر والثقافة لا من قريب ولا من بعيد ! . الأمر الذي يضع المرء المعني في حيرة من أمره إزاء طبيعة هذه المؤسسة وماهية الدور الذي تلعبه الوظيفة التي تزاولها ؛ هل حقا”أنها معنية بنشر قضايا (الفكر) وإشاعة مسائل (الثقافة) كما توحي بها اليافطة التي تحمل اسم (الصحافة) ؟! . وان كانت هي كذلك ، فما الشروط والمعايير التي تعتمدها في اختيارها لأولئك الذين يتمتعون بعضويتها ويحملون هويتها ؟! . أما إذا كانت – وهذا هو واقع الحال – تستخدم هذه الصفة (الصحافة / الثقافة) لإغراض تتعلق بتعزيز الروابط والتضامنيات العصبية (الاثنية والقبلية والطائفية) من جهة ، وتعظيم المكاسب الاقتصادية والمنافع السياسية والمآرب الإيديولوجية للقائمين على إدارتها من جهة أخرى . فهي ، والحالة هذه ، تبدو بحاجة ماسة وعاجلة لعمليات إصلاح جذرية وشاملة ، ليس فقط على صعيد قوانينها الجائرة وانظمتها البالية التي تتسبب بحرمان العديد من الأساتذة والمثقفين من حقهم في التمتع بعضويتها ، بحجة كونهم لا يعملون في أحدى المؤسسات الصحفية والإعلامية كما يشترط القيمين عليها فحسب ، وإنما على صعيد رؤوس كوادرها وطواقمها المسؤولة فيها ، والذين استحال معظمهم بالتقادم الى (مومياءات) متحجرة لم تعد صالحة لإدارة شؤون هذا المرفق الثقافي الحيوي والحساس .
والحقيقة ان المعطيات الواقعية التي لمسناها خلال مراجعاتنا المتكررة لهذه المؤسسة المتداعية إداريا”والمتآكلة ثقافيا”، فضلا”عن تعاملنا مع بعض كوادرها الإدارية المسؤولة – بمن فيهم النقيب شخصيا”- تنفي بالمطلق أية علاقة لهؤلاء (الدينصورات) بعلاقات وتواضعات وتصورات تتسم بالثقافة والفكر أو حتى بالإنسانية . فعلى مدى سنة وأربعة أشهر – ولحد الآن لم يبت بفحوى الطلب – راجعت هذه النقابة لأكثر من عشر مرات على أمل البتّ بطلب تسوية موضوع (ترقين) قيد عضويتي فيها بسبب انقطاعي عن المراجعات الدورية التي اشترطتها هذه النقابة لديمومة العضوية فيها . حيث لمست لدى المعنيين بهذه القضية ليس فقط قلة الاكتراث والاستهانة بهذا الموضوع ، فضلا”عن انعدام الرغبة في تقديم أية مساعدة قد تحتاجها هذه العملية (المعقدة) لإنهاء معاناة المراجعات المستمرة دون طائل فحسب ، وإنما وجود حالة غريبة من مشاعر (التطيّر) و(الامتعاض) كلما حاولت – كباحث – أن استعين برصيدي الثقافي والفكري من الدراسات والمؤلفات ، على أمل كسر تلك الحواجز النفسية التي لا يفتأ أصحاب الشأن في النقابة من إقامتها والتحصن خلفها ، للحيلولة دون تحقيق رغبتي المشروعة والاستجابة لمضمون الطلب .
وبدلا”من أن يكون لقائي الشخصي وحواري المباشر مع السيد نقيب الصحفيين الأستاذ (مؤيد اللامي) مدخلا”لتجاوز تلك الأجواء من البيروقراطية الخانقة التي يعمل في كنفها المسؤولين في هذه النقابة ، إلاّ إني قد صدمت من طغيان مظاهر الجفاف والجفاء التي أبدها نحوي السيد (النقيب) كما لو أن بيني وبينه (عداء) تاريخي ، للحدّ الذي لم يستطع معها مغالبة رغبته في إلغاء عملية التواصل الإنساني وقطع الحديث الحواري بيننا ، هذا مع الاستمرار بإشاحة وجهه عن مواجهتي المباشرة بحيث لا يحصل بيننا أي لقاء بصري متقابل . وكلما حاولت التخفيف من حدة ممانعاته وشدة اعتراضاته إزاء إلغاء قرار (ترقين) قيد عضويتي في النقابة باللجوء الى تذكيره كوني أحمل صفة (باحث) من جانب ، ومستعينا”بعدد المؤلفات والدراسات والمقالات التي أنجزتها سواء في الصحافة المحلية أو مواقع التواصل الاجتماعي من جانب ثان . كلما استفزته طريقة احتجاجي بالمسوّغ (الفكري – الثقافي) المدعمة بالمعطيات والمعلومات الكفيلة باستحقاقي نيل العضوية (الصحفية) ، خلافا”للكثير ممن تحصلوا على تلك العضوية دون أن تكون لهم أية إسهامات فكرية أو ثقافية بالمرة ، اللهم باستثناء كونهم يعملون في بعض المؤسسات الإعلامية – ومنها نقابة الصحفيين ذاتها – كإداريين أو مصورين أو سواقين أو عمال خدمة ! . ومن باب الأمانة ، فان 80% من حاملي عضوية نقابة (الصحفيين) – خصوصا”أولئك الذين تحصلوا عليها بعد عام 2003 – لا يستطيعون كتابة جملة مفيدة في أمور الثقافة العامة ، ناهيك عن الخوض في غمار العلوم الاجتماعية والإنسانية التي لا يستحق (الصحفي) حيازة هذه الصفة دون الإلمام بها والتمكن منها ! .
وحيث لم يجد (نقيب الصحفيين) عذرا”أو مبررا”للتخلص من إلحاحي والتملص من إصراري للمطالبة ببيان موقفه والتصريح عن رأيه ، فقد عمد الى التمسك بدعوته لي بالذهاب الى الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين لإيجاد ضالتي هناك ، معتقدا”- ربما – انه المكان الأنسب لانخراطي في عضويته والحصول على هويته ، بدلا”من (اللاجدوى) التي أعلل نفسي بآمال بلوغها لدى نقابة الصحفيين المنيعة ، وكأن هذه النقابة – كما أشرنا الى ذلك – غير معنية بأية أنشطة وفعاليات ذات طابع فكري وثقافي تبرر لي حق الانضمام لعضويتها والمطالبة بهويتها ، بقدر ما باتت مقتصرة على منح الهويات وتوزيع الامتيازات لكل من هب ودب ، ليس بناء على (الكفاءة) العلمية و(الجدارة) المعرفية (المهارة) الثقافية ، وإنما بناء على ما تدره المجاملات الشخصية ، والعلاقات الفئوية ، والصفقات السياسية من مكاسب اقتصادية مبطنة ومآرب إيديولوجية مضمرة .
وفي إطار الذكرى الحادية والخمسون لميلاد الصحافة العراقية ، بات من الضرورة بمكان أن يصار الى وضع هذه المؤسسة المتهالكة (ككيان وأشخاص) ضمن قائمة أولويات الجهات الحكومية المسؤولة عن برامج الإصلاح الاجتماعي والإنماء الاقتصادية والاستقرار السياسي . ذلك لأن تغيير بنى المجتمع وتطوير أنماط وعيه لا يمكن حصد بيدرها وجني ثمارها إلاّ بالشروع أولا”من المؤسسات التعليمية / التربوية ، قبل المؤسسات السياسية / السلطوية ، والمؤسسات الفكرية / الثقافية قبل المؤسسات الاقتصادية / التجارية ، والمؤسسات المعرفية / العلمية قبل المؤسسات الصناعية والزراعية . حيث تعتبر الأولى بمثابة الأسس والمرتكزات ، في حين تعتبر الثانية بمثابة الهياكل والمنشآت .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!