(ان تحديد نطاق أي قانون يختص به المشرع ويتصل بالنظام العام
ان العنوان لهذه المادة المعدة للنشر هو مبدأ ورد في قرار للهيئة التمييزية في احدى محاكم الاستئناف صدر بتاريخ 20/5/2025، وكان بمناسبة تظلم احدى الزوجات من قرار قاضي محكمة الأحوال الشخصية بتطبيق احكام تعديل قانون الاحوال الشخصية عليها بناء على طلب الزوج ودون موافقتها،
وعند تصدي الهيئة التمييزية للطعن المقدم منها فإنها قضت بصحة القرار وردت التظلم وكان من بين الأسباب التي استندت اليها المحكمة ما ورد في العنوان أعلاه (ان تحديد نطاق أي قانون يختص به المشرع ويتصل بالنظام العام ولا يخضع لتوافق ارادتي الخاضعين له) وهو مبدأ سيكون سنداً وسبباً لقبول الطلبات من الأزواج دون موافقة الزوجة او حتى علمها، وستلتزم به جميع المحاكم التي تتبع للاختصاص النوعي والمكاني للمنطقة الاستئنافية اعلاه،
لذلك لابد من الوقوف على ما ورد في هذا المبدأ لأنه يمثل قراءة جديدة للنص القانوني النافذ، وسيكون العرض على وفق الاتي:
1. ان هذا الحكم القضائي هو مصداق لقولنا في ما سبق بان التطبيق القضائي هو المخبر الذي يحلل النص القانوني ويبين عواره ونقصه، وهو تأييد لقولنا بضرورة مراعاة المشرع و قبل صياغته للنصوص، ما سيكون عليه الاجتهاد القضائي عند التطبيق، لان أي جمل تركيبية يتكون منها ستكون خاضعة للاجتهاد المتباين مالم تكن جزلة وواضحة بشكل يقطع دابر الاجتهاد، حيث وجدنا بعض الهيئات التمييزية في محاكم الاستئناف الأخرى، لديها قراءة أخرى تختلف جذريا عن ذلك الذي نبحث فيه، وانما اعتبرت توافق الطرفين (الزوج والزوجة) أساس قبول تطبيق الاحكام الواردة في قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية، وهذا التباين، بلا ادنى شك، اصبح يتعارض مع المبدأ الدستوري (المساواة) الذي ورد في المادة (14) من الدستور العراقي التي جاء فيها (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي)
لان الحال اذا تعلق بالزوج فإننا نجد ان الزوج في منطقة استئنافية ينعم بمزايا ومنافع التعديل القانوني، بينما نجد الزوج في منطقة استئنافية أخرى يحرم من هذا الامتياز، وكلاهما يخضع لنص قانوني واحد، وكذلك بالنسبة للزوجة، وهذا مثال حي على ان القانون بنصوصه التي لم تكن جزلة وقاطعة الحكم، قد أدى الى خرق للمبدأ الدستوري أعلاه، ومن ثم يكون قد خالف الدستور ويكون باطلاً استناداً لحكم النص الوارد في المادة (13) من الدستور التي جاء فيها (لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور، ويُعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الاقاليم أو اي نص قــانوني آخــر يتعارض معه)
2. ان المبدأ أعلاه والذي جاء فيه (ان تحديد نطاق أي قانون يختص به المشرع ويتصل بالنظام العام ولا يخضع لتوافق ارادتي الخاضعين له) قد أشار الى نطاق سريان القوانين، حيث اعتبر ان النص القانوني يسري على الجميع ولا حاجة لاتفاق الطرفين على تطبيقه، وانا أؤيد هذا القول تماماً،
لكن النص القانوني محل التطبيق هو من أشار الى وجوب الاختيار، بمعنى انه لا يسري تلقائيا وانما لابد من طلب حتى تسري احكامه، وعلى وفق نص المادة (3/أ) من قانون التعديل رقم (1) لسنة 2025 الذي جاء فيه (للعراقي المسلم والعراقية المسلمة عند إبرام عقد الزواج بينهما وتسجيله في محكمة الأحوال الشخصية اختيار أن تطبق عليهما وعلى أولادهما القاصرين أحكام المذهب الشيعي الجعفري في جميع مسائل الأحوال الشخصية، وليس لهما تغيير خيارهما لاحقا)، حيث اقرن ابرام عقد الزواج للمرة الأولى بين الزوجين على اختيارهما، ولم يسري عليهم تلقائياً،
وكرر هذا الخيار في نص اخر في المادة ذاتها (وبالنسبة إلى عقود الزواج التي أبرمت وسجلت قبل تاريخ نفاذ هذا القانون يحق لكل من طرفيهما كاملي الأهلية تقديم طلب إلى محكمة الأحوال الشخصية لتطبق عليهما وعلى أولادهما القاصرين الأحكام الشرعية للأحوال الشخصية في المذهب الشيعي الجعفري إذا كان العقد وقع على وفق هذا المذهب ، ويستدل على ذلك بتضمنه استحقاق المهر المؤجل عند المطالبة والميسرة) فانه اشترط لسريان احكام التعديل على المتزوجين قبل صدوره بناء على طلب يقدم، وليس تلقائياً، بمعنى ان الزوجين الذين تزوجا على وفق احكام المذهب الجعفري قبل صدور القانون أعلاه، ولم يقدم طلب لتطبيق احكامه عليهم فانهم لا يخضعون له ولا يسري عليهم تلقائياً،
وبذلك فان نص القانون أعلاه لم يرد فيه نص على التطبيق التلقائي، وانما أقرنه بتقديم طلب، وهذا هو محل الاختلاف في قراءة النصوص، حيث أرى وغيري الكثير، بان النص يوجب اتفاق الطرفين، ولا سباب كثيرة عرضتها في أكثر مادة نشرتها في عدة صحف ومواقع الكترونية،
وخلاصة القول ان قانون التعديل لا تسري احكامه على المتزوجين على وفق احكام المذهب الجعفري تلقائياُ، وليس للمحكمة او غيرها اجبار الزوجين على تطبيق احكام التعديل عليهما الا بالاختيار،
وما زالت العيون ترنو الى المحكمة الاتحادية العليا والاعناق مشرئبة لقول كلمتها الفصل في موضوع دستورية قانون التعديل بحكم قضائي يفصل فيه موضوعاً فيقطع السبيل على من يشكك في دستوريته، مع التنويه الى انه يتمتع بقرينة الدستورية طالما لم يصدر أي حكم من القضاء الدستوري بعدم الدستورية.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.