الحوار الهاديء

الى المشاركين في مؤتمر بروكسل ألتزموا العقلانية وتجنبوا المخاطر

الكاتب: الدكتور عبدالله مرقس رابي
الى المشاركين في مؤتمر بروكسل ألتزموا العقلانية وتجنبوا المخاطر
د. عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي
                     تناولت وسائل الاعلام وبما فيها مواقع شعبنا الالكترونية حدث المشاركة في مؤتمر بروكسل للنقاش مع ممثلي البرلمان الاوربي حول مستقبل المسيحيين في العراق بعد د*اع*ش الذي ينعقد اليوم ،وتضاربت اراء الاعلاميين والكتاب الموالين والمؤازرين للاحزاب المسيحية السياسية من الاثنيات الثلاث بين مؤيدين ورافضين للمؤتمر في ضوء أعلان الكنيسة الكلدانية موقفها من المشاركة ،وأنسحاب كل من الحركة الديمقراطية الاشورية وكيان ابناء النهرين من المشاركة قبل انعقاد المؤتمر مع أصرار الاحزاب المسيحية الاخرى المشاركة في المؤتمر المذكور. ولاعتباره حدثاً مهما يخص شعبنا الكلداني والاشوري والسرياني ومستقبله فلا بد من أبداء الرأي لعله يُفيد المعنيين.
تعدد المؤتمرات
               حرص المسؤولون من المكون المسيحي من الاثنيات الثلاث الكلدان والاشوريين والسريان الى أقامة المؤتمرات منذ سقوط بغداد عام 2003 للحوار المشترك بينهم لتهيئة أجواء سياسية لتحقيق مطالب شعبنا سواء على مستوى العراق أو اقليم كوردستان وباءت العديد منها بالفشل ،أو ساهمت الاحزاب السياسية عبر ممثليها في المؤتمرات التي نُظمت من قبل المنظمات الدولية لطرح قضايا شعبنا وتحقيق الامان والضمانات الدولية لحماية شعبنا أو لاستحداث محافظة سهل نينوى الى أن وصلت بعض النداءات الغريبة لمن هم في الخارج لاقامة أقليم سهل نينوى وبل بعضهم يرمون الى تحرير الاراضي الاشورية،أولتلقي المساعدة بعد أن هُجر شعبنا من بلداته  ومدنه قبل عامين على أثر غزوة د*اع*ش.
لم تقتصر المشاركة في المؤتمرات المنظمة من قبل المنظمات الدولية على السياسيين بل أيضاً ساهم الرؤساء الروحانيين للكنائس المسيحية أيضا،انما لم تكن دعوتهم هي لاقامة أقليم أو محافظة في سهل نينوى بل لحث  الحكومات المحلية لتحقيق مطالب المسيحيين بأعتبارهم مكون أساسي من الشعب العراقي بل المكون الاصيل ،أو لحث المجتمع الدولي لتقديم المساعدات المالية  والعينية لابناء شعبنا المهجرين أو لاعمار بلداته بعد دحر عصابات د*اع*ش .
من هم المشاركون؟
                      من المتابعة الاعلامية والشخصية تبين أن المشاركين من الاثنيات الثلاث في المؤتمر المذكور هم فئتان: الاولى الاحزاب السياسية المنتظمة داخل العراق ،والفئة الثانية هي جماعات غريبة وشاذة كما وصفها البعض سواء أحزاب أو أشخاص ولها أجندات ومطالب تعجيزية غير مدروسة، وهي غير مرغوب بها من قبل الاحزاب السياسية التي تُمثل شعبنا في العراق .وكانت بتقديري مشاركتهم هي السبب الرئيسي لانسحاب بعض الجهات.وهذا وصف للصحفي (أنطوان الصنا) لبعض من المشاركين في المؤتمر(نعم هناك اطراف وجهات دخيلة وغريبة وضاغطة قسم منها تعمل مع الحكومة العراقية تحت عناوين مسيحية كديكور والقسم الاخر مرتبط بمؤسسات عالمية تحمل اجندات غامضة وغريبة واحيانا مشبوهه على قضيتنا وحقوقنا وهم طبعا من ابناء شعبنا يتحدثون بأسم شعبنا بطريقة مستهجنة ومرفوضة وبدون وجه حق وهم لا يمثلون الا انفسهم ومن يقف خلفهم)
فاذن لماذا المشاركة طالما هناك أعتراف من مؤازري المجلس الشعبي الكلداني  السرياني الاشوري كاحد أهم اقطاب المشاركة في المؤتمر بأن بعض من المشاركين هم بهذه المواصفات ،أ لم يكونوا عثرة في تحقيق المؤتمرون أهدافهم ؟ أ لم يسيئوا الى سمعة الاحزاب السياسية لشعبنا العاملة في العراق ؟ كيف يتم اقناع هؤلاء الحالمين ولهم أجندات خاصة؟ أ ليست أفكارهم تنصب في طرد الكورد من الاراضي الاشورية ،بينما الاحزاب السياسية الاخرى هي موالية للكورد تماماً وتسير في فلكها ،فالنتيجة هي الخروج بصراعات وشعبنا لايتحملها؟فلا يستوجب أدانة من سحب من المؤتمر في هذه الحالة. فكيف تحدث الحوارات البناءة بين الاقطاب المتناقضة هذه؟وكيف يناقشون أوضاع شعبنا مع جهات غريبة وشاذة ومشبوهة؟
من غير الطبيعي أن تكون هناك عدة أحزاب يصل عددها الى عشرة تُشارك في المؤتمر وتمثل شعبنا في العراق الذي لا يتجاوز تعداده حسب التقديرات الاخيرة اربعة مئة الف في عموم العراق، والسؤال المطروح هل أن الشعب منقسم على نفسه بعدد الاحزاب السياسية ؟ علماً ان الاحزاب المشاركة ترمي في فلسفتها وتطلعاتها الى تحقيق نفس الاهداف لشعبنا لنيل حقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية .تعدد الاحزاب دون وجود قاعدة جماهيرية ومؤازرين لمعظمها هي حالة سلبية ،فهناك أحزاب لا يعدو عدد منتسبيها عدد أصابع اليدين ،وبعض منها لها مؤازرين ومنتسبين لا تؤهلها لان تمثل مجموعة من الشعب  بأستثناء الحركة الديمقراطية الاشورية .فما الحاجة لهذا العدد من الاحزاب طالما ترمي في أجندتها الى نفس الاهداف ،كان من الافضل أختزالها .والا يبدو واضحاً ان وجود هذا العدد من الاحزاب هو الركض لتحقيق مصالح شخصية أو حزبية ضيقة فما فائدة حزب لا يعدو منتسبيه أفراد العائلة وبعض الاقرباء وليس له قاعدة جماهيرية تُذكر وحتى نشاط سياسي ما؟ أ ليست هذه مسألة مُعيبة ؟
يتم عادة تهيئة الاطراف المنسجمة كحد أدنى للمشاركة في المؤتمرات لكي يتمكن المؤتمرون والمساعدون لتلك الاطراف من تقريب وجهات النظر وثم تحقيق النتائج المرجوة من أجتماعهم وحوارهم.بينما الاحظ في هذا المؤتمر يلتقي فيه مجموعات تقع عل قطبين متناقضين تماماً ،فهناك مثلا من يرمي الى انشاء أقليم  أو حكم ذاتي ،واخرون يعيشون في أحلام اليقظة لانشاء امبراطوريات وتحرير الاراضي الاشورية من الكورد والعرب، بينما بعضهم يكتفون بمحافظة في سهل نينوى بدعم من الكورد ومرتبطة توجهاتهم بما يرمي أليه الكورد أنفسهم. وأن بعض منهم لا يُفترض حضورهم ودعوتهم لغرابة مطالبهم التعجيزية لكونهم شباب يفتقدون الى الخبرة ،كما أن مشاركة من هم خارج العراق في بلدان الانتشار من أبناء شعبنا هم نقمة على المشاركين لطرحهم أفكاراً ومشاريعاً خيالية لعدم تمكنهم من استقراء الواقع الفعلي داخل العراق والمنطقة المجاورة ،وهم يعيشون في نعيم البلدان المتقدمة من حيث الامان والاستقرار والراحة والاطمئنان على الحياة ويبثون بأفكارهم الشاذة لتعكس على أبناء شعبنا في العراق ،دون أن يجهدوا أنفسهم ويذهبون للعيش هناك. فهم حتماً سيكونوا سبباً لفشل المؤتمر .  
وفي تقديري أن الحركة الديمقراطية الاشورية,وابناء النهرين هما أكثر وعياً وأدراكاً لما ذكرته عن طبيعة المشاركين في المؤتمر من الغربة عن الاحزاب السياسية لابناء شعبنا في العراق والذين يحملون الى المؤتمر أجندات تعجيرية وتنعدم خبرتهم عن الاوضاع الداخلية وما يتعرض اليه شعبنا،ولهذا تجنبوا أن يتحملوا المسؤولية التاريخية في التأثير سلباً على شعبهم.
أما أنسحاب الكنيسة الكلدانية
                           يمثل الكنيسة الكلدانية في العالم غبطة البطريرك مار لويس ساكو ،وكثيراً ما توجه أليه أصابع الاتهام أعلامياً من الكتاب المؤازرين للأحزاب السياسية وأخص بالذكر من المؤازرين للمجلس الشعبي الكلداني السرياني،أنه يقف عائقاً بنشاطاته المتعددة دون تحقيق شعبنا لحقوقه أو تحقيق الاحزاب السياسية لمطاليبها .لم تمر مناسبة دون توجيه مثل هذه الاتهامات لغبطته وآخرها بعد أن اعلنت الكنيسة الكلدانية موقفها الصريح والواضح في مبرراتها من المشاركة في المؤتمر المذكور.أنما في هذه المرة أوقعوا هؤلاء الكتاب أنفسهم في مأزق من التناقض وعدم المصداقية لطروحاتهم ،وتبين جلياً أن ما يطرحون هو عبارة عن توجيهات صادرة من الجهات التي يرتبطون بها.أما أين هو التناقض ؟ في كل حركة يخطوها البطريرك مار ساكو سواء محلياً أو دولياً تعلو الاصوات بالتنديد والتذمر من نشاطات غبطته لكي يبتعد عن السياسة ودهاليزها ويمنح الفرصة للاحزاب السياسية للعمل ،كأنما غبطته صدر مرسوما بتعطيل الانشطة السياسية!! ولم تمر مناسبة والا التنديد والتذمر،بينما لمناسبة أنسحاب الكنيسة الكلدانية وتحديد موقفها من المؤتمر تعالت الاصوات الاعلامية  نفسها عاكسة موقفها الاول تماماً ،وتدعو غبطته المشاركة  في الحوار كأنما في هذه الحالة لا تعبر عن مشاركة سياسية ،الامر الذي جعلني في حيرة من أمري للتساؤل ، ما هي مقاساتهم ومعاييرهم للتمييز بين ما يقوم به رجال الدين من النشاطات لتكون سياسية أو غير سياسية.أم أن قياساتهم تعتمد على مدى توافق نشاط البطريرك مع أهدافهم وتطلعاتهم ؟ هذه حالة غير صحية ومجدية وموقف غير سليم.
لماذا انسحاب الكنيسة الكلدانية ؟
                            من متابعة طروحات ومواقف الكنيسة المتمثلة بما يطرحه راس الكنيسة البطريرك مار ساكو ، يتبين بوضوح ومنذ البدء أن رؤية غبطته هي الحث على روح المواطنة وبناء دولة دستورية تعتمد على القانون ونبذ كل حالات الطائفية والمذهبية والركون الى سياسة قبول الاخر المختلف ،وعلى هذا الاساس ولوعيه وادراكه التام للواقع السياسي الاجتماعي والديني والاداري الذي يعيشه المجتمع العراقي ،بما فيها طبيعة الصراعات بين الكتل السياسية المتنفذة سواء في المركز أو الاقليم جعلته أن يتبنى خطاباً معتدلا يصب في بناء عراق دستوري وتنمية الروح الوطنية والانتماء الى العراق الموحد.
ومن جهة أخرى يبذل غبطة البطريرك مار ساكو جلّ جهوده في رعاية وتحسين أوضاع رعيته من الاثنية الكلدانية وثم عموم المسيحيين في العراق من الاشوريين والسريان والارمن وغيرهم في العراق ،فهو منذ تسلمه السدة البطريركية موجهاً اهتماماته وقدراته لتحقيق الامان والطمأنينة لشعبه المسيحي ،سواء لرعاية المهجرين من أبناء شعبنا أو اعمار بلداته وقراه بعد اندحار عصابات د*اع*ش. ويحاول جاهداً على المستوى المحلي أو الاقليمي أو الدولي طرح مطاليب شعبنا من المكون المسيحي وعرض مأساته وقضاياه للراي العام العالمي الشعبي والرسمي لدعم  الشعب العراقي بمجمل مكوناته والمسيحيين خاصة، ومن الطبيعي قد تجني بعض من محاولاته ثماراً وبعضها لا تلقي أذنا صاغية بل وعوداَ فحسب.
من جملة الحوارات التي أجراها غبطته هي مع ممثلين من البرلمان الاوربي ولعدة مرات ،وقد تكون قناعة مار ساكو بعدم الجدوى من الحوار معهم هو أحد أسباب أعلان  عن موقف الكنيسة الكلدانية من المؤتمر الحالي ، فهو واضح جداً أن القرار السياسي العالمي هو مرتبط بالسياسة الامريكية فلا حل وربط للمنظمات الدولية بما فيها البرلمان الاوربي والامم المتحدة ما لم تتلق الضوء الاخضر من الحكومة الامريكية ،وأخص بالذكر ما يتعلق بقضايا العراق الداخلية والخارجية.فهي أي أمريكا التي تقرر السياسة الدولية  وترسم الخرائط السياسية وليست الامم المتحدة أو البرلمان الاوربي.
ومن الاسباب الاخرى ، في تقديري هي المطالب التعجيزية المدفوعة بأتجاه مكون واحد  التي  يناقشها المؤتمرون ،حيث الوضوح في موقف الكنيسة الكلدانية من الحكم الذاتي أو المحافظة الخاصة ، لادراك غبطة البطريرك واخوته الاساقفة للواقع العراقي وأهمية الانطلاق من العيش المشترك في العراق ،ويتجنبوا أن يكون شعبنا ضحية لصراعات الكتل السياسية المتنفذة في البلد.ومن هذا المنطلق ستدعم عدم المشاركة موقف المسيحيين لدى الحكومة العراقية لتلبية المطالب المعقولة والمناسبة في المرحلة الحرجة والمربكة التي تحتاج الى الواقعية والحكمة والتأني .
ومن الاسباب المهمة لاعتبار المؤتمر غير مدروس ،وعدم التناسق بين المشتركين لوجود شباب تنعدم لديهم الخبرة عن الواقع العراقي ، كما ان هناك من بين الاحزاب ذهبت الى المؤتمر تحت ضغوط جهات متنفذة لتكون ورقة مهمة لتحقيق أهدافها.
أنسحاب الكنيسة الكلدانية لا يمنع أحد من المشاركة في المؤتمر فكل جهة حرة في تحملها المسؤولية التاريخية تجاه شعبنا،بينما غبطة البطريرك لم يقبل ضميره أن يفرط بحياة شعبه المتبقي والمسؤول عنه روحياً امام الجميع.وعليه برأيي تجنب المشاركة في المؤتمر الحالي ادراكا لنتائجه التي ستعكس سلباً على شعبناوفقاً لتنظيمه غير المدروس والمتقن.
فمن السذاجة التفكير أن البطريرك مار ساكو تتوقف طروحاته أو مشاركته على مدى تمسكه بزمام الامور والانفراد بها كما ذكرت السيدة( تيريزا أيشو) في مقالتها الاخيرة ،أو لمغازلته ومجاملته للحكومة الفاسدة كما ذكر الصحفي (انطوان الصنا) في مقالته الاخيرة ،متناسياً أن الاحزاب المشاركة هي جزء من تلك الحكومة.أنما غبطته ينطلق من حرصه الابوي والروحي على رعيته من أبناء شعبنا الكلدان وثم المسيحيين عموماً.فهو من دون أن يمنح أحد له القيادة قائدا روحياً أُختير رسمياً من قبل سينودس الكنيسة الكلدانية. ثم أن المشاركات  والنشاطات التي يؤديها غبطته تصب دائماً في تحقيق الرعاية بكافة المجالات لابناء شعبنا المهجر واعمار البلدات بعد تحريرها ،والمطالبة بتشريع قوانين عادلة بحق شعبنا.ولا تصب في طموحات سياسية شخصية أو تحقيق مكاسب شخصية وأموال كما يفعل غيره.
وختاماً أناشد المؤتمرون التحلي بالعقلانية وادراك الواقع المُعاش لشعبنا في العراق لكي تكون مطاليبهم واقعية مرتبطة بالوضع الراهن ،يجنبوا شعبنا أن يكون ضحية لصراع الكتل المتنفذة في العراق ،وأن يدركوا تماماً أن العامل الديمغرافي لشعبنا لا يساعد في أخضاعه الى ويلات أخرى لتُزيد من المأساة والاضطهادات ،فهو أي شعبنا لا يمكنه أن يتحدى اللعبة السياسية المحلية والدولية ،فهو لا يتحمل المزيد من الانتكاسات والمخاطر.
 
                   ..

يمكنك مشاهدة المقال على منتدى مانكيش من هنا

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!