الحوار الهاديء

النساء المرشحات ومعترك الذئاب السياسي

عفاف السيد حسن      

 

في المجتمع الذكوري تكون المرأة مركز الاهتمام، وأي اهتمام! إنه ذلك الذي تبذله الضواري في متابعة وتصيد فرائسها..

في المجتمع الذكوري يتعلق الشرف كله بالمرأة، أما الرجال فكأنهم غير معنيين بالشرف أصلا، لا يخشون عورة تُكشف ولا سمعة تُدنس ولا هم يحزنون، ومهما اجتهدت نساء مجتمعاتنا فهن هنّ، مخلوقات لا تليق باحتلال المتون سواء كانت سياسية أم اجتماعية أم ثقافية، ومكانها هو الهامش غير المرئي، وويل لمن تتجرأ وتحاول أن تزاحم سطور الرجل وتدس أنفها في معمعة النص، وإلا وجدت ما لا يعجبها ولا يرحمها.. سيذبحها دون أن يسمي عليها..

كعراقية أراقب عن بعد مشوار النساء المرشحات أجدهن قد وقعن بين فكي هذا المجتمع المتعطش لافتراسهن، و لا تحدثني عن الديمقراطية هذه المخلوقة المستضعفة التي لا شكل لها ولا معنى في عراق اليوم، فهي أخيتنا الكبيرة التي تشاطرنا الظلم عينه، و التي تقول منذ دهور إن معناها الأساس هو احترام الحريات الفردية في المقام الأول، لا معنى يتحقق للديمقراطية إلا مع حرية اختيار الأفراد لما يريدون اعتقاده وقوله وعمله، وعليه تتأسس بقية أعضاء الجسد الديمقراطي،  ولهذا تزدهر الديمقراطية حين تكون البيئة الاجتماعية منسجمة مع نفسها وتحترم خيارات الأفراد، ولهذا أيضا تفشل وتتلكأ طويلا حين تكون هذه البيئة غير مؤمنة بخيارات الفرد، وتريد منه أن يكون جزءا من قطيع الأيديولوجيات والعقائد والطوائف والاثنيات.. فتكون خياراته هي خيارات ذلك القطيع وحسب.

كيف يتعامل العراقيون مع المرشحات اليوم؟ الجواب تزخر به مواقع التواصل الاجتماعي كما تزخر به شوارع ومقاهي المدن العراقية، حملات تتراوح بين التسقيط السياسي والديني وبين التغزل بهن حد كتابة البعض لقصائد ونثريات التشبيب بهن، والذي يجر عادة إلى أن يتسابق المعلقون على  كيل الاتهامات لهن و وصفهن بأقذع الأوصاف. وصولا إلى السخرية اللاذعة والطعن بالشرف والعفاف، وتعميم ذلك على المرشحات جميعا.

لم أرصد من أشاد بمرشحة واحدة إلا الندرة التي افترض أنها ربما من صديقات وأصدقاء المرشحات أنفسهن، موقف يعكس بمجمله النظرة التي ينظر بها المجتمع إلى المرأة، نظرة عنصرية أولا ونظرة دونية تشهيرية ثانيا، فالبعض لديه اليوم قناعة أن الكل سواسية، وافتضاح نموذج يعني افتضاح الجميع،  نعم التسقيط السياسي شمل المرشحين أيضا ولست جاهلة بذلك، ولكن الفرق واضح جلي بين أدوات التسقيط التي استخدمها الخصوم بعضهم ضد بعض من الرجال وهذا العن*ف غير الأخلاقي ضد النساء،  فمثلا استخدم خصوم سائرون قضية توجهات بعض المرشحين الفكرية وهاجموهم على هذا الأساس، أنصار بعض الائتلافات التي تقودها وجود قديمة استخدموا مقاطع قديمة للتذكير بقضايا تخص منافسيهم لتسقيطهم أمام الرأي العام، بعض آخر فتح ملفات كان يدخرها لهذا اليوم الأسود لينشرها ضد أعضاء كتل منافسة، حتى بلغت بحسب إحدى الصحف أكثر من عشرين ملفا تتراشق بها القوى السياسية ضد بعضها البعض، آخرون عزفوا على وتر الدين والتدين متهمين خصومهم بالابتعاد عن العقيدة التي تمثل مرتكزا في العمل الإسلامي لعلهم يدغدغون مشاعر فئة المتدينين العقائديين، آخرون أيضا هاجموا شخصيات وائتلافات بانتقاد قوانين قدموها للبرلمان وأقرتها الكتل البرلمانية كقانون شركة النفط الوطنية، ورغم مضي أكثر من شهر على ذلك ما تزال بعض المواقع التابعة لجهات منافسة تنشغل بنشر مقالات أغلبها صادم، لهشاشة وسطحية طرحه، بعض آخر وآخر،،،، جميعهم استخدموا أدوات سياسية واقتصادية ودينية وثقافية لتسقيط خصومهم، ولكن لم يكن من بينها التسقيط الأخلاقي المثير للاشمئزاز الذي تعرضت له بعض المرشحات.. قد يجادل البعض بصحة ما تم تداوله من تلك المقاطع الخادشة للحياء، وأقول هذا بحث آخر، إذ يبقى الموضوع الذي يعيننا هو  استخدام ذلك لأغراض التسقيط السياسي، وهو سلوك غير أخلاقي ومرفوض لكل صاحب ضمير حي ونبل إنساني، فتوقيت نشره واضح الهدف والغاية ولا يمكن قبول الصدفة فيه.

وعلى أية حال تبدو هذه الانتخابات معبرة عن شدة الصراع السياسي وعن جحيم معترك الذئاب التي تتسابق لافتراس بعضها البعض من أجل نيل أكبر حصة لها في البرلمان القادم، بغض النظر عن الآليات والوسائل التي توصلها لتلك الغاية، حتى وإن كانت من أكثر الوسائل خسة ودناءة.    

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!