المساعدات في غ*ز*ة.. صراع على لقمة العيش
المساعدات في غ*ز*ة.. صراع على لقمة العيش
من قلب الجحيم
لا يكاد يمرّ يوم دون أن يتفاقم المشهد الإنساني في قطاع غ*ز*ة، حيث تحولت مراكز توزيع المساعدات إلى ساحات جديدة للصراع، ليس فقط بين الجوعى واليائسين، بل بين أطراف تتنازعها مصالح ضيقة وسياسات قاتلة. فبينما يستمرّ الاحتلال الإ*سر*ائي*لي في حصاره المشدّد، الذي حوّل القطاع إلى جحيم لا يُطاق، تبرز تقارير ميدانية تتحدث عن تورّط عناصر من حركة ح*ما*س في عرقلة توزيع المساعدات، بل ومصادرتها لصالح “المقاومة” وأتباعها. المشهد لا يخلو من مأساوية مفرطة: شعب يُذبح جوعًا، وسلطة حاكمة تُحوّل قوافل الغذاء إلى ورقة ضغط، وعدوان إس*رائي*لي يُحكم الخناق على كل منفذٍ للحياة.
التقارير المتواترة، واللقطات الميدانية المؤلمة، تُظهر بوضوح وجود محاولات متعمدة لعرقلة وتوجيه مسار المساعدات. الحديث هنا لا يقتصر على الفوضى العفوية الناتجة عن اليأس، بل يطال ممارسات منظمة، تُشير بأصابع الاتهام إلى جهات تسعى لفرض سيطرتها على شريان الحياة الوحيد المتبقي للسكان. وفي هذا السياق، تبرز الاتهامات الموجهة لحركة ح*ما*س، التي تتحدث عن تدخلات تُعيق وصول المساعدات إلى مستحقيها، سواء من خلال الاستيلاء عليها أو تعطيل عمليات التوزيع. وإن صحت هذه المحددات، فإن الأمر لا يُعد مجرد خرقٍ للقوانين الدولية، بل يمثل كارثة إنسانية تضاف إلى كوارث القطاع المتوالية. فماذا سيحدث إذا استمرت هذه التهديدات أو اشتدت وتيرتها؟ لا يحتاج السؤال إلى الكثير من التكهنات؛ فالنتيجة المحتملة هي انهيار شبه كامل لشبكة المساعدات الإنسانية.
تدهور الوضع الأمني حول مراكز التوزيع لا يمثل قضية لوجستية فقط، بل يعد مؤشرًا خطيرًا على تصاعد حالة اليأس والاحتقان داخل القطاع. فعندما تُعيق المساعدات عن الوصول إلى مستحقيها، تتفاقم الأزمة الإنسانية، ويتحول الجوع من مجرد تحدٍ إلى سلاح يُوجّه نحو المدنيين. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: من سيتضرر من هذا الوضع؟ الإجابة واضحة ومؤلمة: سكان غ*ز*ة، من أطفال ونساء وشيوخ، باتوا يعيشون على هامش الحياة، ينتظرون بصيص أمل قادم من شاحنات المساعدات.
◄ مأساة غ*ز*ة لم تعد تحتمل المزيد من التسييس. المساعدات الإنسانية ليست منّة من أحد، بل هي حق أساسي تكفله الأعراف والقوانين الدولية. وأي عرقلة لها، سواء من الاحتلال أو من الجهات المحلية، هي ج#ريم*ة ضد الإنسانية
إن استمرار هذه الممارسات يعني دفع القطاع نحو شفير الهاوية. فإذا اضطرت المنظمات الإنسانية إلى تعليق عملياتها أو حتى تقليصها بشكل كبير بسبب المخاوف الأمنية، فإن الكارثة الإنسانية ستكتمل فصولها. من سيضمن وصول الغذاء والدواء والماء إلى مئات الآلاف من السكان في حال انهارت هذه الشبكة الهشة؟ هل ستتمكن الأطراف المحلية من سد هذا الفراغ الهائل؟ وهل ستكون قادرة على إدارة عملية توزيع عادلة وشفافة وسط أجواء الفوضى والتوتر؟ الشواهد الحالية لا تبشّر بالخير، بل تُنذر بمزيد من التعقيدات والمآسي.
ولا يمكن تحميل حركة ح*ما*س وحدها مسؤولية هذه الأزمة، فالاحتلال الإ*سر*ائي*لي يتحمّل الجزء الأكبر من الكارثة. منذ بداية الحرب، فرضت إس*رائي*ل حصارًا كاملًا على القطاع، منعت بموجبه دخول الغذاء والدواء والوقود، وحتى المياه. ثم سمحت لاحقًا بكميات محدودة من المساعدات، لكنها بقيت غير كافية، وتعمدت إبطاء دخولها عبر تعقيد الإجراءات عند معبر كرم أبوسالم.
الأرقام مُخيفة: أكثر من نصف مليون شخص في غ*ز*ة على حافة المجاعة، وفقًا لمنظمة “اليونيسيف”، في وقتٍ تحرق فيه إس*رائي*ل المحاصيل وتمنع الصيادين من الوصول إلى البحر. بل إن تقارير أفادت بأن الجيش الإ*سر*ائي*لي استهدف بشكلٍ متعمد قوافل المساعدات، كما حدث قبل أسابيع، عندما قُتل عشرات الفلسطينيين أثناء انتظارهم الحصول على الغذاء.
السيناريو الأسوأ ليس بعيدًا. فإذا استمرّت إس*رائي*ل في تقييد دخول المساعدات، واستمرت ح*ما*س في عرقلة توزيعها، فإن النتيجة ستكون مجاعة حقيقية، قد تق*ت*ل آلافًا دون إطلاق رصاصة واحدة. الأمم المتحدة حذّرت من أن القطاع بات على بعد خطوات من الانهيار الكامل، حيث لم يعد هناك نظام صحي أو أمني قادر على احتواء الأزمة.
السؤال الأهم هو: من سيتحمّل المسؤولية حينها؟ إس*رائي*ل ستُلقي باللائمة على ح*ما*س، وح*ما*س ستُحمّل الاحتلال المسؤولية، فيما يدفع الشعب الفلسطيني الثمن الباهظ. أما المجتمع الدولي، الذي وقف عاجزًا أمام الإبادة المستمرة، فلن يكون قادرًا إلا على إصدار بيانات الاستنكار، بينما تتحول غ*ز*ة إلى مقبرة مفتوحة.
إن مأساة غ*ز*ة لم تعد تحتمل المزيد من التسييس. المساعدات الإنسانية ليست منّة من أحد، بل هي حق أساسي تكفله الأعراف والقوانين الدولية. وأي عرقلة لها، سواء من الاحتلال أو من الجهات المحلية، هي ج#ريم*ة ضد الإنسانية. لقد آن الأوان لوقف هذه الآلة القاتلة، ولإجبار إس*رائي*ل على فتح المعابر بشكل كامل، وفرض رقابة دولية على توزيع الغذاء، لضمان وصوله إلى المدنيين دون عوائق أو تدخلات.
غ*ز*ة تموت، والوقت لم يعد يُستنزف في صراعات جانبية. فإما إنقاذ شامل، أو كارثة ستُسجل كوصمة عار في ضمير الإنسانية وتاريخ العالم.
عبدالباري فياض
كاتب صحفي فلسطيني
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.