مقالات

الحياة السوبر خلاّقة – حسن عجمي

الحياة سوبر خلاّقة لأنها مصدر الكون والطبيعة. هذا ما تؤكِّد عليه فرضية الحياة السوبر خلاّقة. و هي فرضية علمية تهدف إلى الإجابة على سؤال “لماذا يوجد عالَمنا بالذات؟”. بالنسبة إلى فرضية الحياة السوبر خلاّقة، الحياة لم تنشأ من المادة غير الحيّة بل المادة غير الحيّة نشأت من الحياة. هكذا تقلب فرضية الحياة السوبر خلاّقة النموذج العلمي السائد القائل بأنَّ الحياة نشأت من مواد غير حيّة و تؤكِّد على أنَّ الكائنات الحيّة مصادر تكوين الكون والطبيعة.

لماذا يوجد عالَمنا؟

سؤال أساسي في العلوم والفلسفة هو “لماذا يوجد عالَمنا بالذات بدلاً من عالَم آخر؟”. ثمة نماذج علمية مختلفة تحاول الإجابة على هذا السؤال منها فرضية الفيزيائي لي سمولن القائلة بأنه توجد أكوان أمهات يلدن أكواناً أبناء والوجود المتكوِّن من أكوان أمهات وأبناء محكوم بالانتقاء الطبيعي الكوني الذي ينتقي الأكوان التي تكثر فيها الثقوب السوداء لأنَّ الأكوان الأبناء تولد في الثقوب السوداء. و عالَمنا الذي نحيا فيه حائز على ثقوب سوداء عديدة ولذلك الانتقاء الطبيعي الكوني اختار نشوء عالَمنا بالذات. هكذا عالَمنا موجود بسبب امتلاكه لثقوب سوداء كثيرة وعديدة (قادرة على إنجاب أكوان أخرى) و بفضل الانتقاء الطبيعي الكوني الذي لا ينتقي سوى الأكوان الحائزة على العديد من الثقوب السوداء لكونها مصادر أكوان أخرى [1] . أما الفيزيائي ليونارد سسكيند فيصرّ على أنَّ المبدأ الأنثروبي ناجح في تفسير لماذا يوجد عالَمنا و ذلك على النحو التالي: يوجد عالَمنا بالذات الحائز على الحياة لأنه إن لم يوجد فلن نكون هنا لنسأل عن وجوده [2] . لكن الفيزيائي مارتن ريز يقدِّم تفسيراً آخر اعتماداً على وجود أكوان موازية مختلفة و ذلك على النحو التالي: ثمة أكوان موازية مختلفة في حقائقها وقوانينها الطبيعية و لامتناهية العدد. ولكونها لامتناهية العدد، من الطبيعي أن يوجد ضمنها كون كعالَمنا بالذات [3] .

أما فرضية الحياة السوبر خلاّقة فتطرح تفسيراً علمياً آخر مختلفاً عن تفاسير النماذج العلمية السابقة. السؤال هو “لماذا يوجد عالَمنا بالذات الحائز على كلّ ما يسمح بوجود الحياة و وجودنا؟”. تجيب فرضية الحياة السوبر خلاّقة على هذا النحو: يوجد عالَمنا بالذات الحاوي على الحياة لأنَّ الحياة أنتجت عالَمنا بما يناسب وجودها واستدامة وجودها وتطوّرها المستمر. بمعنى آخر، يبدو أنَّ عالَمنا مُحكَم التدبير مما يسمح بوجود الحياة و وجودنا لأنَّ الكائنات الحيّة تُكوِّن عالَمنا بما يناسب بقاءها واستمرارية وجودها. هكذا الكائنات الحيّة سوبر خلاّقة في إنتاجها للكون والوجود.

الطبيعة نتيجة الحياة والأحياء

تؤكِّد فرضية الحياة السوبر خلاّقة على أنَّ الطبيعة نتيجة الحياة والأحياء بدلاً من أن تكون الكائنات الحيّة نتائج الطبيعة. و بما أنَّ الحياة مصدر الطبيعة، إذن الحياة فعّالة بدلاً من أن تكون منفعلة. وبذلك الحياة سوبر خلاّقة. و مثل ذلك التالي: الأشجار تُنتِج الأوكسجين فتغيِّر مناخ الأرض فتضاريسها. هكذا الكائنات الحيّة كالأشجار مُنتِجة للطبيعة مما يشير إلى أنَّ الحياة مصدر الطبيعة والكون بدلاً من أن تكون نتيجة الطبيعة غير الحيّة أو الكون غير الحيّ.

الحياة صيرورة خلق المعلومات. الحياة إنتاج للمعلومات كإنتاج الأشجار لمعلومة أنها مصادر الأوكسجين الضروري للكائنات الحيّة الأخرى. لكن بما أنَّ الحياة مُنتِجة للمعلومات بينما الكون معلومات (كما يؤكِّد الفيزيائي جون ويلر [4] )، إذن الحياة مُنتِجة للكون. من هنا، في البدء كانت الحياة التي أنتجت عالَمنا مما يدلّ على صدق فرضية الحياة السوبر خلاّقة.

إزالة إشكالية فكرية

في النماذج العلمية والفلسفية السائدة، نشأت الحياة من المادة غير الحيّة. و هذا يؤدي إلى إشكالية فكرية يستحيل حلّها ألا و هي كيف من الممكن للحيّ أن ينشأ مما هو غير حيّ ففاقد الشيء لا يعطيه. ولكن فرضية الحياة السوبر خلاّقة تزيل تلك الإشكالية الفكرية الكامنة في استحالة نشوء الحيّ من اللاحيّ من خلال التأكيد على أنَّ الحياة لم تنشأ من المادة غير الحيّة بل المادة غير الحيّة نشأت من الحياة. و إزالة الإشكالية الفكرية السابقة فضيلة دالة على نجاح فرضية الحياة السوبر خلاّقة و صدقها. فالحياة مصدر الكون و ليس الكون مصدر الحياة. هكذا تقلب فرضية الحياة السوبر خلاّقة النموذج الفكري السائد القائل بأنَّ الحياة نشأت من المادة غير الحيّة و ذلك بتأكيدها على أنَّ المادة غير الحيّة نشأت من الحياة فالكائنات الحيّة تُنتِج الكون بدلاً من أن تكون نتائج الكون المادي غير الحيّ تماماً كالأشجار الحيّة التي تُنتِج الأوكسجين. و حين تقلب فرضية الحياة السوبر خلاّقة النموذج الفكري السائد، تزيل إشكالية نشوء الحيّ من اللاحيّ لأنها تقول بأنَّ الحيّ لم ينشأ من اللاحيّ بل اللاحيّ ينشأ من الحيّ.

فرضية علمية

فرضية الحياة السوبر خلاّقة فرضية علمية لأنها قابلة للاختبار. بالنسبة إلى فرضية الحياة السوبر خلاّقة، الكائنات الحيّة هي التي أنتجت عالَمنا. وبذلك من المستحيل أن يخلو زمكان من وجود الحياة أو آثار من وجود كينونات حيّة. هكذا تتنبأ فرضية الحياة السوبر خلاّقة بوجود كينونات حيّة في كلّ أرجاء الكون مما يتضمن أيضاً التنبؤ العلمي بوجود كينونات حيّة في الفضاء بين الكواكب والنجوم فلا يوجد زمكان بلا كائنات حيّة أو آثار كينونات حيّة. بكلامٍ آخر، بما أنَّ، بالنسبة إلى فرضية الحياة السوبر خلاّقة، الكائنات الحيّة أنتجت عالَمنا، إذن لا بدّ من وجود كائنات حيّة أو آثار كائنات حيّة في كلّ زمان ومكان في عالَمنا. وبذلك تتنبأ فرضية الحياة السوبر خلاّقة بوجود كينونات حيّة أو آثار كينونات حيّة في كلّ زمكان في الكون. إذا صدق هذا التنبؤ، صدقت فرضية الحياة السوبر خلاّقة. و إذا كذب هذا التنبؤ، كذبت فرضية الحياة السوبر خلاّقة. وبذلك فرضية الحياة السوبر خلاّقة قابلة للاختبار مما يجعلها فرضية علمية.

المراجع

1-Lee Smolin (Author): The Life of the Cosmos. 1999. Oxford University Press.

2-John Brockman (Editor): The Universe. 2014. HarperCollins Publishers.

3-Martin Rees (Author): Our Cosmic Habitat. 2003. Princeton University Press.

4-James Gleick (Author): The Information. 2011. Pantheon Books.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!