اخبار الكنيسة الكلدانية

البعد الإسكاتولوجي للصلاة

البعد الإسكاتولوجي للصلاة

المطران المتقاعد رمزي كرمو

اسطنبول 8 نيسان 2024 

     الصلاة التي ينقصها البعد الإسكاتولوجي إنها صلاة ناقصة. أقصد بالبعد الأسكاتولوجي للصلاة، ذلك البعد الذي من خلاله نعبّر عن إيماننا الثابت وغير المتزعزع بمجيء يسوع الثاني في نهاية العالم. حينما نتلوا قانون الإيمان أثناء الإحتفال بالقداس الإلهي نختمه بهذه الكلمات: “ونؤمن بقيامة الموتى وحياة جديدة في العالم العتيد، آمين”. 

إن إيماننا بمجئ يسوع المسيح في اليوم الأخير ليدين الأحياء والأموات، له أساس قوي ومتين، وهذا الأساس يرتكز على كلامه، له كل المجد والإكرام والسجود. هذه بعض الآيات التي تكلَّمَ بها يسوع بوضوح تام عن مجيئهِ الثاني للدينونة العظمى: “وإِذا جاءَ ابنُ الإِنسانِ في مَجْدِه، تُواكِبُه جَميعُ الملائِكة، يَجلِسُ على عَرشِ مَجدِه، 32وتُحشَرُ لَدَيهِ جَميعُ الأُمَم، فيَفصِلُ بَعضَهم عن بَعْضٍ، كما يَفصِلُ الرَّاعي الخِرافَ عنِ الجِداء” (متى 25/ 31-33). وفي خميس الفصح، أثناء العشاء الأخير، حينما أعطانا جسده ودمه المقدسين ليكون معنا حتى نهاية العالم، قال لتلاميذه: “أَقولُ لكم: لَن أَشرَبَ بعدَ الآن مِن عَصيرِ الكَرْمَةِ هذا حتَّى ذلك اليَومِ الَّذي فيهِ أَشرَبُه مَعَكُم جَديداً في مَلكوتِ أَبي” (متى 26/ 29-30). في هاتين الآيتين، يشير يسوع الى البعد الإسكاتولوجي لسر الأفخارستيا، وكذلك، عبارة “مارانا تا” والتي نستعملها في صلواتنا الليتورجية، هي تعبير حي عن إيمان المسيحيين الأوائل وانتظارهم لمجيئ يسوع المخلص في اليوم الأخير (1 قورنتس 16/ 22 و رؤيا 22/ 20). وأيضاً، صلاة “أبانا الذي” تذكّرنا، كلما نتلوها، بالبعد الأخيري لحياتنا الزمنية، حين تلاوتها نقول: “أبانا الذي في السماوات، ليتقدَّس إسمُك، ليأت مَلكوتُك…”.

كل هذه الآيات وغيرها، تدعونا الى أن نُقوّي إيماننا ورجاءنا بمجيء يسوع في اليوم الأخير، لنشترك معه في الوليمة السماوية التي أعدها لمختاريه. إن الكتاب المقدس، يشبه إنتظارنا لمجيء الرب يسوع في نهاية الزمان، بانتظار العروس للعريس، أي إنتظار كله رجاء وسرور، لأنه بلقاء العروس والعريس تتحقق الآمال وتكتمل الأفراح. لنقرأ ونتأمل: “وسَمِعتُ مِثلَ صَوتِ جَمعٍ كَثير ومِثلَ خرَيرِ مِياهٍ غَزيرة ومِثلَ دَوِيِّ رُعودٍ شَديدةٍ يَقول: هَلِّلويا! لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَنا القَديرَ قد مَلَك. لِنَفرَحْ ونَبتَهِجْ! ولْنُمَجِّدِ الله، فقَد حانَ عُرسُ الحَمَل، وعَروسُه قد تَزَيَّنَت وخُوِّلَت أَن تَلبَسَ كَتَّانًا بَرَّاقًا خالِصًا” (رؤيا 19/ 6-10 وراجع أيضا متى 25/ 1 – 13). 

يسرني أن أقتبس نصاً من “المجمع الفاتيكاني الثاني” في الفصل السابع منه، حيث يتكلم عن البعد الإسكاتولوجي لحياتنا الزمنية: “فنحن إذن باتحادنا بالمسيح في الكنيسة، وباتّسامنا بوَسم الروح القدس الذي هو عربون ميراثنا (أفسس 1/ 4). “لِنُدعَى أَبناءَ الله وإِنَّنا نَحْنُ كذلِك” (1 يوحنا 3 / 1). وإنما لم يحن الأوان بعد، الذي “ستَظَهَرونَ أَنتُم أَيضاً عِندَئِذٍ معَه في المَجْد” (كولوسي 3 / 4). “أَنَّنا نُصبِحُ عِندَ ظُهورِه أَشباهَه لأَنَّنا سَنَراه كما هو” (1 يوحنا 3/ 2). “لِذلِكَ فلَمَّا كُنَّا واثِقينَ في كُلِّ حين، على عِلمِنا بِأَنَّنا، ما دُمنا في هذا الجَسَد، نَحنُ في هِجرَةٍ عنِ الرَّبّ” (2 كورنتس 5/ 6)، “بل نَحنُ الَّذينَ لَنا باكورةُ الرُّوحِ نَئِنُّ في البَاطِن مُنتظِرينَ التَّبَنِّي، أَيِ افتِداءَ أَجسادِنا” (رومة 8/ 23). ويشوقنا “أن نكونَ مع المسيح” (فيلبي 1/ 23). “وإن المحبة عينها تَستحثّنا على أن نحيا له هو الذي مات لأجلنا وقام حياً” (2 كورنثوس 5/ 15).

فلنحرص إذاً “على إرضاء الرب في كل شيء” (2كورنثوس 5/ 9)، ونتدرع بسلاح الله لكي نقوى على مقاومة إبليس ونثبت في اليوم العصيب (أفسس 6/ 11 – 13). وإذ نجهل اليوم والساعة ينبغي، عملاً بوصية الرب أن نظل دوماً متيقظين لكي يتاح لنا، إذا ما انسلخ مجرى حياتنا الأرضية على غير رجعة (عبرانيين 9/ 27) أن نقبل معه في العرس، فنكون في عِداد مباركي الله (متى 25/ 31 – 46) لذلك لما كانت آلام هذا الدهر لا تقاس بالمجد الذي سيتَجلَّى فينا (رومة 8/ 18) فإننا ننتظر أقوياء في الإيمان، الرجاء السعيد وتَجَلِّي مجد إلهنا ومخلصنا العظيم يسوع المسيح (تيطس 2/ 13)، الذي سيحول جسدنا المتلبّس بالهوان جسداً شبيهاً بجسده الملتحف بالمجد (فيلبي 3/ 21) ويأتي ليتمجد في قديسيه، ويظهر عجيباً في جميع الذين آمنوا (2 تسالونيكي 1/ 10).

نعم، إن تعليم المجمع الفاتيكاني الثاني، يدعونا إلى اليقظة والاستعداد التام لاستقبال المسيح المنتصر والمُمجَّد حين ظهوره الأخير. لكن علينا أن نتذكر أيضاً، بأن إيماننا ورجاءنا بالمجيء الثاني لربنا وإلهنا يسوع المسيح، له كل المجد والإكرام والسجود، لا يتقوى ويتجذر في حياتنا إلا من خلال مواظبتنا على الصلاة النابعة من القلب والتي تستمد فاعليتها وتأثيرها من الروح القدس. خاصة، وإننا نعيش في عالم، يسعى بكل مغرياته وملذاته ومظاهره الخداعة و المسمومة وأنبيائه الكذبة أن يحيدنا عن هدفنا الأسمى الذي هو الله وحده.

إن مأساة البشرية اليوم، تكمن في نسيان الخالق وعبادة المخلوق. لقد تجاهلنا ونسينا، بأن كل المخلوقات بما فيها الإنسان، هي وسيلة وليست هدف، إنها وسيلة لكي نكتشف بواسطتها وجود الله الحي الخالق ونؤمن به ونحبه ونشاركه حياته الإلهية. في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس، يدعونا بولص الرسول، شهيد الحب الإلهي، إلى السهر وعدم التورط في هموم هذا العالم ونسيان ما هو جوهري وأساسي لحياتنا ومصيرنا الأبدي. لنقرأ ونتأمل: “أَقولُ لَكُم، أَيُّها الإِخوَة، إِنَّ الزَّمانَ يَتَقاصَر: فمُنذُ الآن لِيَكُنِ الَّذينَ لَهمُ اَمرَأَةٌ كأَنَّهم لا امرَأَةَ لَهم، والَّذينَ يَبْكون كأَنَّهم لا يَبْكون، والَّذينَ يَفرَحون كأَنَّهم لا يَفرَحون، والَّذينَ يَشتَرون كأَنَّهم لا يَملِكون، والَّذينَ يَستَفيدونَ مِن هذا العالَم كأَنَّهم لا يستفيدونَ حَقّاً، لأَنَّ صُورةَ هذا العالَمِ في زَوال” (7/ 29 – 31).

أما التلميذ الحبيب، يوحنا الرسول، فيحذرنا هو الآخر من مغبة التعلق بالعالم وما فيه من أباطيل: “لا تُحِبُّوا العالَم وما في العالَم. مَن أَحَبَّ العالَم لم تَكُنْ مَحَبَّةُ اللهِ فيه. لأَنَّ كُلَّ ما في العالَم مِن شَهوَةِ الجَسَد وشَهوَةِ العَين وكِبرياءِ الغِنى لَيسَ مِنَ الآبِ، بل مِنَ العالَم. العالَمُ يَزولُ هو وشَهَواتُه. أَمَّا مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ الله فإِنَّه يَبْقى مَدى الأبد” (1يوحنا 2/ 15 – 17).

كل هذه النصوص الكتابية ونصوص اخرى كثيرة، تذكّرنا وتؤكد لنا، بأن أهم حدث ينتظره عالمنا، بمعرفته أو بغير معرفته، والذي سوف يغيّر مجرى حياتنا بصورة جذرية ونهائية، هو مجيء ربنا والهنا يسوع المسيح في نهاية الأزمنة، لكي يملك مع مختاريه مُلكاً أبدياً، ملؤه المحبة والسلام والفرح. لنصل لكيما يتعزز ويتقوى فينا الرجاء الإسكاتولوجي، ونقول بقلب واحد: “مارانا تا، تعال أيها الرب، آمين! تعال أيها الرب يسوع”.

أرجو من الذين يقرأون هذه الأسطر، أن يصلّوا من أجلي كي أعيش ما تبقى لي من الحياة الزمنية بالإيمان والرجاء والمحبة وشهادة الحياة. مع الشكر، ولنبق متحدين بالصلاة، رباط المحبة الذي لا ينقطع. 

البعد الإسكاتولوجي للصلاة

ملاحظة: هذا الخبر البعد الإسكاتولوجي للصلاة نشر أولاً على موقع (البطريركية الكلدانية) ولا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. يمكنك الإطلاع على تفاصيل الخبر كما ورد من (مصدر الخبر)

معلومات عن الخبر : البعد الإسكاتولوجي للصلاة

عرضنا لكم أعلاه تفاصيل ومعلومات عن خبر البعد الإسكاتولوجي للصلاة . نأمل أن نكون قد تمكنا من إمدادك بكل التفاصيل والمعلومات عن هذا الخبر الذي نشر في موقعنا في قسم أخبار مسيحية. ومن الجدير بالذكر بأن فريق التحرير قام بنقل الخبر وربما قام بالتعديل عليه أو الاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة تطورات هذا الخبر من المصدر.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!