غير مصنف

البابا القديس غريغوريوس الكبير ووالدته القديسة سيلفيا

البابا القديس غريغوريوس الكبير ووالدته القديسة سيلفيا

إعداد / وردا إسحاق قلّو

    القديسة سيلفيا هي سليلة أسرة من عليه عليّة القوم . فقدت زوجها على أثر ولاتدتها أبنها غريغوريوس . ومنذ ذلك تحرقت شوقاً إلى الحياة الرهبانية ، ولكن كان عليها قبل تحقيق هذه الأمنية أن تنصرف إلى الإهتمام بتربية أبنها ، فعلمته منذ نعومة حياته أصول الفضيلة والتقوى .

   عندما كبر غريغوريوس رفض الزواج ليبقى حراً أعزب لينطلق في رحاب الروح ولغاية تخليص النفس . ونحة سنة 571م رضي أن يكون والي روما ، لكن بعد أربع سنين عزم على الترهب مبتعداً عن العالم ، مما أثلج قلب أمهِ القديسة فشجعتهُ في تحقيق لأمنيتهِ ، هي التي طالما رفعت الصلوات إلى العلاء لبلوغ هذه الغاية المشتهاه . لم يغادر غريغوريوس روما للإرتياح إلى الترهب ، بل إنسحب إلى الدار التي ورثها عن أبيه ، على تلة تشيليوس الرومانية وحول المسكن الأبوي ديراً لرهبان البندكتيين ، هنالك ، في ذلك المكان عينه أرتفع حتى يومنا هذا الدير الرئيسي لرهبان القديس رومو .

   يؤكد المؤرخون أن القديس غريغوريوس أسس آنذاك ستة ديورةٍ أخرى داخل أراضي تخصهُ في صقلية ، لكن ديره المفضل هو الذي إرتفع على تلة تشيليوس في روما ودعاه ( دَيري المح*بو-ب ) وضعه تحت رعاية القديس ( إندراوس الرسول ) وقال أحد المؤرخين : جعل الراهب غريغوريوس في ساحة هذا الدير الداخلية أيقونتين تمثل إحداهما القديس بطرس ، وقد أنتصب أمامه غورديانوس والد الراهب ، وتمثل الأخرى سيليفيا أمه القديسة ، وقد كتب تحتها ( وضع غريغوريوس هذه الصورة هنا ، إحياء لذكرى أمهِ سيليفيا ) .

   إعترف غريغوريوس أنه سلخ في أجواء هذا الدير سنين مغمورة بالفرح المقدس . إستطعت في ظلال هذا الدير أن أجنب لساني عن كل كلمة باطلة ، وأحفظ ذهني على الدوام متأهباً للصلاة ، وليبقى نسياً منسياً في الظل والإختلاء ، ولا تستخدمه الكنيسة في احد مراكزها المهمة ، فلم يكن هذا التدريب على الحياة الرهبانية ، حسب تخطيط العناية الإلهية ، سوى تمهيد لمنصب عالٍ .

    عاش راهباً بسيطاً لمدة خمس سنين دون أن يصبح رئيساً للدير ، وظلت أمه تهيئ له ولرفاقه الرهبان الطعام كل يوم . ذات يوم أتى الدير أحد الفقراء ماداً يدهِ إلى غريغوريوس فأخذ الراهب قصعة الطعام التي هيأتها أمه وبدون تردد لحظة في تقديمها إلى هذا المسكين قائلاً له ( تستفيد أنت من هذا الطعام أكثر منا ) .

   وعندما وافى الأجل أمه سيليفيا ، أوعز إلى رسام أن يرسم شخصيتها جالسة إلى جانبهِ ، لابسةً فستاناً أبيض فضفاضاً وهي محاطة بإكليل معلمي الكنيسة ، رافعةيمناها لإلقاء البركة ، وحاملة باليسرى كتاب المزامير .وقد خط على الصفحة المفتوحة هذه الآية ( تحيا نفسي وتسبح الرب ) ” مز 175:119 ” بتي فيما بعد معبد للقديسة سيلفيا في روما بالقرب من كنيسة القديس غريغوريوس إبنها وقد حوى المعبد رفاتها التي تعيد لها في الثالث من تشرين الثاني .

  ألقى البابا بيلاجيوس الثاني ( 579- 590 م ) بأنظارهِ على الراهب غريغوريوس وقرر ان يستقدمه لخدكته شماساً إنجيلياً وعلل إختياره هذا إعتماداً على ثقافة هذا الراهب وقداسة حياتهِ . فأرسلهُ سفيراً بابوياً إلى القسطنطينية ، فإصطحب معه بعض الرهبان وفي مقدمتهم رئيس دير روما الكاهن مكسيميانوس . ومع هذا وجد له الوقت لدراسة الكتاب المقدس ، وتأليف كتابه ( شرح سفر أيوب ) .

   في سنة ( 584م ) إستدعى البابا بيلاجيوس الثاني سفيره إلى أوربا الذي بات يعتبرهُ جميع المؤمنين رجلاً عظيماً ذا ثقافة محيطة وفضيلة سامية ، فوضعه البابا بجوارهِ ، كاتم أسرارهِ ومستشارهِ الخاص . أصيب البابا سنة ( 590 ) بالطاعون الذي أطاح تلك السنة بالكثيرين ومنهم قداستهِ .  بقي كرسي الرسولي شاغراً أكثر من ستة أشهر ، فطالب الشعب أجمعه بإنتخاب الشماس الإنجيلي الراهب غريغوريوس بابا على الشعب المسيحي . فعندما سُألَ رفض وحاول الهرب ولكن عبثاً . فأقتيد بالقوة إلى كاتدرائية القديس بطرس حيث رسمَ كاهناً فأسقفاً ، ووضع إلى السدة البابوية .

  عرف قداسة البابا غريغوريوس الملقب ب ( الكبير ) طوال أربع عشر سنة منحبريته ، أن يقيم التجرد الرهباني التام إلى مظاهر التكريم المتناهي ، فكان أباًص للفقراء وحامي المتواضعين ، فراح كل يوم يدعو أثني عشر فقيراً إلى مشاركته تناول الطعام . وفي أحد الأيام تقدم ثلاثة عشر بدل الأثني عشر ، فسأل قداسته الخادم ( هم اليوم ثلاثة عشر ؟! ) أما الخادم فأكد أنه لا يرى غير الأثني عشر ، ولاحظ قداسته أن المدعو الثالث عشر أخذ في تبديل لون بشرتهِ : فتارة هو أحمر قرمزي اللون ، وأخرى ناصع البياض كالثلج . وعندما أنتهى من تناول الوجبة ، أمسك قداسته بيد هذا الغريب المسكين ، وإتجه به ناحيةً ، وقال له على حدة :

( من أنت ؟ ) قال ( ملاك أرسله الرب إليك ، ليكون شاهداً للعناية التي تخص بها الفقراء ، أنا هو الذي يرفع إلى الله إستحقاقات صلواتك وصدقاتك ) فاه الملاك بهذه الكلمات وغاب عن قداسته .

   من نشاطات البابا المذهلة ، قيل عنه ( لم يبلغ أحد من البابوات مبالغهُ في نشر الإشعاع الرسولي بكل إتساعه وقوته … ) لقد وَسّعَ نطاق الليتورجيا ورفع من شأن الترنيم الكنسي المدعو ( الغريغوري ) وأصلح النظام الأكليريكي . وحارب الهرطقات ، وعارض تفرد الشرقيين بالسلطة الكنسية ، وأرسل إلى أنكلترا رهباناً مرسلين لتوطيد دعائم الإيمان . وكان أول بابا يلجأ في كتاباته إلى الإمضاء الذي إتبعهُ خلفائهُ من بعدهِ : ( خادم خدام الله ) .

   توفي البابا القديس نتيجة إصابتهِ بمرض ( النقرس ) في الثاني عشر من آذار سنة 604م وهو يذرف على الستين من عمرهِ . فدفن جسدهِ الطاهر في الكاتدرائية الفاتيكانية .

تعيّد الكنيسة لهذا القديس الكبير في الثاني عشر من آذار . كما وضعته الكنيسة في قصفّ معلمي الكنيسة الغربية الأربعة الكبار ( أمبروسيوس ، وأوغسطينوس ، وأيرنيموس ، وغريغوريوس ) .

رحمنا الله بصلواته وبركاته . ولربنا المجد دائماً . آمين .

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!