مقدمة: في خضم التحديات التي يواجهها العالم، والعراق جزء منه، غالبًا ما تتجه الأنظار نحو النواقص والفجوات. لكن ماذا لو نظرنا إلى الصورة من زاوية مختلفة؟ ماذا لو رصدنا النجاحات، وسلطنا الضوء على مكامن القوة، وبنينا المستقبل على ما تحقق بالفعل؟ من هنا تنطلق منهجية “الإحصاء الإيجابي”، وهي مقاربة تحليلية مبتكرة وُلدت من رحم الفكر العراقي، وتهدف إلى إعادة صياغة فهمنا للتنمية والتقدم.
لب الدراسة (المنهجية والدراسة الجديدة): مؤخراً، تم نشر دراسة تطبيقية رائدة بعنوان “الإحصاء الإيجابي والتنمية المستدامة في العراق: مؤشرات البنية التحتية نحو مستقبل ذكي”. هذه الدراسة ليست مجرد أرقام، بل هي رحلة تحليلية تعتمد على بيانات دقيقة وموثوقة من التعداد العام للسكان والمساكن في العراق لعامي 2024-2025. هدفها الكشف عن إنجازات العراق في قطاع البنية التحتية الحيوية – كحيازة المساكن، توفر المياه، الصرف الصحي، وإدارة النفايات – وربط هذه الإنجازات مباشرة بأهداف التنمية المستدامة العالمية.
ما الذي يميز الإحصاء الإيجابي؟ تخيل أنك تقيم أداءً ما. الأساليب التقليدية قد تخبرك بما ينقصك. أما الإحصاء الإيجابي، فيقدم لك صورة واضحة عما “تم إنجازه”، “ما هو متوفر بالفعل”، و”كيف يمكنك البناء على نقاط قوتك”. في هذه الدراسة، على سبيل المثال، تم حساب مؤشرات نوعية مثل مؤشر التمكين الإيجابي (PEI) ومؤشر التغطية (CI)، بالإضافة إلى المتوسط المركب للأداء الإيجابي (CPAI) الذي يعطي قراءة شاملة لأداء البنية التحتية. النتائج كشفت عن استقرار سكني لافت وتقدم كبير في توفير مصادر المياه، مع تأطير التحديات المتبقية (مثل الصرف الصحي وإدارة النفايات) كفرص حقيقية للابتكار والتطوير نحو مستقبل ذكي.
لماذا هذه الدراسة مهمة؟
- تغيير المنظور: تقدم هذه المنهجية رؤية جديدة لصناع القرار والباحثين، تحفز على التفاؤل والعمل من خلال التركيز على النجاحات.
- أساس للتخطيط الذكي: توفر بيانات وتحليلات دقيقة يمكن البناء عليها لوضع سياسات تنموية أكثر فعالية واستدامة.
- منظور وطني وعالمي: تربط الإنجازات المحلية في العراق بأهداف التنمية المستدامة العالمية، مما يعكس المساهمة العراقية في الجهود الدولية.
- وصول مفتوح: تم نشر الدراسة على منصة Zenodo لضمان وصولها المجاني والمفتوح للجميع حول العالم، إيماناً بأهمية نشر المعرفة دون حواجز.
أكثر من مجرد بحث: مشروع الإحصاء الإيجابي هو منظومة متكاملة تتجاوز البحث الأكاديمي التقليدي. إنه يتضمن تأصيلاً فلسفياً وعلمياً، أدلة تطبيقية، برامج تدريبية، وتأهيل مدربين، بهدف بناء مجتمع من الممارسين القادرين على توظيف هذه المنهجية في مختلف القطاعات، من التنمية إلى الحلول الذكية، وحتى تقييم الأداء المؤسسي.
دعوة للتأمل: في زمن تتسارع فيه التحديات، يبرز الإحصاء الإيجابي كضوء في نهاية النفق، يدعونا للنظر إلى ما يمكننا بناؤه على أسس صلبة من الإنجازات. هذه الدراسة هي دعوة ليس فقط للقراءة، بل لإعادة التفكير في كيفية قياس التقدم وكيفية صياغة مستقبل أفضل.
رابط الدراسة: https://doi.org/10.5281/zenodo.15676078
