مقالات

-الأسرة المقدسة- تحقيقات وتعليقات حاشية نقدية رقم 4 – نايف

يقول ادغار في حاشيته “النقدية” على كتاب برودون: “طالما أن برودون يستخدم مفهوم الأجر، وأنه ينظر إلى المجتمع كمؤسسة تمنح (تؤمِّن) العمل وتدفع مقابل ذلك، فإنه أقل قدرة على قبول الزمن مقياساً للدفع، لا سيما وأنه اقام للتوّ، متفقاً بذلك مع هوغو غروتيوس (1582-1645) بعرض فكرة ان الزمن لا شأن له عندما يكون الامر متعلقاً بتحديد قيمة شيء ما”
هذه هي النقطة الوحيدة الجديرة لدى “النقد النقدي”، وذلك بأنه أثبت لبرودون أنه، من وجهة نظر الاقتصاد السياسي ذاتها، يضل الطريق إذ يقوم بهجماته على الاقتصاد السياسي.
لقد دوّن لينين هنا في الدفاتر الفلسفية أن ماركس هو على طريق “القيمة-العمل” (القيمة-وقت العمل الضروري اجتماعياً).
يقول ماركس: وكان برودون قد عرض، متفقاً بالرأي مع الهولندي هوغو غروتيوس، أن التقادم لا يعتبر وثيقة لتحويل الحيازة إلى ملكية، أو تحويل مبدأ قانوني إلى آخر، كما أن الزمن لا يستطيع تحويل حقيقة أن مجموع زوايا المثلث يساوي مجموع زاويتين قائمتين.
ونلاحظ هنا أن برودون يماثل بين القانون الاجتماعي والقانون الفيزيائي الطبيعي، أي كأن القوانين الاجتماعية أبدية كالقوانين الطبيعية. ولهذا الفهم تبعات تقول: أن الملكية البورجوازية الحديثة هي أبدية كظواهر الطبيعة!
ويصرخ برودون “إنكم لن تجعلوا أبداً المدى الزمني، وهو بحد ذاته لا يخلق شيئاً ولا يغير شيئاً، قادر على تحويل المنتفع إلى مالك (تحويل الحيازة إلى ملكية خاصة)”. وينتهي السيد ادغار إلى النتيجة التالية: إن برودون بعد أن قال بان الزمن بحد ذاته، لا يمكنه أن يحوّل مبدأ حقوقي إلى آخر، وأنه بالنتيجة لا يمكنه أن يغير شيئاً أو يعدل شيئاً بنفسه، يرتكب مغالطة (تناقض كلامي) عندما يجعل زمن العمل مقياساً للقيمة الاقتصادية لنتاج العمل”
إن ادّعاء السيد ادغار بوجود “مغالطة” لدى برودون، ناجم بالأصل عن خلطه بين كلمة “قيمة” wert (valeur value)، وبين كلمة “مبدأ حقوقي” geltung، وقد انتهى بذلك حسب ماركس إلى الخلط بين المدى الزمني الفارغ، وزمن العمل المليء. وإذا كان برودون قد قال بأن الزمن (الفارغ) لا يستطيع أن يحول ذبابة صغيرة إلى فيل، فإن السيد ادغار يستطيع هو الآخر أن يستنتج من ذلك: إذن ليس لبرودون الحق بأن يجعل من زمن العمل مقياساً للأجر”
يضيف ماركس: أما أن يحسب زمن العمل الذي يكلفه انتاج الشيء ضمن نفقات إنتاج هذا الشيء، وأن تكون نفقات انتاج شيء ما، هي ما يكلفه هذا الشيء، أي الثمن الذي يمكن أن يباع به، إذا استبعدنا انعكاسات المزاحمة (تأثير العرض والطلب على الاسعار)، فإن هذه الفكرة يجب أن تكون سهلة المنال حتى للنقد النقدي.
تتضمن نفقات الإنتاج، لدى الاقتصاديين، عدا زمن العمل والمواد الأولية، الريع الذي يُدفع لمالك الأرض (الريع العقاري)، وكذلك ربح الرأسمالي. إن هذه العناصر الأخيرة مستبعدة عند برودون لأنه يستبعد الملكية الخاصة. ولا يبقى إلا زمن العمل والنفقات.
إن برودون بجعله زمن العمل، أي الشكل المباشر للنشاط البشري، بصفته هذه (كعمل بشري) مقياساً للأجر، ومقياساً يتيح تحديد قيمة المنتوج، يجعل من العنصر الإنساني العامل الحاسم.
في حين أنه في مدرسة الاقتصاد السياسي القديم، كانت القدرة الموضوعة لرأس المال والملكية العقارية، هي الحاسمة. بتعبير آخر، إن برودون يعيد للإنسان حقوقه، ولو كان ذلك ما يزال حقاً متناقضاً، على طريقة الاقتصاد السياسي.
ويضيف ماركس: ولكي ندرك إلى أي حد هو مصيب (برودون) في طريقته من وجهة نظر الاقتصاد السياسي، يكفي أن نلاحظ أن آدم سميث مؤسس الاقتصاد السياسي الحديث، يعرض منذ الصفحات الأولى من مؤلفه (دراسة عن طبيعة ثروة الأمم وأسبابها) أنه قبل ابتداع الملكية الخاصة، أي بافتراض عدم وجود الملكية الخاصة كان زمن العمل مقياساً للأجر، كما كان مقياساً لقيمة منتوج العمل، التي لم تكن بعد قد تميزت عن الاجر. (لأنها تتميز بعد ظهور الملكية الخاصة لوسائل الانتاج).
يقول ماركس: إن السؤال حول قيمة الشيء بالنسبة للإنتاج المادي المباشر، يجب أن يجاب عليه بشكل أساسي أن زمن العمل الذي يستغرقه إنتاجه هو الذي يحدد الامر.
إن الزمن هو الذي يقرر في الواقع فيما إذا كان لدى المجتمع أم لا الوقت لكي ينمو(ويزدهر) بشكل إنساني.
وحتى في حال الإنتاج الفكري، ألست مجبراً إذا تصرفت بحس سليم، أن أدخل في الحساب، عدا حجم وترتيب ومخطط المؤلف الفكري، الزمن اللازم لإنتاجه؟ وإلا فإني اعرّض نفسي، على الأقل، لعدم خروج موضوعي مطلقاً من مجال الفكرة والانتقال إلى عالم الواقع، وبالتالي عدم قدرته على اكتساب قيمة، سوى قيمة الشيء الوهمي، أعني قيمة وهمية.
يضيف ماركس: إن نقد الاقتصاد السياسي من وجهة نظر الاقتصاد السياسي، يتقبل كل التحديدات الأساسية للنشاط الإنساني، ولكن فقط في شكل مضاع (مغترب)، منزوع اليد، مثلاً يحول أهمية الزمن بالنسبة للعمل الإنساني، إلى أهمية الزمن بالنسبة للأجر (العمل المأجور). (وكأن زمن العمل المأجور مطابق تماماً لزمن انتاج قيمة المنتوج! من دون أن يستولي المالك لوسائل الإنتاج على قسم من هذا الاخير)

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!