مقالات دينية

ارميا والمسيح

ارميا والمسيح

يوسف جريس شحادة

منتدى أبناء المخلص_ كفرياسيف

مقدّمة

ارمياء ابن حلقيا {יִרְמְיָהוּ_ יִרְמְיָה בֶּן חִלְקִיָּהוּ} من الأنبياء، وتنبّأ من ” עֲנָתוֹת ” وهي مكان ورد في التوراة، شمالي اورشليم ومن الباحثين من ينسب المكان ل ” عناتا”.

بدأ النبي ” ارميا” بالنبؤات في السنة 13 لمملكة” يوأشيا” أي في سنة 461 قبل الميلاد، واستلم المُلك يوأشيا سنة 474 ق.م.

يقول القديس بولس:”: وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ، الْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِالإِيمَانِ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلًا، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ.” ومتى البشير:” فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «تَضِلُّونَ إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ وَلاَ قُوَّةَ اللهِ.”

التوراة هي الحاضنة للإنجيل، والمسيح حقّق كل التوراة، والتوراة التمهيد للرب المسيح المخلّص، وفسّر الرب التوراة بالإنجيل المقدّس.

يأتي الضلال من الجهل بالمكتوب في التوراة والتفسير الفريسي الصدوقي شوّه التوراة، فيقول الرب مثلا بجوابه للصدوقيين، الذين لا يؤمنون بقيامة الموتى لسؤالهم عن المرأة التي تزوّجت ومات زوجها وتزوجها الأخ ليقيم نسلا لأخيه، وهكذا للسابع، فجواب الرب انه في القيامة لا يتزوّجون، لان الانسان من البدء خلقه الله قليلا عن الملائكة:”: وَتَنْقُصَهُ قَلِيلًا عَنِ الْمَلاَئِكَةِ، وَبِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ تُكَلِّلُهُ.” مز 5 :8 وبعد ان ينال برّه وقداسته يصبح كالملاك، اش 3 _2 :6:” السَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ، بِاثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَبِاثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ، وَبَاثْنَيْنِ يَطِيرُ. وَهذَا نَادَى ذَاكَ وَقَالَ: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ».”. وايوب النبي تحدّث عن القيامة 27 _26: 19:” وَبَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هذَا، وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اللهَ. الَّذِي أَرَاهُ أَنَا لِنَفْسِي، وَعَيْنَايَ تَنْظُرَانِ وَلَيْسَ آخَرُ. إِلَى ذلِكَ تَتُوقُ كُلْيَتَايَ فِي جَوْفِي. ” وراجع دانيال عن قيامة الابرار والاشرار 2 :12 ومز 26 _ 23: 73 وهو 15 _14: 13 ومز 9 :49 و 7: 116 وقارن تك 24 :5 مع 2 مل 11 _1 : 2 .قارن 1 كو 9 :2 وبالمكتوب غلب يسوع ابليس وهزمه راجع متى 4 ، عن التجربة ومقارنة والتثنية 3 :8 و 16 ،13 :6 .

نوجز باختصار ونقول، ان حياة يسوع وتعاليمه كلها تثبت المكتوب امام الجماعة من الفريسيين والصدوقيين وجهلهم بالمكتوب أي سوء فهمهم وتحريف النص لغاية في نفوسهم، لأجل هذا قال يسوع:” «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ.” والترجمة:” لأكمل” غير دقيقة، لو راجعنا النص بالآرامية والعبرية:” אַל תַּחְשְׁבוּ שֶׁבָּאתִי לְבַטֵּל אֶת הַתּוֹרָה אוֹ אֶת הַנְּבִיאִים; לֹא בָּאתִי לְבַטֵּל כִּי אִם לְקַיֵּם، _ לא תסברון דאתית דאשרא נמוסא או נביא לא אתית דאשרא אלא דאמלא“.

لم يبطل يسوع بمجيئه ناموس الوصايا بل أكده للإرث السماوي، لان الناموس بالنسبة له هو قبول محبة الله، تث 20 :6 :” «إِذَا سَأَلَكَ ابْنُكَ غَدًا قَائِلًا: مَا هِيَ الشَّهَادَاتُ وَالْفَرَائِضُ وَالأَحْكَامُ الَّتِي أَوْصَاكُمْ بِهَا الرَّبُّ إِلهُنَا؟” ومحبتنا لله تظهر ثمارها في المحبة للآخرين، لأجل ذلك لم يأتِ المسيح ليبطل الناموس  او الأنبياء بل جاء ليتممه في حياته العملية اليومية تاركا لنا ان نتتبّع خطواته بالنعمة المعطاة لنا فيه وعمل روحه القدوس فينا.

ارميا والمسيح

كثيرا ما نقرأ في الصلوات النصوص التوراتية {في صلاة الغروب او زمن الصوم الاربعيني الخ} وهنا نقف عند قراءات من سفر ارميا _ مراثي ارميا.

انجيل متى {40 :12} يخبرنا عن يونان النبي مثلا، ومن مراثي ارميا {رثاء الميّت} عبارة عن المشاركة والتأثّر للآخر، راجع مثلا 2 أخ 25: 35 و1مك 26 :13 وعا 16 :5 و2صم 27 _ 19 :1 وفي المآثم قديما كانت مهنة ” النادبات” 1 صم 1 :25.

في قراءتنا لسفر ارميا {وكل التوراة} بفكر مسيحي نرى المسيح امامنا. يقول مراثي ارميا:” أَنَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي رأَى مَذَلَّةً بِقَضِيبِ سَخَطِهِ. قَادَنِي وَسَيَّرَنِي فِي الظَّلاَمِ وَلاَ نُورَ..”4و 2_ 1: 3 :” أَبْلَى لَحْمِي وَجِلْدِي. كَسَّرَ عِظَامِي..”. قارن اش 13 :38.

ونقرأ في مراثي 7 :3:” سَيَّجَ عَلَيَّ فَلاَ أَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ. ثَقَّلَ سِلْسِلَتِي.” إشارة الى تقييد السيد اثناء المحاكمة دلالة واشارة لثقل الحمل. وفي المراثي:” صِرْتُ ضُحْكَةً لِكُلِّ شَعْبِي، وَأُغْنِيَةً لَهُمُ الْيَوْمَ كُلَّهُ.” هذا ما تحقّق بالرب يسوع حين سخر منه اليهود والجند، وسخروا منه كما يخبرنا متى البشير.

وتتحقق نبؤات المراثي 22 :3:” إِنَّهُ مِنْ إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ أَنَّنَا لَمْ نَفْنَ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ لاَ تَزُولُ.” نزل جسد السيد الى الجحيم لكنه لم يفسد. واللاهوت لم يترك الجسد يفنى ولا يرى فسادا، اع 27 :2 فبنزول السيد المسيح للجحيم تزلزلت الأبواب وسقطت الاسوار وخلّص المأسورين وطهّر الجحيم.

يخبرنا سفر المراثي بالرجاء والامل،:” طَيِّبٌ هُوَ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يَتَرَجَّوْنَهُ، لِلنَّفْسِ الَّتِي تَطْلُبُهُ”. بعد الشدّة الفرج وبعد الحزن الفرح وبعد الألم الابتهاج والراحة وبعد الظلمة يشرق النور،” لأَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى الصَّبْرِ، حَتَّى إِذَا صَنَعْتُمْ مَشِيئَةَ اللهِ تَنَالُونَ الْمَوْعِدَ” قارن مز 21 :118:” أَحْمَدُكَ لأَنَّكَ اسْتَجَبْتَ لِي وَصِرْتَ لِي خَلاَصًا.”. ومز 24 :73:” بِرَأْيِكَ تَهْدِينِي، وَبَعْدُ إِلَى مَجْدٍ تَأْخُذُنِي.” كان طريق الالام شبيه بنفق طويل وبنهايته النور الخافت.

يقول في المراثي،” جَيِّدٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَحْمِلَ النِّيرَ فِي صِبَاهُ.” هذا تحقق بالمسيح الربّ منذ تجسّده وهو يتألم لخلاصنا، وطلب منّا ان نحمل نيره، مت 30 _29: 11 “والنير ” هو ” صليب الربّ” وان نحمل ” صليب الرب” يعني ان نطيع تعاليم الرب والكتاب ونعمل بها، مر 34 :8

ارميا _ المسيح

بكى ارميا النبي على اورشليم،:” يَا لَيْتَ رَأْسِي مَاءٌ، وَعَيْنَيَّ يَنْبُوعُ دُمُوعٍ، فَأَبْكِيَ نَهَارًا وَلَيْلًا قَتْلَى بِنْتِ شَعْبِي.” والمسيح الرب بكى اورشليم:” وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا. قَائِلًا: «إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هذَا، مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ! وَلكِنِ الآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ. فَإِنَّهُ سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلاَ يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ، لأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ».” وفي ارميا 11 :” وَأَنَا كَخَرُوفِ دَاجِنٍ يُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُمْ فَكَّرُوا عَلَيَّ أَفْكَارًا، قَائِلِينَ: «لِنُهْلِكِ الشَّجَرَةَ بِثَمَرِهَا، وَنَقْطَعْهُ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، فَلاَ يُذْكَرَ بَعْدُ اسْمُهُ».” ومقارنة واشعياء 53، هذا ما حقّقه المسيح الرب بصمْته اثناء المحاكمات، وتعرّضه للسخرية واللطم والبصاق والصمت الصارخ للرب.

يستمر ارميا بوصف حال المسيح حين تركه الشعب وترك اليهود الينبوع الحيّ:” لأَنَّ شَعْبِي عَمِلَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً.” 13 :2 وأخبر السيّد الرب المرأة السامرية:” أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهاَ: «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا.14 وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ».”.

الجب بين ارميا والمسيح

لقد أُلقِي ارميا في الجبّ، وغاص في الوحل لعدم وجود المياه الكافية:” فَأَخَذُوا إِرْمِيَا وَأَلْقُوْهُ فِي جُبِّ مَلْكِيَّا ابْنِ الْمَلِكِ، الَّذِي فِي دَارِ السِّجْنِ، وَدَلُّوا إِرْمِيَا بِحِبَال. وَلَمْ يَكُنْ فِي الْجُبِّ مَاءٌ بَلْ وَحْلٌ، فَغَاصَ إِرْمِيَا فِي الْوَحْلِ.” وفي المراثي يضيف القاء الحجارة عليه وهو في الجب:” قَرَضُوا فِي الْجُبِّ حَيَاتِي وَأَلْقَوْا عَلَيَّ حِجَارَةً.” مقارنة ونزور المسيح للقبر ونتذكر يونان في جوف الحوت والتشبيه بالمسيح لقيامته من بين الأموات ، وكذلك خروج يونان وارميا سالمين ونجيا من الموت هكذا المسيح الرب قد حقّق القيامة والخلاص للبشرية.

 

 

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!