مقالات دينية

*بدء الشهر المريمي المبارك*

*بدء الشهر المريمي المبارك*
إعداد/ جورج حنا شكرو
تاريخ وماهية شهر ايار المخصص لمريم البتول
تاريخ وماهية شهر ايار المخصص لمريم البتول
المقدمة
ان مريم العذراء بكلمة “انا امة للرب” شاركت في التدبير الخلاصي، أي بخضوعها لله تعالى ، وهنا ان الكنيسة تكرمها وتطلب شفاعتها بكونها والدة الله . حتى ان المسيح نفسه قد فعل رغبة امه اثناء عرس قانا الجليل ، لهذا ان الكنيسة تكرمها منذ القدم وقد خصصت لها صلوات وساعات وايام واسابيع واشهر لتكريمها .
فموضوع بحثي يتناول تاريخ الشهر المريمي أي شهر ايار المخصص لتكريمها وخاصة كيفية وصوله الى لبنان .
فما اجمل ان يتعرف المرء على تاريخه وتاريخ كنيسته وتاريخ ارضه وتاريخ الصلوات التي يصليها حتى يعي حق المعرفة الى من ينتسب وما هو دوره ، فمن خلال هذا البحث الصغير تعرفت من خلاله على امور كنت اجهلها خاصة الاحداث اللبنانية عام 1860 ، وكيف كان الفضل للرهبنة اليسوعية في نشر التكريم للعذراء وتخصيص الشهر المريمي في لبنان.
1- تاريخ الشهر المريمي
ان الاب حنا نادازي اليسوعي هو اول من وضع كتاب صغير يختص بالشهر المريمي فيه 31 تأملاً، وذلك سنة 1664، وسماه المحب لمريم.
واما الفضل في تعيين هذا الشهر لاكرام والدة الله فأنه يعود الى ابوين يسوعيين هما الاب كسافير جاكولة السويسري، والاب انيبال ديونيزي الايطالي. ان الاب كسافير قد طبع كتابه سنة 1724 في ديلغن في المانيا وسماه الشهر المريميوترجمته البتول الطاهرة وفضائلها. واما الاب انيبال الفه كتاب مضمونه التعبد لمريم في شهر ايار سنة 1726.
اما الكتاب الاكثر شهرة الفه الاب فرنسيس لالوميا اليسوعي في بالرمو سنة 1757 وقد انتشر هذا الكتاب وترجم الى اكثر اللغات الاوروبية.
اما في فرنسا خلال الثورة العظمى قد خفت الاكرام لمريم البتول حيث كان الاب الفونس موزارلي اليسوعي قد الف كتابه النفيس “الشهر المريمي” المطبوع سنة 1785 وهذا الاب له نفوذ كبير بين الكاثوليك وخاصة قد خدم الكرسي الرسولي ورافق بيوس السابع في منفاه الى فرنسا. وبعد ذلك الحين اثبتوا الباباوات بسلطانهم الاكرام لمريم في شهر ايار وشجعوا على ممارسة الكتب المريمية لا سيما التي تختص بالشهر ايار ومن الباباوات بيوس السابع (1815)، غريغوريوس السادس عشر (1841)، وبيوس التاسع (1858).
ولم تنحصر عبادة الشهر المريمي في حدود قارة اوروبا بل تجاوزتها مع المرسلين الكاثوليكيين فازدهرت في اميركا واسيا حتى انتهت الى الشرق الا*قص*ى.
2- معناه
ان التكريم لمريم العذراء جعلت المؤمنين في القرون السالفة ان يخصصوا لها في النهار بعد الدقائق لتكريمها مثل التبشير الملائكي وايضاً خصصوا لها يوم السبت، حتى خصصوا لها شهر كاملاً لتكريمها وتمجيدها هو شهر ايار لانه هو الشهر الابهى والاجمل في السنة حيث الازهار تتفتح ويرون من خلال الطبيعة فضائل العذراء مريم كما في سفر نشيد الاناشيد: “انا زهرة الحقل وزنبقة الاودية”.
ومن خلال الطبيعة يتخذ المؤمنون رموزاً لهم ليتشبهوا بالعذراء مريم مثل الزهور العطرة تدعوهم الى ممارسة الفضائل المريمية المشبهة بها كسوسن العفة وبنفسج التواضع وورود المحبة والى غير ذلك من التعابير البتولية.
3- دخوله الى لبنان
ان الاب ريمند استاف راهب يسوعي فرنسي مرسل في لبنان، ولد في مونيليه سنة 1805 وتوفي في بيروت سنة 1873، حيث عرف باسم “ابونا سليمان” لانه كان متصف بالتؤدة، والرصانة وقلة الكلام. فكان محكم النطق، واضح الفكر، مقتضب التعبير، فسمّاه الناس لحكمته: “ابونا سليمان”، ولم يُعرف من ثمّ الا بهذا الاسم.
ان الاب ريمند استاف اوّل من ادخل الشهر المريمي الى لبنان، حيث ارسلوه الرؤساء الى لبنان سنة 1834، فتوجه الى بكفيا حيث اكبّ على درس اللغة العربية، وشغل مرتين منصب رئاسة الرسالة اليسوعية في لبنان وكان معلماً ومرشداً وواعظاً وكان ايضاً ملماً بالطب، يقصده المرضى فيشفي الكثيرين.
ان الاب استّاف افتتح الشهر المريمي في بكفيا، في اول ايار 1837، في معبد سيدة النجاة وكان قد اصطحب من رومة صورة العذراء المعروفة فهيا الى اليوم.
ومن اهتمامات الاب استاف نشر التعليم بين الاولاد ودام الى حوالي 1870 في مدارس عدة منها: بكفيا، بيت شباب، مزرعة يشوع، الشوير، زحلة، بزبدين، بسكنتا، علما الشعب، عين ابل
4- المكان الذي انطلق منه (دير سيدة النجاة)
ان دير سيدة النجاة للاباء اليسوعيين في بكفيا اشتراه الاباء بمساعدة الامير حيد اللمعي من الرهبنة اللبنانية حيث كانت محبة يسكنها النساك
ترأس على هذا الدير الاب ركادونا الايطالي 1831، ثم خالفه الاب سليمان وبدوره بنى معبد يقيم فيه اليسوعيين الرتب الدينية. ولما انتهى من عمارته اراد ان يزينه بالصور وكان نواياه ان يجعل المعبد على اسم القديس فرنسيس راجيس اليسوعي، الا انه ما كاد ينشر صورة مريم البتول امام الجمهور حتى حيّا كل الحضور وشرعوا يلتمسون حماية العذراء باصوات الخشوع والتكريم الوالدي لها، فتأثر الاب سليمان وللحال جعل صورة ام الله في وسط الهيكل مخصصا لها المعبد، وكانت هذه الصورة صغيرة منقوشة بالالوان على صفيحة من الزنك طولها 40 سم في عرض 30 سم.
ومنذ ذلك اليوم اصبح دير سيدة النجاة في بكفيا مزارا يؤمه الاهلون ويلتجؤن اليه في حاجاتهم وبلاياهم بثقة لا تخشى خيبة الامل. وما حملهم على ان يطلقوا عليها اسم سيدة النجاة لما كانوا ينتظرون من شفاعتها المشفعة من النعم والبركات.
في احد ايام الشتاء هبت عاصفة واسقطت سقف الكنيسة واتلف المعبد ما عدا صورة العذراء وجدت سليمة. فأعيد بناء الكنسية بمساعدة القاصد الرسولي فرنسيس فليردل والامير حيدر ابي اللمع بانشاء المعبد مجددا على يد المهندس الاخ اليسوعي فرديند بوناجيا (الذي بنى دير غزير وكنيسة زحلة وكنيسة مار عبدا هرهريا) فانهى بنائه بمساعدة اهالي بكفيا ومحبتهم للعذراء سارعوا الى العمل، واصحاب الثروة التبرع بمالهم. حتى تم المشروع وفتحت الكنيسة ابوابها للمؤمنين ليلة الميلاد سنة 1853
أ- وصف الكنيسة
كان المذبح الكبير مزدانا بالنقوش وفوقه صورة كبيرة تمثل البتول الطاهرة حاملة بين يديها طفلها الالهي وتحت اخمص قدميها رأس الحية الجهنمية تسحقه ظافرة. اما صورة سيدة النجاة فشيد لها المهندس هيكلا منفردا على يمين الهيكل الكبير في باحة الكنيسة بازاء مدخلها الشمالي.
وبعد الاب سليمان استلم الاب يوسف لابوري، فابتدأ باقامة برجا عاليا فوق الكنيسة سنة 1967، فتقن البناء على الطراز الغوطي، جعل فيه قبة للجرس وكلّله في اعلام بتمثال العذراء حاملة بين ذراعيها الطفل الالهي وموجهة نظرها نحو القرية، فتم هذا العمل في اواسط آب سنة 1868 ودشّن في يوم السيدة، فقام بالاحتفال القاصد الرسولي والمطران يوسف جعجع مع عدد لاكليروس والامراء والمشايخ، وقد منح البابا بيوس التاسع غفران 150 يوما لمن يحي شخص البنول بهذه العاطفة “يا سيدة لبنان تضرعي لاجلنا”. وقد رُسم نقوشا دقيقة متقنة من الاسفار المقدسة مكتوبة بالخط البديع بيد الكاتب الشهير علاّم افندي علاّم. ومن وراء الهيكل شعار سيدة النجاة يحمله ملاكان وهو عبارة عن اكليل ملكّي يعلو كوة مستديرة الشكل من الزجاج الاحمر تقرأ من خلاله: “السلام عليك يا سيدة النجاة”.
ب- العجائب والنعم التي منحتها العذراء لمؤمنيها
ان اول من نال من مراحم البتول جزاء تكريمها للعذراء مريم هو الامير حيدر اسماعيل اللمعي حيث ان أعداءه كانوا قد نصبوا له كمين وكبّلوه ثم نفوه الى السودان، ولما سمعه احد اخصامه يصلي الى سيدة النجاة في سجنه ضحك منه قائلا: “دع عنك سيدتك لا تنجيك من ايدينا”. فما مرّت ايام قلائل حتى اطلق سراحه ورجع الى منصبه رغما من اعدائه فكتب الى خصمه: “دونك ما صنعت من اجلي سيدة النجاة فاعرق قدرتها وأقر بفضلها” وكان قد طلب ان يدفن في بكفيا امام صورة العذراء وهكذا صار ففي سنة 1845 توفي في صربا ونقل الى بكفيا.
وما زالت النعم تنزل فياضة عن يد سيدتنا العذراء، سنة 1868 حيث حفظت بكفيا من الكوليرا. وأيضا سنة 1878 حمت بكفيا من الجراد الذي وصل إلى حدودها، فبعد الصلاة للعذراء هبت ريح قوية ونقلت الجراد إلى مشارف لبنان
5- الاحتفالات قديما بالشهر المريمي في كنيسة سيدة النجاة – بكفيا
منذ سنة 1837 وبعد عدّة أسابيع من وضع اللوحة، خصص الآباء شهرا كاملا لمريم وهذه العبادة لم تكن تعرف في الشرق قبل ذلك الحين. كانت تقام احتفالات في الكنائس، وكان يقام احتفالين واحد للرجال وآخر للنساء. وكان الأب استاف يرشدهم ويحثهم على تكريم مريم العذراء والتشبه بفضائلها حتى انتشرت هذه العبادة حتى عمت اليوم جميع انحاء المشرق، حتى في البيوت كانت يوضع مذبح صغير او صورة لتكريم العذراء مع شمعتين وبعض الزهور ويتلون السبحة مع بعض التراتيل وزياح العذراء ورائحة البخور تعطّر المكان.
وظل الناس يأتون الى معبد سيدة النجاة الذي اصبح مكان حج يأتي اليه كل بعيد وقريب كل تائب ومصلي ويقيمون بالاحتفالات على احسن ما يرام.
وفي عام 1860 عند اندلاع الحرب توقفت هذه العبادة الى ان هدأت الاحوال بفضل حماية سيدة النجاة حتى عاودوا الاحتفالات بهذا الشهر
* الخاتمة
ان الكنيسة تكرم العذراء مريم، وتعطي اهمية كبرى لاعيادها، ففي الصلوات الطقسية مثلاً، تخصص لها نهار الاربعاء، حتى في باقي الصلوات يوجد ذكر لها.
وايضا نرى ان في جميع انحاء العالم كنائس عديدة او معابد باسم مريم، لا بل ان الكنيسة تعطي اهمية كبرى لذكرها لا في الصلوات فحسب بل في الدروس اللاهوتية حيث يخصص بعض المواد اللاهوتية منها تنوع التالقيد الليتورجية وذلك لمعرفة العذراء مريم على ضوء تعاليم الكنسية.
ان الحديث عن مريم وتكريمها كثير جداً، ولهذا ان المادة التي نتخذها تجعلنا ان نفهم المعنى الصحيح حول اكرامها وحول تعاليم الكنيسة، ففي الكنيسة المارونية لا يوجد تكريم شهري لمريم العذراء بل التكريم الشهري قد اتى مع الاباء اليسوعيين.
ونرى ايضا ان في الطقس السرياني وخاصة في الصلوات يوجد كنز من التعابير حول اكرامها.
وفي النهاية وعلى ضوء التعاليم اللاهوتية، لا بد ان نعي المعنى الليتورجي لمريم العذراء ام الرب ، لنكرمها احسن اكرام.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!