أنت لست في طريقي
أنت لست في طريقي
يسألك عن وجهتك قبل أن يسمح لك بالصعود
“أنت لست في طريقي” هي جملة يعرفها التونسيون جيدا، أولئك الذين يستخدمون سيارات التاكسي/الأجرة كوسيلة تنقل في العاصمة.
قد تقف لدقائق وربما ساعات في وقت الذروة، تنتظر سيارة تاكسي صفراء تقلك إلى بيتك أو عملك أو غيرهما، ترفع يدك لسيارة بإشارة حمراء تؤكد خلوّها من الركاب، يقف لك السائق، ويسألك عن وجهتك قبل أن يسمح لك بالصعود، هي مسافة غير قريبة، لكنها بحسابات السائق يمكنك بلوغها مشيا، قد تقدر من كيلومتر إلى خمسة كيلومترات، ينظر إليك باستغراب ويقول بشجاعة “مش في ثنيتي” (لست في طريقي)، ويكمل في الاتجاه نفسه الذي كنت ستسلكه.
لو كنت تونسيا، لتذكرت الآن كم مرة تعرضت لمثل هذا الموقف، وكيف وقفت ساخطا، لا تعرف هل أن السائق من المفترض أن يوصل الركاب الذين يشاركونه الوجهة نفسها؟ أم أنك يجب أن تختار طريقا يعجب سائقي التاكسي، يمنحهم فرصة نقلك إلى أبعد وجهة ممكنة كي تكون الأجرة باهظة؟
حالة وحيدة يمكنك أن تتجنب فيها الإجابة الشهيرة، هي أن تعرض مضاعفة السعر الذي سيسجله عداد السيارة، أو تختصر الوقت وتطلب سيارة أجرة عبر التطبيقات الرقمية، حينها تذهب السيارة وصاحبها إلى الوجهة التي تحددها أنت لا غيرك.
لم أكن أهتم كثيرا بموضوع التاكسي، لا أحتاجه كثيرا في الحياة، نجوت من تكرار الجملة “التاكسيستية” الشهيرة، لكنّني انتبهت لها بفعل السفر خارج الوطن، ألم يقل نجيب محفوظ يوما “عندما تسافر خارج وطنك فإنك قد تعرف عنه أكثر مما تفعل عن البلد الذي تزوره.”
نحن بالفعل عندما نسافر، نرى أوطاننا بشكل مغاير تماما، وكأننا نراقب الآخر، ونعيد النظر في نقاط التشابه والاختلاف، لكننا بالتأكيد سنكتشف بعض المميزات في أوطاننا، لم تكن أعيننا تلمحها سابقا، وسننتبه لمساوئ أيضا نرجو أن تنتهي.
في زيارتي إلى إحدى الدول العربية الشقيقة، وجدت سائقي التاكسي مستعدين لإيصال الراكب إلى المريخ لو أراد، المهم أن يدفع الأجرة، قد يحددها عداد السيارة، وقد يتفقان عليها مسبقا. هناك، لن تقف طويلا مطلقا، سيارات التاكسي في كل مكان، تؤشر لك “بالضوء والصوت” أنك يجب أن تركب وتختصر المسافة مهما كانت قريبة.
الغريب أن سائقي سيارات الأجرة، غير أولئك الذين في وطني، يريدونك أن تسلك طرقهم، ستجد نفسك يوميا تمشي في اتجاه وجهتك وكل سائقي سيارات الأجرة القادمة في اتجاهك “يزمرون” لك ويكررون أصوات التزمير إن تجاهلت النظر إليهم والتجاوب معهم، هنا أنت في طريق سائق التاكسي سواء كنت تمشي في الاتجاه ذاته أو الاتجاه المعاكس أو حتى واقفا أو جالسا أو طائرا أو منهارا، لا يهم المهم أن تركب وتدفع نقودك.
وإن ركبت، حصلت المفاجأة، لو هي سيارة أجرة تقليدية، ولم تطلبها عبر أيّ تطبيق خاص، من السهل أن تجد السائق يحاول التحاور معك، وإن عرف جنسيتك، قد يفتح مواضيع تخص بلدك أو بلده، وإن كنت فتاة، غير محجبة، فاستعدي لمفاجآت كبرى.
سيارات التاكسي/الأجرة عالم متكامل، نموذج مصغر عن الشعوب، كيف تفكر وإلى أين تسير، فبينما لا نفهم هل تونس تسير مع التيار أم أنها تسير في طريقها الخاص أو هي تائهة تريد أن توصلك حيث تريد لكنها لا تريد أن تتكبد خسائر مادية، هناك دول أخرى تسير في أيّ اتجاه ممكن المهم أن تحقق عوائد مالية.
فكرة مجازية تنطبق على البشر أيضا، بعضنا يعيش عمره تائها لا يعرف إلى أين يتجه، والبعض الآخر يحدد هدفه منذ البداية وليس خطأ إن كان هدفه ماديا بحتا، ثم يسير في وجهات متعددة ليحققه. وكم جميل أن يسافر الإنسان ليكتشف نفسه ووجهته.
حنان مبروك
صحافية تونسية
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.