هل ستأخذ القمة العربية العبرة من زيلينسكي؟
هل ستأخذ القمة العربية العبرة من زيلينسكي؟
دونالد ترامب سحب البساط أمام زيلينسكي وجعله يدرك أن لا خيار لديه إلا الأخذ بالضمانات الأميركية.
الدعم العربي يعزز موقف مصر
ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أول خطاب رسمي له في السياسة العامة أمام الكونغرس، الثلاثاء الرابع من مارس الجاري، حيث ركّز في كلمته على موضوع “إحياء الحلم الأميركي الذي لا يمكن إيقافه”.
مواضيع كثيرة ركّز عليها الرجل، لاسيما في ما يتعلق بسياساته الصارمة في مجال الهجرة، كما ودافع عن رؤيته الاقتصادية في ظلّ حملته الشرسة ضد كندا والمكسيك، وعن الحرب التجارية مع الصين التي تزعزع الأسواق. ولكن الأهم في ما قاله هو ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، حيث أكد ترامب على ضرورة تنفيذ خطته بشأن قطاع غ*ز*ة، ألا وهو تهجير الفلسطينيين منها.
في الوقت الذي كان ترامب يلقي كلمته أمام الكونغرس، كانت المنطقة تشهد على اجتماع لقمة عربية طارئة، قد تكون استثنائية لمشاركة رئيسي سوريا ولبنان لأول مرة فيها. عقدت القمة اجتماعها في الرياض الثلاثاء الرابع من مارس الجاري وخرجت ببيان وصف بأنه “تحد” لخطة ترامب تجاه غ*ز*ة، وللعدو الإ*سر*ائي*لي لوقف خروقاته للقرار 1701 ولتنفيذ الجولة الثانية من المفاوضات مع حركة ح*ما*س.
اعتمدت القمة العربية الطارئة خطة التعافي المبكر وإعادة إعمار غ*ز*ة والتي قدمتها مصر بالتنسيق مع دولة فلسطين والدول العربية على أن يتم اعتبارها “خطة عربية جامعة”، مؤكدة على ضرورة العمل على تقديم كافة أنواع الدعم المالي والمادي والسياسي لتنفيذ الخطة التي قدمتها مصر وحث المجتمع الدولي ومؤسسات التمويل الدولية والإقليمية على سرعة تقديم الدعم اللازم للخطة، بالتوازي مع تدشين أفق للحل الدائم والعادل بهدف تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني إلى مشروعه في إقامة دولته والعيش في سلام وأمان.
◙ ليس من السهل التع-اط*ي مع ترامب، وهو المتيقن أن الدول الأوروبية ليست في حالة جهوزية للمواجهة وحدها ذلك الخطر القادم
أطلقت القمة “خارطة الطريق” لديها، إذ لم يعد للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عذر عدم الذهاب إلى واشنطن وملاقاة ترامب ومحاكاة رغباته في تحويل عزة إلى “ريفييرا الشرق”. فهذه المرة باتت لديه ورقة جاهزة لإبقاء أهل غ*ز*ة في القطاع، وإعادة بنائها والحديث عن كل ما يجب لتحويلها إلى حلم ترامب ولكن مع رفض التهجير، ورفض إعطاء رئيس الوزراء الإ*سر*ائي*لي بنيامين نتنياهو ذريعة تنفيذ مخططاته بحق القطاع والضفة.
تغيّرت المعايير عما كانت عليه مع زيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني للبيت الأبيض في التاسع من فبراير الماضي، والتي وصفت بغير المستحبة حيث لم يكن في جعبة العاهل الأردني ما يقنع به ترامب، والتي شبهها البعض باللقاء الذي جمع الرئيس ترامب مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ولكن بفارق أن الأخير دخل مع ترامب بمجادلة على اعتبار أنّ لديه من يسنده وهو الأوروبي.
ولهذا، احتضن زيلينسكي أوروبيا بعد اللقاء المجنون، وعقد الاتحاد الأوروبي اجتماعه ليؤكد الاستمرار في دعم كييف في حربها ضد روسيا، لا بل ذهبت بعض الدول الأوروبية في خياراتها العسكرية بعيدا لتعيد تمويل الإنفاق على الموازنة العسكرية، على رأسها لندن، لمواجهة التحديات القادمة من موسكو وربما من واشنطن.
ليس من السهل التع-اط*ي مع ترامب، هو الذي عرف كيف يتعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو المتيقن أن الدول الأوروبية ليست في حالة جهوزية للمواجهة وحدها ذلك الخطر القادم، هذا ما أوقع زيلينسكي في الفخ الأميركي ودفعه مجددا إلى تحديد موعد مع البيت الأبيض للتوقيع على اتفاقية المعادن النادرة.
سحب ترامب البساط أمام زيلينسكي للتوجه شرقا، حيث قطع أمامه أي خيار للعودة إلى طاولة المفاوضات مع روسيا إلا بالشروط الروسية وعلى رأسها التخلي عن الأراضي التي احتلتها. وجعله يلمس بأنّ لا خيار لديه إلا الأخذ بالضمانات الأميركية، فهل هذا السيناريو سنشهده مع الفلسطينيين رغم احتضان قضيتهم عربيا؟
إن التقارب الروسي – الأميركي الذي شهدته الساحة الدولية والذي تمثل في لقاء المصالحة التاريخية بين وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف ونظيره الأميركي ماركو روبيو في الرياض في مارس الماضي، قدم للعالم مشهدية جديدة ومختلفة عن تلك التي عرفناها قبل اللقاء. إذ شكّلت واشنطن منذ وصول الرئيس جو بادين إلى السلطة رأس حربة في مواجهة حلم موسكو الصاعد، حيث دخل معها في حرب الاستنزاف في شرق أوكرانيا، وعملت على “تصفير” التصدير الروسي لغازه الطبيعي المسال إلى أوروبا، وفرضت بالتعاون مع الأوروبي وبعض الدول الحليفة عقوبات أممية على روسيا.
◙ استحقاق منتظر أمام مصر للسير في خطتها الهادفة إلى منع التهجير القسري للفلسطينيين كي لا نشهد على نكبة ثانية
أمام حالة الاستنزاف هذه، وصل ترامب إلى السلطة مستفيدا مما فعلته الإدارة السابقة، التي أوصلت العلاقات الأوروبية – الروسية إلى نقطة “اللا تلاقي”. فعمل على مدّ الجسور مع الروسي لإنقاذه من ورطة أوكرانيا، حيث عبّر عن تأييده للهواجس الروسية في أوكرانيا لا بل ذهب بعيدا في الطلب من زيلينسكي التخلي عن تلك المقاطعات لصالح موسكو.
خطوة التقارب الروسي – الأميركي قد لا تصب في صالح المنطقة، ولا حتى في مصلحة البيان الختامي للقمة العربية، وقد تضع الخطة التي تمّت المصادقة عليها في مهب الريح. إذ إن ترامب عبّر عن عدم تخليه عن خطته تجاه القطاع، وإنه ماض في تنفيذها، بالمقابل قطع الطريق أمام العرب لأخذ الدعم من موسكو وأبعد عنهم خيار بكين. إن هذا التقارب قد يكون بمثابة التفاوض الأميركي – الروسي على اعتبار غ*ز*ة مقابل مقاطعات أوكرانيا. هذا ما يعطي الضوء الأخضر لتل أبيب للاستمرار في حربها على القطاع بعدما عرقل نتنياهو الجولة الثانية من المفاوضات.
يعتبر المراقبون أن الموافقة التي أعلنت عنها وزارة الخارجية الأميركية، مساء الجمعة الثامن والعشرين من فبراير الماضي، على بيع معدات عسكرية متطورة لإس*رائي*ل بقيمة تقارب الأربعة مليارات دولار، إنما تدخل في صميم الاستعداد لتطبيق خطة ترامب بشأن القطاع. لهذا رغم أهمية الوحدة العربية التي تجلت في البيان الختامي، إلا أنّ الأهم هو العمل على إقناع ترامب (الذي على ما يبدو لن يقتنع) بالتخلي عن فكرة التهجير، فتشكيل لوبي عربي داخل أروقة البيت الأبيض بات أمرا ملحا.
استحقاق منتظر أمام مصر للسير في خطتها الهادفة إلى منع التهجير القسري للفلسطينيين كي لا نشهد على نكبة ثانية، في ظل لاعب أميركي لا يريد إلا تنفيذ مخططاته، فهل سنكون أمام سيناريو زيلينسكي آخر ونوقع على ريفييرا الشرق أم سنواجه كعرب المخطط بما نمتلك من إمكانيات؟
د. جيرار ديب
كاتب ومحلل سياسي لبناني
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.