هل استوعبت إيران الدرس
هل استوعبت إيران الدرس
الإيرانيون توحّدوا لا حبًا في خامنئي بل بدافع التصدي للخطر الخارجي، فالشعوب تتوحد لدرء أي تهديد لبلدانها سواء اتفقت أو اختلفت مع الرئيس أو الملك أو الزعيم.
خامنئي أكثر قوة بعد الضربات
الرئيس الأميركي دونالد ترامب قال إن بلاده “سحبت القنبلة النووية من يد إيران،” في إشارة إلى نجاح الهجمات التي شنتها الولايات المتحدة على المواقع النووية الرئيسية في إيران. وإن منشآت تخصيب اليورانيوم النووية في طهران قد دُمّرت بالكامل، في أعقاب سلسلة من الضربات الأميركية التي استهدفت ثلاثة مواقع رئيسية هي: فوردو، ونطنز، وأصفهان.
وكانت تصريحات رئيس وزراء إس*رائي*ل بنيامين نتنياهو بعد الضربة الأخيرة التي تعرّض لها أكبر مفاعل لتخصيب اليورانيوم في طهران تشير إلى تقارب محتمل نحو التفاهم بشأن إجراء مفاوضات مع إيران. كما أن تغريدات ترامب حملت في طياتها مؤشرات على توجه سلمي ورغبة في إنهاء الحرب، لكن على أرضية تفاوضية قد تفضي إلى تخلي طهران عن مشروعها النووي.
الرئيس الأميركي كان يسعى من خلال الهجمات على مفاعلات إيران إلى إضعاف البرنامج النووي، مع الإبقاء على إيران كدولة لها نفوذ إقليمي؛ أي “شرطي المنطقة”. وقد قلت في مقالة سابقة إن الهدف من الحرب هو إعادة طهران إلى الحظيرة الأميركية بعد أن خرجت عن النص. فلم يكن في حسبان ترامب تغيير النظام، كما يرغب نتنياهو، على اعتبار أن الوضع الداخلي في إيران ليس ناضجًا بعد؛ أقصد جبهات الرفض والمعارضة للنظام، فتغيير أيّ نظام يحتاج إلى أرضية صلبة لتحقيق النتائج المرجوّة.
ربما أدركت طهران الدرس حين وجدت نفسها في ساحة المواجهة وحدها. فالأيام دُوَل، كما يقال، وكل ساقٍ يُسقى بما سقى
ومن إخفاقات رئيس وزراء إس*رائي*ل نتنياهو في خضم الحرب على طهران، إصراره على تغيير رموز النظام الإيراني. ومن الواضح أن الإيرانيين توحّدوا بمختلف أطيافهم؛ لا حبًا في خامنئي، بل بدافع التصدي للخطر الخارجي. فالشعوب تتوحد لدرء أيّ تهديد قد يطيح بمقدرات بلدانها، سواء اتفقت أو اختلفت مع الرئيس أو الملك أو الزعيم. وقد استطاع نتنياهو أن يقدّم لجمهوره صورة نصر على إيران.
السؤال الأكثر واقعية الذي يطرح نفسه: هل تحققت الأهداف التي وضعها ترامب ونتنياهو للحرب؟
بعد الضربة العسكرية التي استهدفت مفاعل تخصيب اليورانيوم في إيران باستخدام قنابل خارقة للتحصينات – وهي أسلحة يبلغ وزن الواحدة منها 30 ألف رطل وتحتوي على 6 آلاف رطل من المواد شديدة الانفجار – صدرت تصريحات من عدة مستويات سياسية وعسكرية في طهران تؤكد أن مفاعل فوردو قد تم تفريغه من المادة النووية قبل أيام من قصفه، ما أيدته صور الأقمار الصناعية التي أظهرت حركة كثيفة للشاحنات في محيط المفاعل. هذا يشير إلى أن المواد المخصبة لم تكن موجودة وقت القصف. لكن السؤال الذي يظل مطروحًا: طالما أن صور الأقمار الصناعية رصدت تحركات الشاحنات أمام مفاعل فوردو، فلماذا لم تُقصف في التوقيت نفسه؟ أسئلة كثيرة تبقى محركًا للعقل، لكنها حتى اللحظة بلا إجابات قاطعة.
هناك أغلبية من المراقبين والمحللين ترى أن ما جرى بين الولايات المتحدة وإس*رائي*ل من جهة، وإيران من جهة أخرى، لم يكن إلا “مسرحية سياسية”. ورغم أن هذا التحليل قد يبدو سطحيًا، إلا أن ما جرى لا يقتصر على تصفية البرنامج النووي فقط؛ بل هناك قضايا أكثر تشابكًا وتعقيدًا. وهنا يحضرني وصف الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر لإيران الشاه في أواخر عام 1977 بأنها “واحة أمان في محيط مضطرب،” لكنه سرعان ما تخلّى عن هذا الوصف مع اندلاع الثورة الإيرانية، بل أرسل موفدًا طالب الشاه بالتخلي عن العرش ومغادرة البلاد. ولم يأتِ هذا الموقف عبثًا، بل كرد فعل على تقارب إيراني – عراقي حينها على شط العرب، وتأييد الشاه لانتفاضة الدول النفطية داخل أوبك ورفع سعر برميل النفط من ثلاثة إلى 28 دولارًا.
وما أشبه الأمس باليوم؛ فالتقارب الإيراني مع الصين وروسيا كان أحد العوامل التي دفعت الولايات المتحدة إلى دعم إس*رائي*ل في ضرب إيران. وخير دليل على ذلك تصريح رئيس هيئة الأركان الأميركية مارك ميلي الذي أبدى قلق البنتاغون من هذا التحالف الثلاثي، قائلًا إنه سيشكّل “مشكلة إستراتيجية لواشنطن في السنوات المقبلة.”
ربما أدركت طهران الدرس حين وجدت نفسها في ساحة المواجهة وحدها. فالأيام دُوَل، كما يقال، وكل ساقٍ يُسقى بما سقى.
فتحي أحمد
كاتب فلسطيني
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.