معجزات يسوع في إحياء الموتى وإقامة لعازر نموذجاً
معجزات يسوع في إحياء الموتى وإقامة لعازر نموذجاً
بقلم / وردا إسحاق قلّو
قال يسوع ( أنا هو القيامة والحياة . من آمن بي ، وإن مات ، فسيحيا ) ” يو 25:11 “
عندما نتناول النصوص الخاصة بإقامة الموتى من قبل يسوع المسيح . نلاحظ العطف والحنان أولاً ، ومن ثم الرحمة تظهر في نظرات يسوع إلى ذوي الميت الذين فقدوا عزيزاً من بينهم . وبسبب تلك المحبة يبدأ بإعادة الأمل والفرحة في النفوس بعد إعادة الحياة إلى الجسد الذي فارقه الروح . فيبعث في ذلك الجسد القدرة على الحياة ، وبعد المعجزة يتمجد إسم يسوع الخالق الذي به خُلِقَ الكّون كله ، ويتمجد الله في خليقته الجديدة التي انبعث فيها الحياة . المعجزة الأولى من معجزات يسوع في إعادة الحياة إلى جسد الميت كانت للشاب الميّت في قرية نائين الصغيرة الواقعة إلى غرب جبل التجلي ، أعاد الحياة إلى من كان وحيداً لأمه الأرملة بعد أن فارق الحياة . كانت تلك المرأة رغم موت وحيدها محظوظة جداً بسبب مرور يسوع بالقرب من موكب الجنازة . كان المنظر مؤلم جداً وكل أبناء القرية كانوا حزينين على وحيد لأمه الوحيدة الحزينة . فمن يستطيع أن يشاهد ذلك المشهد من دون ان يشعر بحزن عميق في قرارة نفسه ، فكيف يستطيع يسوع المحب لكل البشر أن ينقذ ذلك الموقف ويعيد الفرح ؟
نظر يسوع أولاً مع تلاميذه إلى ذلك الموكب الحزين ، وركّز نظراته على الأم المؤلمة الباكية ، فبدأ يحن عليها ، ومن ثم يتدخل ليواسيها بقوله لها ( لا تبكِ ) وبعد ذلك دار نحو النعش ولمسه ، فوقف حاملوه . كان تدخلاً غريباً لا يفهم غايته في تلك اللحظات المحرجة . وقف المسير ، وبدأ ينادي الميت قائلاً ( يا فتى ، أقول لك ، قم ! ) فصعق السامعون من طلبه . لكن سرعان ما استولى الخوف عليهم ، لأن ذلك الشاب سمع الصوت الإلهي الذي أعاد إليه الحياة فبدأ يجلس ويتكلم ، ثم سلمه يسوع إلى أمُهُ . فحوّلَ حزنها إلى فرح . . بدأ الجميع يمجدون الله لأنهم رأوا في ما حدث رسالة محبة من الله لهم ، فقالوا ( قام فينا نبي عظيم ، وأفتقد الله شعبه ) . يسوع أعطى لتلك الأرملة ولداً مرتين ، الأولى عندما ولدته ومات فحزنت . والثانية عندما أعاد إليه الحياة بعد أن خطفه الموت من بين يديها ليكون لهاً فرحاً وإيماناً بخالقها المحب .
أما المعجزة الثانية ، فكانت في إحياء إبنة يايرس ، رئيس المجمع في كفرناحوم الذي انطرح عند قدمي يسوع متوسلاً إليه لكي يرافقه إلى بيته لأن ابنته الوحيدة مشرفة على الموت ، وعمرها أثني عشر سنة . لكن يسوع أبى أن يحضر في الوقت الذي كانت الصبية مريضة ، وكما حصل للعازر رغم استلامه خبر مرضه من أختاه مريم ومرتا . ماتت الطفلة ، ووصل المبعوثين من هناك ليخبروا والدها بأن الطفلة فارقت الحياة . كان يسوع يستطيع أن يشفيها بكلمة منه عندما طلب منه والدها دون أن يذهب ، لكن لله رأيه وحكمته . وصل مع والدها وتلاميذه إلى البيت فرأى الجميع في مناحة ، يبكونها ويندبونها ، لكنه وبكل ثقة قال لهم ( لا تبكوا إنها نائمة ! ) فضحكوا منه لأنهم يعلمون بأنها قد ماتت . لم يدع يسوع احداً يدخل معه إلا بطرس ويعقوب ويوحنا وأبا الفتاة وأمها فقط . أمسك بيد الميتة ، ونادى قائلاً : ( يا صبية ، قومي ! ) فعاد إليها الروح ، فعاد الفرح إلى الوالدين ليتمجد أسم الرب في مخلوقاته .
أما الميت الثالث الذي أقامه يسوع في قرية بيت عنيا فكان صديقه لعازر . قصته مختلفة ، بل معقدة لأن الميت هنا منتن في القبر بسبب موته قبل أربعة أيام . ولماذا مكث يسوع أربعة أيام ؟ الجواب ، لأنه يريد أن يثبت قدرته الإلهية ويتحدى القوانين وكل مألوف ومعروف لدى اليهود الذين كانوا يعتقدون بأن الروح قد تعود إلى الميت خلال ثلاث أيام من موته . أما بعد ذلك فمحال . ولهذا لم يحضر يسوع في حينها ؟ لأنه أراد أن يموت أولاً وبعد ذلك يذهب ، وهذا واضح من كلامه لتلاميذه عندما قال لهم ( هذا المرض لا يؤول إلى الموت ، بل إلى مجد الله ، ليتمجد به إبن الله ) . الأختان عاشتا في صراع وصدمة بين ثقتهما بيسوع ومحبته لهن ، وبعدم إعارته لرسالتهن أي إهتمام وذلك لعدم مجيئه . ومات أخوهن ، فهل فقدن الثقة بيسوع ومات فيهن الإيمان ؟
يسوع يعلم بالساعة التي مات بها لعازر، لهذا قال لتلاميذه في لحظتها ( قد مات لعازر ) ورغم ذلك أضاف على كلامه قائلاً ( يسرني ، من أجلكم كي تؤمنوا ، إني لم أكن هناك ، فلنمضِ إليه ) . وَصَلوا إلى بيت عنيا بعد موت لعازر بأربعة أيام فقابلته مرتا ، نظرت عيناه الإلهيتان إلى قلبها ففهم إنها ستعاتبه بقولها ( يا رب ، لو كنت هنا لما مات أخي ) لكنه أدرك عمق إيمانها الذي دفع بها لتتابع كلامها قائلة ( ولكني ما زلت أعلم أن كل ما تسأل الله ، فالله يعطيك أياه ) إذاً كان عدم حضوره أمتحاناً لأيمانها . كان يسوع ينظر إلى عينيها بكثير من الحنان ، تلك العيون التي ارهقتها الدموع بسبب البكاء ، فقال لها ( أنا القيامة والحياة ، أتؤمنين بهذا ؟ ) فقالت له ( نعم يا رب ، إني أؤمن بأنك المسيح إبن الله الآتي إلى العالم ) هذا هو الإيمان الذي ينقل الجبال ، بينما قيافا وشيوخ اليهود لم يكتشفوا هذا السر العظيم بأن مسيا المنتظر هو بينهم ، ويعمل معجزات خارقة كل يوم لم يعمل مثلها أحد . أما تعزية يسوع لمرتا فكانت ( أنا القيامة والحياة ) وبهذا سكب في قلبها العزاء وادركت أن الموت هو ولادة جديدة وبداية إنبثاق لفجر جديد .
جاءت مريم أيضاً فتوجه الجميع نحو القبر ، وعندما بلغوا القبر يوجز لنا يوحنا بأنجيله ما حدث بكلمات ثلاثة من الصعب جداً على القارىء أن ينساها ( فدمعت عينا يسوع ) ولماذا بكى علماً بأنه سيقيمه من بين الأموات ؟ بكى لكي تدرك مرتا ومريم ونحنُ كم أن قلب يسوع يحزن لأحزان البشر ، وكم هو يشاركنا عمق الأسى الذي نحس به عندما تزعزع حياتنا عاصفة الموت ، ودموعه ما هي إلا علامة لما في قلبه من حب صادق لكل متألم . ومن عمق مشاركته للإنسان في ما يمر به من أحزان في حياته اليومية .
أمر يسوع برفع الحجر ، ومن ثم صاح بأعلى صوته ( يا لعازر ، هلّم فأخرج ) في تلك اللحظة توقفت الحركة في الجمع الحاضر ، وساد السكون ، وتركزت العيون على مدخل المغارة ، والقلوب تنبض بسرعة . هنا وضع يسوع مصداقيته على المحك ، فإذا كان هو الله الخالق فسوف يقوم لعازر ، وفجأةً حدثت المعجزة التي أذهلت العقول وعيون الحاضرين فدهش الجميع . هل هم في حلم ، أم في يقظة ؟ لأن الميت المنتن المشدود اليدين والرجلين بالع*صائ*ب ، وملفوف الوجه بمنديل خرج من القبر . هزهذا الخبر قادة سنهدريم اليهود فعزموا منذ ذلك اليوم على ق*ت*ل يسوع ولعازر أيضاً . ق*ت*لوا يسوع ، لكنهم لا يعلموا إن الذي أقام لعازر المنتن والمدفون منذ أربعة أيام ، له القدرة أن يقوم بعد ثلاثة أيام ويتحداهم وينهي مملكتهم ويسلّم الكرم إلى غيرهم وسيُهدم هيكلهم عن قريب وإلى الأبد .
ختاماً نقول : كان سبب عدم حضوريسوع في بيت عنيا عندما تمرض لعازر لكي يكون فرح للرسل وللأختين ولكثيرين ، فقيامة لعازر بواسطة يسوع أعطت لنا جميعاً دفعاً جديداً لأيماننا ، وتذكير بدعوة المسيح المحي للأموات ، لكي يخرج الجميع من قبر الخوف والقلق إلى نور الحياة ، نور القيامة ـ فكل من يؤمن في العالم بالمسيح وأعماله ويعلن إيمانه سيتحرر من ظلامه ليدخل نور وسر المسيح . إنها ولادة جديدة ، بل حياة جديدة مع المسيح الإله .