مقالات دينية

أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله

أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله

بقلم / وردا إسحاق قلّو

    في السنة الأخيرة من وجود يسوع على هذه الأرض إستطاع نشر كلمة الملكوت بين الشعب فمال إليه الجمهور بسبب كلامه ولكثرة الآيات التي اجترحها في وسطهم والحكمة والتعليم بقوة كمن له سلطان ، بل كانت كل أعماله تحدياً في كل المجامع الدينية والسياسية للكتبة ومفسري الشريعة والفريسيين ” المفروزين عن الشعب لقداستهم ” وهم الطبقة المتدينة والوطنية ، ، تتكون من الكهنة والعلمانيين . كما تحدى الهيروديسيين الموالين لهيرودس الملك الذي منحهم نفوذاً كبيراً لكي يكسبوا الشعب لموالات الإستعمار الروماني ودفع الجزية لقيصر روما ، وكانوا اليهود ينبذون أعمالهم . كذلك الحال مع طبقة الصدوقيين الذين كانوا من الطبقة الإرستقراطية ومنهم كان معظم رؤساء الكهنة ، كانوا ينكرون موضوع قيامة الأموات ووجود الأرواح والملائكة . رغم هذه الفروقات بينهم أنظموا مع الفريسيون ضد المسيح بعد أن شعر الجميع بأن المسيح بات يهدد وجود الجميع ، فأتحدوا مع الفريسيين وتشاوروا مع الهيروديسيين لينالوا من يسوع بحيلة ومن ثم تقديمه للسلطات لتق*ت*له ( طالع مر 6:3 ) .

   كانت الخطة المرسومة بحكمة ودقة لإيقاع يسوع ليمسكوه بحجة مع وجود الشهود لغرض تسليمه إلى السلطة الحاكمة لتصفيته . جاءوا إليه متظاهرين له بأنهم يؤمنون بأنه صالح ، ويتحدث بالصدق ، وينطق بالحق . والسؤال الذي طرحوه له يحتاج إلى جواب بسيط وقصير ويختصر ب ( نعم ) أو ( لا ) وفي الحالتين سيقع في فخهم . فإذن كانوا متيقنين بأنه سيسقط في تجربتهم الشيطانية ، لا محال . فقالوا له ( يا معلم ، نعلم أنك صادق ولا تبالي بأحد ، لأنك لا تنظر إلى وجود الناس ، بل بالحق تُعَلّم طريق الله . أيجوز أن نعطي جزية لقيصر أم لا ؟ ) يبدو كلامهم معسول فيه التملق والتبجيل لكنه مبَطَن بالرياء يتحيلون عليه لغرض النيل منه .

   عَلِمَ يسوع برياءهم وحيلتهم لأنه كان يقرأ المخفي في القلوب والنيات ( طالع لو 5: 20-23 ) وبعد ذلك طلب منهم ديناراً ليراه ،  فقال لهم ( لمن هذه الصورة وهذا الأسم ؟ ) فقالوا ( لقيصر ) فقال لهم ( أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله ) أي يجب إحترام الله الذي هو في السماء والسلطة الأرضية مهما كانت طالمة لأنها وضعت برضى الله فيجب الخضوع لسلطانها وكما وضّحَ لنا الرسول بولس بقوله ( ليخضع كل إمرىء للسلطات التي بأيديها الأمر . فلا سلطة إلا من عند الله ، والسلطات الموجودة هو الذي أقامها ، فمن قاوم السلطة قاومَ النظام الذي أراده الله … ) ” رو 13: 1-2 ” . كان جواب المسيح لهم صاعقاً ، فتعجبوا به ملتزمين الصمت ، بل إنسحبوا فاشلين مقهورين ، وجواب يسوع لهم صار قاعدة للأجيال لكي يقومون بواجباتهم الدينية والعلمانية بحسب القوانين والشرائع الصحيحة الموجودة في الدين والسلطة الزمنية ، والخضوع للسلطتين الدينية والدنيوية واجب وإن كانت طلبات الدولة من الشعب ظالمة .

   سبق وأن جُرِبَ يسوع مرة أخرى عندما تقدموا إلى بطرس في كفرناحوم فقالوا له ( أما يوفي معلمكم الدرهمين ؟ ) فقال ( بلى ) وقبل أن يخبر بطرس الرب سبقه هو بالقول ( ماذا تظن يا سمعان ، ممن يأخذ ملوك الأرض الجباية أو الجزية ، أمن بنيهم أم من الأجانب ؟ ) فقال بطرس ( من الأجانب ) فرد يسوع عليه ( فإذاً البنون أحراراً ، ولكن لئلا نعثرهم ، أذهب إلى البحر وإلق صنارة ، والسمكة التي تطلع أولاً خذها ، ومتى فتحت فاها تجد إستاراً ، ففخذه وإعطهم عني وعنك ) ” مت 17: 24-27″ .

السؤال الذي سألوه اليهود لبطرس عن دفع المسيح للجزية كان سابقاً للسؤال الذي سألوه له مباشرةً عن دفع الجزية لقيصر ، والغاية من السؤالين هو لإيجاد عِلّة عليه. الخطة المرسومة لإيقاع يسوع في موضوع دفع الجزية لقيصر تشبه خطتهم له عندما أحضروا أمامه المرأة الزانية والتي كانت غايتهم الأساية ليس لرجم المرأة ، بل لإيقاع يسوع في مشكلة لمحاكمته أمام السلطات الرومانية . فإذا قال لهم لترجم المرأة حسب شريعة موسى سيخالف القوانين الرومانية لأن لهم السلطة فقط لق*ت*ل المجرم . وإن قال لا ، فسيرفعون شكواهم إلى السلطات الدينية لأنه ناقض الناموس . لهذا ظنوا أيضاً بأنهم سينالون منه ، لكن جوابه لهم كان كالسيف القاطع ، قال ( من كان بينكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر ) “ يو 7:8″ .

 نختم الموضوع بهذه الكلمات : الإنجيل المقدس يعلمنا الطاعة لله وللسلطات الحاكمة ، فعلينا أن نحب وطننا وندافع عنه بإخلاص ونحترم قوانينه ونخضع لها ونصلي من أجل المرؤوسين ليحكموا بالعدل لنحيا في سلام ومحبة ، كذلك لا نهمل واجباتنا الإيمانية وبهذا سنرضى الله والسلطات معاً .

والمجد الدائم ليسوع المخلص.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!