ليلة القبض على حزب الدعوة
ثامر الحجامي
حسين رخيص؛ من لا يعرف قصة ذلك الجنوبي؟، حيث تجسدت فيها معاني الغيرة والإباء والحمية، التي حملتها تلك الشخصية البسيطة، حين لم تتراجع في مواقف العزة والكرامة، ولم ترهب حشود الباطل، وتتنازل عن مبادئها التي تربت عليها.
لقد كان حسين رخيص عريفا في صفوف الجيش، إبان الإحتلال البريطاني للعراق، رجلا جنوبيا من أهل الناصرية ربما لم يكن يجيد القراءة والكتابة، ولكنه حفر إسمه في صفحات التاريخ، وأصبح رمزا للرجولة لأجيال تتوارث قصته البطولية ووقوفه بكل شجاعة ضد الباطل.
لقد شاهد العريف حسين رخيص، ضابط الجيش البريطاني ” جيفرسون ” وهو يت*حر*ش بإمرأة من أهالي الناصرية ! محاولا الإعتداء عليها برفقة حمايته، عندها إهتز كيان رخيص وغلت الدماء في عروقه، وحضرته حكايات دواوين القصب عن الغيرة، وأهازيج أهل الهور عن الحمية، ودفاع الرجال الأفذاذ عن أعراضهم.
كان يمكن لحسين رخيص أن يطرق برأسه الى الأرض، وكأن شيئا لم يكن، ويحفظ منصبه ومرتبه، ويتعامل مع الحادثة وكأن شيئا لم يكن، فالذي أمامه ضابط في جيش يحكم العالم، ومملكته لا تغيب عنها الشمس، ولكن جن المروءة، وشيطان الغيرة، تغلبا عليه فأخرج مسدسه وأطلق النار على جيفرسون فأرداه قتيلا ولاذ حمايته بالفرار.
أضطر حسين رخيص أن يدفع ثمن غيرته وشجاعته، فتشرد في القرى والمدن، وهرب الى الكويت فترة، لكنه عاد الى الوطن، فألقى الإنكليز القبض عليه وأعدم، لكن أهل الناصرية قاموا بتكريمه بأن نصبوا له تمثالا كبيرا على شاطئ الفرات وهو ممسك بمسدسه وتحت قدمه ممد تمثال جيفرسون، دلالة على غيرة وكبرياء أهل الجنوب التي حطمت غطرسه المستعمر البريطاني.
بعد عام 2003 ودخول قوات الإحتلال الى العراق، توجهوا الى تمثال حسين رخيص، وأقنعوا السكان بإنهم سوف يقومون بصيانته، فأزالوا تمثال جيفرسون وبقى تمثال حسين رخيص وحده واقفا الى يومنا هذا، محاولين طمس تاريخ أمة، وإلغاء هوية شعب، تربى على العزة والكرامة والإباء.
ليس تمثال جيفرسون من أزاله الإحتلال، بل حاولوا تثبيت كيان سياسي في إدارة العراق تابع لهم، ينهل من أفكارهم، ممسكين بخيوطه يحركونها كيفما أرادوا، يدعى الإسلامية وما هو منها، يدعي الزهد والعفاف، وهو يمارس أبشع أشكال الفساد والسرقة، يدعي الحفاظ على وحدة الوطن، وهو يمارس أبشع أساليب التقسيم تحت أعذار طائفية وإجتماعية.
صنع هذا الكيان السياسي حكومتين، واحدة تتصارع عليها الأحزاب المشاركة في العملية السياسية، والتي يتزعمها منذ 15 سنة، وأخرى حكومة ظل خالصة له لا يستطيع أحد الاقتراب منها، تسيطر على أموال العراق وإعلامه وأمنه وأغلب مفاصل المهمة، تحتوي على أعداد كبيرة من وكلاء الوزارات والمستشارين والمدراء العامين، يصل عددهم الى 3 آلاف شخص.
شهدت ليلة الثاني من أكتوبر، حدثا كبيرا في تاريخ العملية السياسية في العراق، حيث انتهت معها حقبة الدعوة لثلاث دورات متتالية، شهد العراق فيها، حوادث لم يشهدها العالم مجتمعا، تسلم زمام الأمر هذه المرة أحد أحفاد حسين رخيص وأبن مدينته، فهل سيسدد المسدس الى رأس جيفرسون؟.