مقالات دينية

تحدي د. الكسيس كاريل عذراء لورد

تحدي د. الكسيس كاريل عذراء لورد

إعداد / وردا إسحاق قلّو

تحدي د. الكسيس كاريل عذراء لورد

   الدكتور ألكسيس كاريل طبيب مبدع ورجل الإكتشافات العلمية الباهرة ، والحاصل على جائزة نوبل . ولد في 28 يوليو 1873م  في مدينة ليون الفرنسية. درس في مدرسة الآباء اليسوعيين ، وبعد ذلك درس الطب في جامعة المدينة متخصصاً بجراحة الأوعية الدموية . فقد إيمانه باكراً على أثر إنكبابه على مطالعة مؤلفات المفكرين الملحدين ، ولطبيعة تخصصه الذي كان التعامل مع أجسام مادية لم يجد فيها مكاناً للروح .

    كان رائداً في زرع الأعضاء في أجسام الحيوانات . نجح في زرع كِلية كلب ، وعممها مع حيوانات أخرى ، ونال جائزة نوبل للطب والفيزيولوجيا سنة 1912 وعلى نجاحه في جراحة الأوعية الدموية . وزرع قلب لديك جعلهُ يعيش ضعف العمر العادي . سافر إلى كندا وأميركا لمواصلة إختباراته حول القلب الإصطناعي ، وإكتشافات جديدة في الشريان الأورطي، وأبحاث إنسانية كثيرة حتى تقاعده عام 1939 . كان الطبيب كاريل ملحداً ، وضع 15 مؤلفاً علمياً ودينياً فضلاً عن المقالات والمحاضرات والأبحاث في المجلات العلمية المتخصصة . ومن مؤلفاته ذات الطابع الديني : الرحلة إلى لورد . وفي الجانب العلمي كتاب ( الإنسان …ذلك المجهول ) الذي يضم تجاربه عن الإنسان والحياة .

  مارس الطب في بلده وفي أميركا في جامعة شيكاغو ، وفي معهد روكفلر للأبحاث في نيويورك. طَوَّرَ كاريل أساليب جديدة لخياطة الأوعية الدموية ، وكان رائداً في نقل وزراعة الأعضاء الحية . كما كان عضواً في عديد من المؤسسات التعليمية في الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا والسويد وروسيا وهولندا وبلجيكا والفاتيكان وإيطاليا وألمانيا واليونان كما حصل على شهادة دكتوراه فخرية من ستة جامعات عالمية . 

   كان هذا الطبيب من أشد المعارضين والمتهكمين على العجائب التي تحصل في لورد ، وكثيراً ما كان يتجادل مع زملائه حول هذا الموضوع . معتبراً أن ما يحصل هناك ما هو سوى مجرد ( إيحاء ذاتي ) فأجابهُ أحدهم ( ولكن هناك السرطان والأمراض الجلدية ، والعمى منذ الولادة ، والكسور في العظام وغيرها التي حقق فيها المكتب الطبي في لورد ، وهو مؤلف من أطباء من كل الأديان ، ومن بعض الملحدين )  . فرد عليه كاريل :

 ( مستحيل ! فالأعجوبة لم تثبت علمياً حتى اليوم ، لا بل هي مستحيلة ، فنواميس الطبيعة لا تتبدل ، وليس هناك من برهان على حقيقة الحدث ، فليضعوني أمام حدث واقعي واحد ، فأنحني أمامهُ ) هذا التحدي ردت عليه العذراء بتحدٍّ ساطع وصاعق أمام عينيه وبين يديه فتحول في عام 1902 من مشكك في الرؤى والمعجزات التي تم الإبلاغ عنها في مدينة لورد ليصبح مؤمناً كاثوليكياً بعد أن شهد شفاء ماري بايلي الذي لم يقدر على تفسيره . المجلة الكاثوليكية ( لو نوفاليست ) ذكرت أنها عينتهُ كشاهد رئيسي على علاجها . ألكسيس رفض أن يهمل شرح أمر خارق للطبيعة ، وأكد على معتقداته بإصرار ، حتى ألف كتاباً بعنوان ( الرحلة إلى لورد ) يصف تجربته ، لكنه لم ينشرهُ لكي لا يضر بمسيرته بين زملائه الأطباء . تم نشره بعد أربع سنوات من رقاده .  في هذا الكتاب روى ما حصل معه في القطار وهو إلى جانب مريضته ماري فيّران ، وكان يقدم لها المسكنات حتى تصل معهُ إلى المدينة المريمية ( لورد ) على قيد الحياة ، وكان يأخذ ضغطها بين حين وآخر ، وقال :

  ( كنت خائفاً أن تموت بين أصابعي ، وإذا شفيت هذه الفتاة ، فسيكون ذلك معجزة ، وسأؤمن حينئذ بكل شىء وأصير راهباً ) .

  المريضة مصابة بسل وراثي متدرن من الدرجة الأخيرة ، وفي حالة إحتضار متسارع ، وهي قد نذرت بأن يغطسوها في مياه المغارة في لورد . فعارض الطبيب لأن ذلك يقضي عليها فوراً . وأمام إصرارها وعلى مسؤليتها ومسؤلية أهلها ، سمح بأن يمسح جسمها بقليل من الماء ، فحملوها على عربة نقاله إلى المغارة برفقة الطبيب الملحد كاريل الذي رفع صلاة تحدي إلى العذراء قائلاً لها :

 ( آه ، كم أتمنى مع كل هؤلاء التعساء أن أؤمن بأنك لست فقط ينبوعاً عذباً إختلقتهُ إدمغتنا أيتها العذراء ، إشفي هذه الفتاة ، لقد تألمَتْ كثيراً ، وإسمحي لي بأن أعيش قليلاً وإجعليني أؤمن ) . وفجأةً ، ظن ذاته بأنه يهذي ، فأمام عينيه قامت المريضة المنازعة ، وعاد اللّون إلى قسمات وجهها وجسمها ، وأصبح ضغطها عادياً ، وزال حجم بطنها المنتفخ ، فدوَّنَ بقلمهِ على كمّ قميصه :

  ( الساعة الثانية وأربعون دقيقة ، صرخت المريضة ، لقد شفيت ، فسقوها كوب حليب ، وإختفى المرض ، وزال كل أثر للإنتفاخ والألم . إنه أمام منازِعَة عادت إلى الحياة مع قليل من الضعف ، وكانت الساعة الرابعة ، فكتبت : ” إنه أمر مستحيل . إنهُ شىء غير متوقع . إنها إعجوبة حصلت ) .

   وطوال المساء والليل ، راح كاريل يدرس هذا الحدث ويسجل التفاصيل مع طبيبين من زملائهِ ، وبعدها سأل الفتاة :

 ماذا تريدين أن تفعلي بعد الآن ؟ فأجابت : ( سأذهب إلى راهبات مار منصور دي بول ليقبلنني عندهن للإعتناء بالمرضى ) .  دخل الطبيب إلى البازيليك وجلس إلى جانب رجل عجوز واضعاً رأسه بين يديه وصلّى قائلاً :

  ( أيتها العذراء الكلية العذوبة ، إني أؤمن بك . لقد أردت أن ترتدي على شكّي بأعجوبة ساطعة لا أعرف كيف أراها ، ولا أزال مرتاباً بها . ولكن رغبتي الكبرى والهدف الأسمى لكل ما أتوق إليه هو أن أؤمن ) .

مع كل ماحصل أمام عينهِ ، وكل ما تعهد للعذراء بأنهُ سيرتد ويصير راهباً ، لم يحصل الإرتداد النهائي ، إنه بداية الطريق ، وتحضير لمسيرة طويلة لعدة سنين تتخللها أسفار وأبحاث وإكتشافات في عالم الطب ليتحرر من الرواسب المتمكنة منهُ . عاد إلى مدينة ليون بعد هذه الصدفة التي تلقاها في مقام أم الله والبشر .

     قدَّمَ امتحاناً شفهياً أمام لجنة الأطباء لقبوله كجراح في مستشفيات المدينة وراح يحدثهم عما حصل له في لورد عن صحة الأعاجيب ، فكان ردهم عليهِ ( لا تتعب نفسك بمثل هذه الأفكار ، لم يعد لك من مكان بيننا ) فأسقطوه في الفحص وصرفوه .

  في سنته الأخيرة كان مع أصدقائه الرهبان السيسترسيين ورئيسهم الأب ألكس بريس ، والطبيب إستدعاهم إلى منزله . فخاضا حوار طويل حول حياته وأستعداده لملاقات وجه ربه ، وأنه كان قد أعدَ كابيلا صغيرة في داره ، وكان الراهب يقيم له الذبيحة الإلهية فيها كل نهار أحد وعيد ، ويناوله القربان المقدس . كان يعبد الله بقبول الأسرار المقدسة ، أعترف وقبل الزاد الأخير والمشحة الأخيرة ببساطة طفل . وفي 5 تشرين الثاني سنة 1944 أسلم روحه لله في كابيلا سان جيلداس في باريس وخاصته محاطاً بأصدقائه الرهبان السيسترسيين .

التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) ” 16:1 “.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!