على هامش رأي البابا في السياسة!
الكاتب: الشماس د. كوركيس مردو
على هامش رأي البابا في السياسة!
في حوار لقداسة البابا فرنسيس الأول مع شباب المدارس اليسوعية يوم الجمعة الموافق للسابع من حزيران 2013 في قاعة بولس السادس بالفاتيكان، رَدَّ قداستُه على حزمةٍ من الأسئلة التي طُرحت خلال الحوار ومن بينها: سؤال يتعلق بالعمل السياسي، فكان جواب قداسته التالي:
< حسن جداً، إنَّ العمل السياسي هو واجبٌ على كُلِّ مسيحي، نحن المسيحيون لا يُمكننا التنصل عن الواجب ونلعب دور بيلاطس بغسل أيدينا من المسؤولية! هذا ليس ممكناً! علينا أن ننخرط في السياسة، لأن السياسة هي أعلى شكل من أعمال المحبة، حيث تسعى لتحقيق الخير العام! يجب على المسيحيين العلمانيين الدخول في المُعترك السياسي. ستقولون لي: “إنَّ ذلك ليس بالأمر السهل” ولكن، “أن يكون الشخص كاهناً ليس بالسهل أيضاً”، ليس هناك شيءٌ سهلاً في الحياة، الحياة ذاتها ليست سهلة “السياسة فاسدة” ولكن لأسأل نفسي: هل هي فاسدة لأن المسيحيين ليسوا منخرطين بها بروح تبشيرية؟ ما أسهل أن نقول ” إنه خطأ فلان” ولكن لا أسأل ما الذي فعلته أنا؟ إنه واجب، العمل من أجل الخير العام هو واجب كُلِّ مسيحي! وغالباً ما يأتي هذا العمل عبر الطريق السياسي. هنالك طرق اخرى، كأن يكون المرء استاذاً فهو طريق آخر! ولكن النشاط السياسي من أجل الخير العام هو واحد من هذه الطرق! هل هذا واضحٌ؟>
ماذا يمكن استخلاصُه من حديث قداسة البابا وهو بهذا الوضوح؟ برأيي الشخصي، أرى قبل أن يكون بمثابة تشجيع لكُلِّ مسيحي علماني ذي كفاءة للإنخراط في العمل السياسي، هو التزام مفروض برأي قداسته، على المسيحيين العلمانيين أن يخوضوا مُعتركه! وفي هذا السياق أكَّدَ سينودس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في الفقرة الثامنة من بيانه الختامي، حيث نَصَّت< يؤكد الآباء أن ما جاء في رسالة غبطة البطريرك بخصوص العمل القوميّ والسياسي هو للعلمانيين المقتدرين. ونحنُ نشجعهم على بناء مدارس لتعليم لغتنا وإنشاء مراكز ثقافيّة واجتماعية تعنى بالتراث والفن والثقافة، وتشكيل أحزاب سياسيّة تدافع عن كرامة الناس وحقوقهم، لكن لا يمكن لأفراد الأكليروس بجميع درجاتهم الانخراط فيها أو التحول إلى دعاة لها. على أعضاء الاكليروس الالتزام الكامل بدعوتهم الكهنوتية وخدمة كلِّ الناس من دون تفريق.>
ولديَّ هنا تعليق بسيط، بأنَّ بناء مدارس لتعليم لغتنا الكلدانية يقع على عاتق الكنيسة وعلى مستوى أبرشياتها وبما فيها الأبرشية البطريركية وكما سبق لي أن اقترحت بأن خير مَن يستطيع القيام بهذه المهمة، هن راهباتنا الكلدانيات الفاضلات الغيورات!إنَّ الأحزاب السياسية الكلدانية غير قادرة مادياً على تسيير شؤونها، بسبب حرمانها من أية مساعدة مالية لا من الحكومة المركزية ولا من حكومة الإقليم، بعكس كافة الأحزاب العراقية الأخرى التي تحصل على تمويل سواءً من حكومة المركز او الإقليم . وكُلُّ محاولات الأحزات الكلدانية الحُرة في إقناع الحكومتين بدعمهم مالياً باءت بالفشل ولم تسمع منهما غير الوعود. ولا ندري لماذا هذا الكيل بمكيالَين! فكيف تستطيع القيام ببناء مدارس وتوفير الكادر التدريسي في ظرفها الراهن؟.
على مَرِّ التاريخ كان رؤساء الكنيسة الكلدانية من جثالقة وبطاركة هم الذين يرعون شؤون شعبهم لدى الملوك والخلفاء والسلاطين، وفي ذات الوقت يُشجعون أبناءَها على اكتساب العلم بحقوله المختلفة لكي يؤهلهم للإنخراط في كُلِّ مرفق تابع لمؤسسات الدولة، ومن خلال مراكزهم التي يحتلونها، كانوا يقدِّمون خدمة كبرى لرؤساء كنيستهم ولشعبهم. فكان للأطباء المسيحيين على سبيل المثال لا الحصر دورٌ بارزٌ بهذا الشأن لدى ملوك دولة الفرس الساسانيين وكذلك كان دورهم المشهود له في الدولتين العربيتين الأموية والعباسية، ثم الدولة المغولية على اختلاف أقوامها وكان آخرهم بنو عثمان. وليس من شكٍّ بأن الأنظمة الحاكمة آنذاك كانت تختلف عن أنظمة اليوم بشكل كبير، ولكن التكيُّف مع نظام الحكم في أيِّ وقت هوالمطلوب من الرؤساء ليتسنّى لهم رعاية شعبهم.
ليس لديَّ ريبٌ أبداً، بأن رئاسة كنيستنا الكلدانية تعرف حدودها جيداً ومدى ونوعية مشاركتها في مجرى الأحداث السياسية، فهي تعلم جيداً ما يُمليه عليها ” علم اللاهوت السياسي” الذي اعتمده المسيح الرب عندما كان يُخاطب سلطات زمن رسالته، بأنه لم يأتِ كقائد سياسي زمني لتحرير قومه اليهود من نير الإستعمار الروماني، بل ليؤسس عهد خلاص جديداً لبناء ملكوت الله على الأرض، وعلى مثال المسيح السياسي يجب أن يسلك رعاة الكنيسة في الطريق السياسي مُعتمدين على الإنجيل فهو يفيض بما تُمليه السياسة ويُندِّد بما تجلبه السياسة الخاطئة من مساويء. ليس صحيحاً إبعاد الدين كلياً عن السياسة لأن اللاهوت السياسي يُعارض هذا النهج ولا يقبل أن يُصبح الدين شأناً شخصياً فقط، إذ إنَّ إزالة الرقابة الدينية تُتيح للسياسيين الإنفراد بالساحة السياسية للقيام بما يحلو لهم! للمؤمنين دورٌ مُهمٌّ يُحتِّمُه عليهم الكتاب المقدس، لإظهار الحق وكشف الكذب والخداع وهذا لا يتأتّى إلا بالولوج الى ميدان السياسة.
أيها السياسيون الكلدان وعلى ضوء ما تقدم ذِكرُه، علينا نحن الكلدان في الوطن وفي كُلِّ مكان، أن نأخذ عبرة مما بذلناه طوال عقدٍ من الزمن لإفهام إخوتنا الكلدان النساطرة بقولنا لهم، بأنكم كنتم ولا زلتم إخوة لنا، وإن ما يجمعنا هو أكثر وأفضل مِمّا يفرِّقنا، وليس من الإنصاف والعدل أن تتعاملوا معنا باسلوبٍ أقلّ ما يُقال فيه، بأنه استعلائيٌّ معيبٌ لستم أهلاً له، إذ لا يمكن للفرع أن يتحدى الأصل، دعو الأفكار السيئة السوداء التي زرعها في أذهانكم الإنكليزيُّ الخبيث، بأنكم بقايا آشوريي التاريخ المنقرضين قبل الميلاد بأكثر من ستة قرون، لقد قالها بخبث ورياء لآبائكم مشفوعة بوعدٍ كاذب ليس له أدنى نصيبٍ من الوفاء بل كان إغراءً لإستخدام آبائكم ككبش فداءٍ على مذبح أطماع وأهداف مملكته الشريرة، وكان ما جرى لهم من المصائب والويلات اكبر شاهد على ما ذكرناه، الم يُعرِّضهم للق*ت*ل فخسروا أكثر من نصف عددهم على ايدي الأتراك والأكراد والإيرانيين؟ وخشية القضاء على البقية الباقية منهم، اضطرَّ لجلبهم الى العراق الذي كان آنذاك تحت انتدابه. لقد تجاهل إخوتنا النساطرة كُلَّ هذه الحقائق، وظلوا متشبثين بالخرافة التي برع الإنكليزيُّ بصياغتها أدَّت بهم الى التعصُّب لها الى حد المَمات، ولم يكتفوا بذلك بل حاولوا ولا زالوا يُحاولون فرض خرافتهم على بني الكلدان الكاثوليك الأحرار.
ولذلك أيها الكلدان النجباء، إنَّ أيَّ اندماج أواتحاد لا تتوفَّر فيه إرادة صادقة للفرقاء، الى جانب نيَّةٍ صافية وثقةٍ مطلقة وقناعة بعدالة القضية التي يسبقها إعداد لأرضيةٍ مناسبة في جوٍّ صحي، يكون مصيره الفشل وهذا ما لم يحصل بيننا وبين إخوتنا النساطرة رغم سعينا المخلص! وبعد أن انقطع الأمل، ولكي نُسرع نحن الكلدان بمسيرتنا السياسية التي حدَّدها المؤتمر القومي الكلداني العام في مشيكان في بيانه الختامي، الذي أعلن فيه عن انبثاق “اتحاد القوى السياسية الكلدانية” علينا جميعاً اينما كنا في الوطن الأم او في بلدان المهجر وحتى العالقين مِنا في بلدان الإنتظار للحصول على قبول طلبات الهجرة، أن نُظهر مشاعرنا القومية في أيِّ مجال أو فرصةٍ مؤاتية، نُعبِّر عن أحاسيسنا المكنونة في دواخلنا، نزرعها في أذهان أبنائنا وأحفادنا ليعتزوا بهويتنا القومية الكلدانية لتبقى خالدة في ذاكرتهم، وبذلك نكون قد رسمنا لوحة مشرقة لماضينا، ننقل عنها راية لحاضرنا، نُشارك فيها إخوتنا في الوطن لرسم مستقبل زاهر وآمن لمجموع شعبنا العراقي!
من الواجب على كُلِّ كلدانيٍّ حُرٍّ وأبيٍّ وكُلِّ كلدانية ماجدة، الوقوف بعزم وتصميم الى جانب “اتحاد القوى السياسية الكلدانية” وإسناده معنوياً وإعلامياً ومادياً، لكي يتسنّى له الدخول الى الإنتخابات المقبلة بشوقٍ وقوةٍ للظفر بمقاعد برلمانية وهذا لن يتحقق إلا بفضل أصواتكم وفقط أصواتكم أيها الكلدان المخلصون الأحرار. وعلينا أن نبارك ونقدرعالياً موقف كنيستنا برئاستها الجديدة والغيورة التي تباهت بهويتها القومية الكلدانية وأعلنت ذلك في البند السابع من البيان الختامي للسينودس ندرج أدناه نص التصريح:
<تفتخر كنيستنا بهويتها الكلدانية بأنها تعود بتاريخها إلى زمن الرسل، إلى توما وأدي وماري، هؤلاء الذين جاءوا من بعيد ليشهدوا للمسيح ويحملوا بواسطتنا البشرى إلى أقطار العالم البعيد حتى الهند والتبت والصين، هؤلاء الآباء يقولون اليوم لأبنائهم وبناتهم، لقد عدتم إلى الانتشار في أنحاء العالم الأربع، لا تنسوا أن كنيستكم رسولية. احملوا معكم ذاك الروح الذي حمله آباؤكم المبشرون فتشهدون مثلهم على غنى كنيستكم العريقة وعلى قيم تربيتكم عليها. كما يقول آباء السينودس للباقين لا تستسلموا للواقع الصعب، تعالوا نبني الإيمان على شعار “أصالة، تجدد ووحدة” فنجعل من هذا التعاون أنموذجًا يحتذى به في كل مكان> .
الشماس د. كوركيس مردو
في 27/6/2013
..