مقالات عامة

عدم الاعتماد على الأُعجوبة

عدم الاعتماد على الأُعْجوبة
قصّة نَظْمي فارس إبراهيم صدقة 1911–1993
Don’t Trust the Miracle
A Story by Naẓmī Fāris Ibrāhīm Ṣadaqa 1911-1993
ترجمة ب. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي

בנימים צדקה (כתב וערך), אוצר הסיפורים העממיים של הישראלים השומרונים. מכון א. ב. ללימודי השומרונות, הרגרזים–חולון 2021, כרך ב’ עמ’ 507-505.

الخوف من السفر إلى يوم الغفران في نابلس

”من فضلك، اِسمح لي أن أبدأ القصة على الفور. من الأهمّيّة بمكان، تناول الموضوع دون مقدّمات، لأنّي مشغول بالتحضيرات لأيّام المغفرة والرحمة، عشرة أيّام المغفرة، وهي تسعة أيّام التوبة، وعاشرها يوم الغفران العظيم. بالكاد نستريح من الصوم، لنبدأ حالًا في تحضير المظلّة. وإن سمحت لي، هذا يذكّرني بتلك الأيّام البعيدة، أيّام صداقتي مع شقيقيّ المرحومَين ، البِكر إسحاق والصغير سرور، لتكن جنّة عدن مسكنهما، أيّام سُكنانا في تل أبيب يافا.
ما أقُصُّ عليك وما أقول؟ حياتُنا في يافا لم تكن سهلة. الحياة خارجَ نابلس كانت صعبةً لحدٍّ ما، ليس أقلَّ من صعوبة الحياة في نابلس ذاتها. بالكاد كنّا نستطيع توفير قوت يومنا. وكانت كلّ سفرة من يافا إلى نابلس بالنسبة لنا، تجربة لا تُنسى لوقت طويل. وكانت كلّ زيارة لنابلس قصيرة، بسبب التكاليف الباهظة هناك بالنسبة لنا، وضعنا الاقتصادي كان صعبًا جدًّا.
بالرغم من ذلك، حاولنا دائمًا زيارة نابلس في الأعياد وفي يوم الغُفران. أردنا دومًا تمضيةَ يوم الغفران مع أبناء طائفتنا في نابلس. ليس نحن فقط، بل جميع أبناء الطائفة الذين سكنوا خارجَ نابلس، رغِبوا بزيارة نابلس للاحتفال بيوم الغفران في الكنيس. كان لدينا شعور قويّ أن نكون معًا.
ما أقُصُّه عليك قد حدث في عشيّة يوم الغفران في العام 1942. جميع أبناء الطائفة المقيمين خارجَ نابلس سافروا من يافا في ساعة مبكّرة صباحا. ومن ضمنهم كان عمّي المرحوم، حسني إبراهيم صدقة، المعروف بالكُنية ”سيدو“. في ذلك الصباح، استفسر ”سيدو“، الذي اهتمّ بنا وساعدنا دائمًا في كل شأن، في ما إذا كان كلّ شيء عندنا، على ما يُرام بخصوص السفر إلى نابلس، لأنّه علِم بأنّه كان علينا عشيّة يوم الغفران العمل، وهذا كان صعبًا علينا ولم ننوِ أن نخسر يوم عمل.
عرفنا أنّنا في اليوم التالي لن نستطيع العمل بسبب صوم الغفران، ولم نُرد خسارةَ يومي عمل. طمئنّا ”سيدو“ وقلنا له لا داعيَ للقلق، إذ أنّنا سنُنهي العمل، أخي إسحاق وأنا، في ساعة مبكّرة من بعد الظهر، ورأسًا سنسافر إلى نابلس، برِفقة المسنّ يعقوب بن سمعان الدنفيّ الذي تأخّر أيضا.
اِصطحب ”سيدو“ معه بقيّةَ العائلة، أخي إسحاق وأنا توجّهنا إلى العمل. عند منتصف النهار تقريبًا، استقللنا مع العم يعقوب سمعان الباصَ إلى نابلس. والباص من الطراز القديم، كان يمرّ بحيّ هتكڤه/الأمل فقلقيلية حتّى نابلس.

الوقوع في ازدحام مروريّ

كنّا نستطيع الوصول إلى نابلس بحسب حساباتنا، ولكنّنا فوجئنا بما لم نحلُم به في أسوأ أحلامنا. ”علق“ الباص
في وسط الجسر المؤدّي لحيّ هتكڤه بسبب ازدحام مروريّ خانق، لم ير أحدٌ منّا لا رأسه ولا ذيله. وهكذا ”علقنا“ وقتًا طويلا، بدأ الوقت ينفد.
بدأنا نتعرّق من شدّة التوتّر و”التعصبن“. بدأ عقرب الدقائق يعدو كالمجنون. اقتربت ساعة الصلاة ونحن ما زلنا عالقين في تل أبيب. تخيّلنا كيف يكون أقاربنا على عجلة من أمرهم لقلقهم بسبب تأخّرنا. اتّضح لنا بعد ذلك بأنّ ”سيدو“ تنقّل من مكان لآخرَ في نابلس كليث مُكبّل مستصعبًا تخمين سبب تأخّرنا لهذا الحدّ، وكذلك العمّة زينب أخته، أمّ النور، كانت منفعلةً جدّا. هم لم يتمكّنوا من إنقاذنا من رعب يوم الغفران العظيم الوشيك.
تمكّنتِ الحافلة أخيرًا منَ الخروج من الازدحام المروريّ. حسنًا، يمكنكم أن تتخيّلوا شكل الحافلة وكيف كانت تسير في عهد الانتداب البريطانيّ، في العام 1942. مرة أخرى، تأخّرنا في قلقيلية قليلا. الطريق لم يكن سالكًا بالمرّة؛ سافر الباص ببطء، وعند كلّ مطبّة صادفته كان قلبنا يقفز أيضا. في غُضون ذلك، حلّ المساء. عزمنا على الوصول إلى نابلس غير آبهين بما سيكون، وذلك فقط للتخفيف من الضغط الشديد الذي تحمّله بالتأكيد أقاربنا.
وصلنا نابلس في ساعة متأخّرة، في الحقيقة، في ليل يوم الغفران. بالرغم من الغضب والعار على الخطيئة التي اقترفناها، لم يُخفِ أقاربُنا فرحَهم برؤيتنا. تنفّس أبناء الطائفة الصُّعَداء، إنّهم علِموا أنّ ما حدث كان خارجَ إرادتنا.
هنالك وقفت منفعلةً زينب الثانية، أمّ راضي، شقيقة يعقوب سمعان الدنفيّ، لأنّ أخاها قد تأخّر لهذا الحدّ، وهي تفكّر بما ستفعل بكلّ الطعام الذي أعددتْه له. وقفنا هناك خائري القِوى، نرتجف لأنّنا دنّسنا ليلة الصوم. لم نأبه بما قاله أقاربنا من كلمات التهدئة والندامة.
لحسن حظّنا، كنّا في الطريق، قد تناولنا قليلًا من الخبز العربيّ (كماجة صغيرة/قرصة، پيته اليوم) والزيتون اللذين أعطانا إياهما العمّ يعقوب سمعان. لولا ذلك لانهرنا، لانعدام المأكل والمشرب.

عدم الاعتماد على الأُعجوبة

خرجنا حالًا إلى الكنيس نظيفين ومغسولين. أتذكّر العمَّ حِكْمت/إسماعيل واقفًا يتلو بيت ”صاحبي“، البيت الثامن في قصيدة ”إلى فتحة رحماتك نتقدم“، حوالي الساعة العاشرة ليلًا، عند دخولنا الكنيس. وقف أبناء الطائفة مرحّبين بنا، مطلقين عبارات التشجيع والتهدئة.
بانتهاء يوم الغفران.انطلقنا إلى بيت العم الأمين صالح الصباحيّ حيث تناولنا الإفطار. اِتّخذنا قرارًا بألّا نخاطر ثانية. أوصى ”سيدو“ أو بالأحرى أمر، بأنّه من الآن فصاعدًا علينا السفر إلى نابلس قبل يوم الغفران بيوم. وافقنا بالإجماع على هذا الاقتراح، في وليمة انتهاء الصوم.
هذا ما وددتُ أن أُوصله لكم عبرَ القصّة الشائقة، التي سردتُها لكم كي أخلُصَ إلى القول، لا تتّكلوا على الأعاجيب. كما تروْن، لم تحدث لنا أُعجوبة، ووصلنا إلى وُجهتنا بتأخير كبير، مُتعَبين مُنهكين، جائعين وعطشانين. مثل هذه التشويشات ما كانت لتحصل لو خطّطنا السفر مسبقًا. أضِف إلى ذلك، العمل لن يهرب، الأمر الرئيسيّ هو أن نعبد الله من كل قلوبنا، ومن كلّ أرواحنا وبكلّ قوّتنا. لقد ألحّ ”سيدو“ علينا كثيرًا أن نسافر معه، لئلّا نقع في تدنيس يوم الغفران، كان مُحقًا كالمعتاد.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!