مقالات

طبيعة الكون السوبر خلاّقة – حسن عجمي

الكون يُنتِج القوى الطبيعية والجُسيمات ما دون الذرية على نقيض مما يقول النموذج العلمي السائد. بالنسبة إلى فرضية الكون السوبر خلاّق، القوى الطبيعية والجُسيمات ما دون الذرية ليست مُحدَّدة سلفاً بل الكون يُنتِجها. و هذا يناقض النموذج العلمي السائد الذي يقول إنَّ القوى الطبيعية والجُسيمات مُحدَّدة مُسبَقاً و على أساسها يتكوّن الكون. أما فرضية الكون السوبر خلاّق فتؤكِّد على أنَّ الكون مُنتِج للجُسيمات والقوى الطبيعية و ليس نتيجة لها. هكذا الكون فعّال في إنتاجه للجُسيمات والقوى الطبيعية مما يفسِّر تنوّع القوى الطبيعية واختلاف الجُسيمات فيما بينها. فالكون ليس نتيجة وجود جُسيمات و قوى طبيعية مُحدَّدة مُسبَقاً بل الكون سوبر خلاّق في صناعة القوى الطبيعية والجُسيمات ما دون الذرية. من المنطلق نفسه، الكون يُنتِج الزمكانات مما يفسِّر تمدّد الكون و توسّعه المستمر. فالزمكانات غير مُحدَّدة مُسبَقاً بل الكون يُنتِجها مما يجعله كوناً سوبر خلاّقاً. و الكون يُنتِج أيضاً الانفجارات العظيمة مما يفسِّر وجود مجرّات كبيرة في المراحل الأولى بعد الانفجار العظيم المعروف لدينا و التي من المفترض أن لا توجد إن لم تنشأ من انفجارات عظيمة أخرى يشكِّلها الكون.

القوى الطبيعية والجُسيمات ما دون الذرية

بالنسبة إلى فرضية الكون السوبر خلاّق، الكون يُنتِج القوى الطبيعية بدلاً من أن تكون القوى الطبيعية مُحدَّدة سلفاً. و بما أنَّ الكون يُنتِج القوى الطبيعية بدلاً من أن تكون القوى الطبيعية مُحدَّدة سلفاً، إذن من المتاح للكون أن يُنتِج قوى طبيعية عديدة ومتنوّعة ومختلفة (من جراء أنَّ القوى الطبيعية غير مُحدَّدة مُسبَقاً) مما يفسِّر تنوّع القوى الطبيعية واختلافها كالاختلاف بين قوة الجاذبية والقوة النووية. من المنطلق نفسه، الكون سوبر خلاّق لأنه يُنتِج أيضاً الجُسيمات ما دون الذرية بدلاً من أن تكون الجُسيمات ما دون الذرية مُحدَّدة سلفاً. ولذلك من المتاح للكون أن يُنتِج جُسيمات ما دون ذرية عديدة ومتنوّعة ومختلفة (من جراء أنَّ الجُسيمات غير مُحدَّدة مُسبَقاً بل الكون هو الذي يُنتِجها) مما يفسِّر تنوّع الجُسيمات ما دون الذرية واختلافها كالاختلاف بين الإلكترون والفوتون. و على ضوء هذه القدرات التفسيرية الناجحة تكتسب فرضية الكون السوبر خلاّق مقبوليتها وصدقها.

إنتاج الزمكانات و تمدّد الكون

طبيعة الكون سوبر خلاّقة أيضاً لأنها تُنتِج الزمكانات بدلاً من أن تكون الزمكانات مُحدَّدة سلفاً. و بما أنَّ الكون يُنتِج الزمكانات بدلاً من أن تكون الزمكانات مُحدَّدة مُسبَقاً، إذن من المتاح للكون أن يُنتِج زمكانات عديدة و جديدة و أن يتسارع في إنتاجها (من جراء أنَّ من وظائفه الأساسية إنتاج الزمكانات) و من المتاح أيضاً أن يُنتِج باستمرار تلك الزمكانات على أطراف الكون مما يفسِّر تمدّد الكون وتسارع تمدّده نحو تلك الزمكانات الجديدة والمتعدّدة التي يُنتِجها. هكذا تنجح فرضية الكون السوبر خلاّق في تفسير لماذا يتمدّد الكون ويتسارع تمدّده مما يدلّ على صدق تلك الفرضية على ضوء نجاحها.

الكون السوبر خلاّق والقوانين الطبيعية

تؤكِّد فرضية الكون السوبر خلاّق على أنَّ الكون يُنتِج قوانينه الطبيعية تماماً كما يُنتِج القوى الطبيعية والجُسيمات ما دون الذرية. و بما أنَّ الكون يُنتِج قوانينه الطبيعية بدلاً من أن تكون القوانين الطبيعية مُحدَّدة سلفاً، إذن من المتاح للكون أن يُنتِج قوانين طبيعية متعدّدة ومختلفة ومتعارضة مما يفسِّر وجود الاختلاف والتعارض بين القوانين الطبيعية كالتعارض بين القوانين الطبيعية الحتمية في فيزياء نيوتن وأينشتاين والقوانين الطبيعية الاحتمالية في ميكانيكا الكمّ. هكذا تنجح فرضية الكون السوبر خلاّق في تفسير الاختلاف والتعارض بين القوانين الطبيعية مما يشير إلى أنها فرضية صادقة.

الكون السوبر خلاّق والانفجارات العظيمة

بالنسبة إلى النموذج العلمي السائد، نشأ الكون من الانفجار العظيم الذي كان نتيجة للكثافة الهائلة للمادة والطاقة في زمكان متناهي الصِغَر [1]. لكن نظرية الكون السوبر خلاّق تؤكِّد على نقيض ذلك. تعتبر فرضية الكون السوبر خلاّق أنَّ الكون لم ينشأ من الانفجار العظيم بل الكون هو الذي يُنتِج الانفجارات العظيمة وبذلك الكون يُنتِج ذاته. بهذا المعنى أيضاً الكون سوبر خلاّق لأنه يُنتِج الانفجارات العظيمة بدلاً من أن يكون نتيجة انفجار عظيم. وبذلك مضمون فرضية الكون السوبر خلاّق نقيض النموذج العلمي السائد الذي يصرّ على أنَّ الكون قد وُلِد من الانفجار العظيم مما يدلّ على الابتكار الخلاّق ضمن فرضية الكون السوبر خلاّق لكونها تقلب النموذج العلمي السائد بتأكيدها على أنَّ الكون فعّال في إنتاج الانفجارات العظيمة بدلاً من أن يكون نتيجة الانفجار العظيم.

لقد أكّد الاكتشاف العلمي على وجود مجرّات كبيرة في المراحل الأولى لعالَمنا بعد الانفجار العظيم المعروف لدينا و التي لم يكن من المتوقع وجودها لأنَّ في المراحل الأولى بعد الانفجار العظيم من المتوقع نشوء مجرّات صغيرة و من ثم تتضخم لاحقاً [2]. هذا الاكتشاف العلمي قد يشير إلى أرجحية أنَّ الكون لم يتكوّن من الانفجار العظيم بل الكون يُنتِج الانفجارات العظيمة. فبما أنَّ الكون يُنتِج الانفجارات العظيمة، إذن من المتوقع وجود مجرّات كبيرة وعديدة في المراحل الأولى بعد الانفجار العظيم المعروف لدينا وذلك من جراء إنتاج الكون لانفجارات عظيمة متتالية سابقة لوجود الانفجار العظيم المعروف لدينا و التي تحتِّم نشوء مجرات في المراحل الأولى بعد الانفجار العظيم المعروف لدينا. هكذا تنجح فرضية الكون السوبر خلاّق (القائلة بأنَّ الكون يُنتِج الانفجارات العظيمة) في تفسير وجود مجرّات كبرى في المراحل الاولى بعد الانفجار العظيم (المعروف حالياً لدينا). و بفضل هذا النجاح تكتسب الفرضية السابقة صدقها.

إستحالة السلسلة السببية اللامتناهية

إن نشأ الكون من الانفجار العظيم فلا بدّ حينها من وجود آلية طبيعية تؤدي إلى نشوئه من الانفجار العظيم. وبذلك لا بدّ أيضاً من وجود آلية طبيعية ثانية أخرى تؤدي إلى وجود الآلية الطبيعية الأولى و لا بدّ حينها أيضاً من وجود آلية ثالثة تسبِّب وجود الآلية الثانية مما يستدعي وجود سلسلة لامتناهية من الآليات الطبيعية و هذا مستحيل لكونها سلسلة لامتناهية. من هنا، الكون لم ينشأ من الانفجار العظيم أي من جراء الكثافة الهائلة للمادة والطاقة في زمكان صغير جداً بل الكون يُكثِّف المادة والطاقة في زمكانات صغيرة جداً فيصوغ انفجاراته العظيمة و يبني ذاته باستمرار مما يجعله يتجنب الوقوع في سلسلة لامتناهية من الآليات الطبيعية المُسبِّبة لنشوئه. والسلسلة السببية اللامتناهية لنشوء الكون مستحيلة الحدوث لأنها إن وُجِدت لن يتمكّن الكون من الوجود في الحاضر لاستحالة اجتياز اللامتناهي.

نبوءة علمية

تتنبأ فرضية الكون السوبر خلاّق (القائلة بأنَّ الكون يُنتِج الانفجارات العظيمة بدلاً من أن يكون نتيجة لها) بوجود مجرّات أقدم من الانفجار العظيم المعروف حالياً. فبما أنَّ الكون يُنتِج باستمرار انفجاراته العظيمة، إذن لا بدّ من وجود انفجارات عظيمة تسبق الانفجار العظيم المعروف حالياً و تؤدي إلى نشوء مجرّات أقدم من الانفجار العظيم المعروف لدى العلماء. إن صدقت هذه النبوءة المعرفية، صدقت فرضية الكون السوبر خلاّق السابقة. و إن كذبت هذه النبوءة المعرفية، كذبت فرضية الكون السوبر خلاّق السابقة مما يدلّ على أنها قابلة للاختبار وبذلك هي فرضية علمية. ولكن إن لم ينشأ الكون من انفجار عظيم بل الكون هو الذي يبني انفجاراته العظيمة، إذن كيف نشأ ومِن أين؟ على الأرجح، الكون لم ينشأ بل الكون أزلي ويمارس إنتاج الانفجارات العظمى باستمرار مما يسبِّب تتالي تكوّنه وكأنه كون جديد.

الكون السوبر خلاّق وانسجام الكون

الكون منسجم فأينما نظرنا سوف نجد توزيعاً متساوياً للمادة والطاقة في الكون [3]. الآن، فرضية الكون السوبر خلاّق تنجح أيضاً في تفسير انسجام الكون. فبما أنَّ الكون يُنتِج قواه الطبيعية والجُسيمات التي يتكوّن منها بالإضافة إلى إنتاجه لقوانينه الطبيعية، إذن الكون يُنتِج ذاته باستمرار مما يتضمن أنَّ الكون ينسخ ذاته باستمرار في كلّ الزمكانات مما يفسِّر بدوره لماذا الكون منسجم (و ذلك من جراء تكرار نُسَخِه في كلّ الزمكانات المتعدّدة). هكذا تنجح فرضية الكون السوبر خلاّق في تفسير انسجام الكون. و هذا النجاح دليل إضافي على صدق تلك الفرضية.

فرضية علمية

فرضية الكون السوبر خلاّق فرضية علمية لأنه من الممكن اختبارها. فبما أنَّ، بالنسبة إلى هذه الفرضية، الكون يُنتِج القوى الطبيعية والجُسيمات ما دون الذرية والانفجارات العظيمة (بدلاً من أن تكون القوى الطبيعية والجُسيمات والانفجارات العظيمة مُحدَّدة سلفاً)، إذن من المتوقع أن يُنتِج الكون قوى طبيعية وجُسيمات وانفجارات عظيمة جديدة. وبذلك إن صدق التنبؤ السابق، صدقت فرضية الكون السوبر خلاّق. و إن كذب التنبؤ السابق، كذبت فرضية الكون السوبر خلاّق مما يدلّ على أنها قابلة للاختبار وبذلك هي فرضية علمية.

المراجع

1-Joseph Silk: The Big Bang: The Creation and Evolution of the Universe. 1989. W.H. Freeman & Company.
2-Adam Mann: Did the James Webb telescope ‘break the universe’? Maybe not. 2024. ScienceNews. & Hannah Devlin: James Webb telescope detects evidence of ancient ‘universe breaker’ galaxies. 2024. The Guardian.

3-Alan Guth: The Inflationary Universe. 1998. Basic Books.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!