ذكريات من الماضي العراقي القريب (1) المقدمة
الكاتب: عبدالله النوفلي
ذكريات من الماضي العراقي القريب
(1)
المقدمة
لكل منا وطن وُلِدَ بين حناياه؛ يحنُّ إليه ويبكي لفراقه او الابتعاد عنه ويُصاب بالمرض أحيانا وهو ما يُسمى (Home sick)، أي أن الوطن شيء كبير ومهم لكل واحد منا خصوصا للذي تربطه بوطنه ذكريات وأعمال ومساهمات تبقى عالقة بالذهن ولا يمكن محوها بسهولة، فكيف للإنسان أن يزيل من ذاكرته سنوات كثيرة من العمر الذي أصبح عليه بكل ما فيها من حلوِ ومر … ومن لحظات كان يشعر بها بالفخر لانتمائه لوطنه وأخرى شعر بها أن وطنه قد ألحق به مرارة عميقة وسبب له الألم الكثير والمبَرّح والتي تركت له آثارا في نفسه ليس من السهولة بمكان نسيانها أو محوها أو تجاوزها والابتعاد عن ذكرياتها، لأن كل شيء يبقى أثره واضحا ويطبع بصمته في هذا الكون المترامي الأطراف، وقديما كنت قد سمعت من جدي (ججو) رحمه الله والذي لم يكن قد درس الفيزياء أبدا ولا يعرف كنهها كان يقول: حتى هذا الدخان المنبعث من السيكارة التي كان يدخنها وقد أصفرت أصابعه من كثرة الامساك بها، كان يقول أنه يأخذ مكانا له في هذا الفضاء الواسع من الكون، فكيف لا تترك أثرا كل هذه الأفراح والأتراح وما يرافقها من انفعالات التي في مجملها لابد أن تترك لها أثرا في الذات الإنسانية حسب المكان والزمان.
والوطن هذه البقعة من الكرة الأرضية والتي لها الأهمية القصوى لدى الذات الإنسانية فكيف تكون أهمية الله خالق الكون كله ببشره وحيواناته ونباتاته وكل ما تحويه الأرض والسماء وهو أيضا ملهم كل الأنبياء والرسل ويسكن شئنا أم أبينا في ذاتنا ويصعب على الإنسان أن يميز أو يفضل ما بين الله أو الوطن.
فالوطن الذي يكون سببا في تخليد الإنسان وهو الذي يعطيه الحقوق ويكون على أديمه حرا ويمارس كامل حقوقه بحرية يكفلها له القانون، فكذلك فإن الله يخلّد الإنسان عندما يسير وفق الشرائع السماوية ويكون محبا للخير ويتحلى بالتقوى والإيمان ويتعارف مع الشعوب والقبائل ويعرف بصورة جيدة بل انه متيقن من أن الأكرم عنده تعالى هو الأكثر تقوى من غيره وأن الإيمان بالإله الواحد الأحد ليس فقط صوما أو صلاتا أو ترديدا للشعارات والأقوال بل هو أكثر من ذلك كونه ممارسات وأفعال حقيقية مع أخينا الإنسان الآخر، لأنني عندما أصوم لله فما هو نفع هذا للإنسان الآخر الجائع ولا يمتلك لقمة للعيش أو يضع رأسه وهو مهموم ومنهك من الجوع والعطش كونه لا يملك مالا يشتري به ما يقوت به نفسه أو كي يقوت أهل بيته وليس لهذا ليوم أو جزء منه فقط بل ربما يستمر لأيام وشهور أو قد يطول العمر كله، وهكذا من هو عارٍ وليس له ما يكسو به جسمه كي يقيه حر الصيف وبرد الشتاء، وأيضا ما فائدة الصلوات وأنا لا أزور مريضا كي أواسيه ولا سجينا أقوي من عزيمته ولا آخذ بيد مشردا كي أجد له مأوى وأمنع عنه عوادي الزمان.
ولكن يبقى الوطن هو تلك البقعة من الأرض التي اعيش عليها في حياتي الزمنية والأرضية المحدودة جدا إذا ما جعلنا بينها وبين الحياة الأبدية الغير زمنية مقارنة لأن هذه الأخير لا نهاية لها، هذا بالرغم من أنني قد لا أعيش طويلا كما هو حال الكثيرين على الأرض وأديمها خاصة تلك التي نولد عليها ونترعرع على أرضها، لأن للرحيل عن حياتنا هذه أسباب كثيرة تجعله لا يستمر بالحياة زمنا طويلا كغيره من البشر، وأيضا حياتنا على الأرض قد لا تستمر على بقعة دون غيرها لأن ظروف وأسباب كثيرة تدفع بالإنسان كي يهاجر ويجد موطنا آخر يحترم إنسانيته ويشعر على أديم أرضه بالأمان الذي افتقده في موطنه الأصلي، وهذه وغيرها تجعل كفة ارتباط الإنسان بخالقه أقوى من ارتباط الإنسان بأرضه وموطنه لأن الله يكون معنا حيثما نسافر وإلى أية بقعة نكون ونستقر فالكثيرين يحملون أعز ما يملكون معهم وأغلاه ثمنا حسب تفكيرهم وغاليا ما يكون وهو كتاب الله من ضمن ما يحملونه كونه يُشعرهم بالراحة النفسية ويكون لهم تعزية كبيرة وهم ينتقلون بين آياته وهم في أرض الغربة.
لكن الوطن لا يمكن محو ذكراه من أفكارنا بسهولة كما نقوم بمحو ذاكرة الكومبيوتر ويصبح هذا فارغا وجاهزا كي نخزن فيه معلومات جديدة وكأنه أصبح جديدا لم يُخزن به أية معلومات سابقة، فالإنسان العراقي نجده يتابع أخبار العراق بالرغم من كل قصص المآسي والأحزان التي عاشها على أديمه، ونجد الدماء تغلي في عروقه عندما يجد أية مناسبة يكون العراق طرفا فيها كالمنتخب العراقي مثلا حيث وبتلقائية يكون من أكثر مشجعيه ح*ما*سة حتى لو لعب ضد البلد الذي احتضنه ويصرف عليه أمولا كثيرة من أجل رعايته وحياته، فهل سألنا أنفسنا في مثل هه الحلات… لماذا؟
لا تفسير لذلك سوى أن الإنسان يبقى يحن للبقعة من الأرض التي وُلد على أديمها ويشعر شاء أم أبى أنه جزء منها ولا يستطيع أن ينفصل عنها مهما تحمل من عذابات أو شدائد أو ظروف اضطر بسببها للهجرة بعيدا عن وطنه باحثا عن ملجأ أمينا يساعده في الاستقرار والعيش الكريم واللائق حاله حال كل أبناء المعمورة بألوانهم وأعراقهم وأجناسهم.
ولكي لا نكون بعيدين عن العراق وطننا الذي شهد ولادتنا وترعرعنا بين حناياه وعشنا المُرة الشيء الكثير وقليل من الحلوة فسوف نقوم في القادم من هذه السلسلة من المقالات لتوضيح جانب من حالات عاشها العراقيون أجمع وسأركز على المُرة منها والتي أردت لها العنوان الذي وضعته في مستهل هذه المقدمة وكلي أمل أن أكون بهذا أؤرخ لفترات محددة ومعروفة للجميع خصوصا لمن كان راشدا حين حدوثها.
وربما سيشعر البعض أنه كان موجود في الحدث ولديه الذكريات عن بعض مما سأكتبه وقد تصلني من أحبتي القراء ملاحظات وأضافات كي يتم أغناء هذا التأريخ بالمعلومة الأكيدة والصحيحة بشخوصها الحقيقيين وذلك كي نكون امينين فيما نكتبه وسيجد القاريء الكريم أيميلي الشخصي في نهاية كل حلقة وسأكون مسرورا جدا لو كتب لي من كان شاهد عيان لما سيرد من أحداث في هذه السلسلة وقد يكون هؤلاء في العراق أو استراليا أو أي بقعة من العالم متمنيا للكل أن يبقى أمينا ولكل من يقرأ السلامة والصحة وأن لا يذوق أبدا مرارة الأحداث التي مرت قبل عقد من الزمان وما تلاه على عراقنا العزيز، وأطلب من جميع أخوتي الذين كانوا ضحية ما جرى ويجري أن يتفاعلوا إيجابيا مع الأحداث ويعيش حياته اليوم ويحاول جاهدا التغلب على الألم وينسى كل قصص المآسي التي مرت عليه وعلى أخوته العراقيين بعد ربيع 2003 رغم أن بعضا منها مازال يسبب المعاناة للبعض.
لذلك نصلي ونتضرع إلى الله القدير وبهمة المخلصين من أبنائه أن يحفظ الله العراق وأهله وكذلك كل بقاع المسكونة ويجعلها تعيش بأمان وسلام كي يلتفت الإنسان إلى إدامة الحياة حيث يعيش ويجعل من الأرض التي حواليه جنة كتلك التي وضع الله فيها أبوينا الأولين آدم وحواء وكي نصل إلى هذا الحال، علينا الانتقال من التمني إلى العمل الجاد والمخلص مهما كان شاقا كي يتحقق حلمنا كلنا بعراق أحسن ويعود عراق السواد … عراقا يُعتبر سلة غذاء للمنطقة … غنيا بأهله الطيبين الكرماء الذين إن قالوا فعلوا وإن أقسموا بشاربهم فإنهم يعملون المستحيل كي لا يضيع قسمهم هذا هدرا، ولن تكون هذه السلسلة سردا تاريخيا حسب الأزمنة سنة بعد أخرى إنما ستكون انتخابا لأحداث حسب حاجة الكتابة لورود الحدث فيها.
وكلي أمل أن تكون هذه المقالات مفيدة كما تابعت صدى نجاح سلسلتي الماضية عن المسيحيون العراقيون وأدعو من الله العون والتوفيق لي ولكل من يهتم بالأمر كي نحقق بعضا من تخفيف للمعاناة التي عشناها معا آملا أن يأتي اليوم الذي ينتهي نفق عراقنا المظلم ونخرج معا للنور البهي ونحن نجد السلام والأمان والأعمار قد وجد طريقه وقد أصبحت بغداد من عواصم الدنيا الأكثر نضافة والعراق من أكثر الدول في العالم شفافية وأقلها فسادا ويتم صرف موارده في المكان الصحيح ولا تمتليء بعد اليوم تقاطعات الشوارع والإشارات الضوئية بالمشردين والشحاتين ولا تكون هناك حفرة في شوارعنا وتكون الكهرباء مجهزة لبيوتنا على مدار الساعة ويستطيع العراقي التنقل بين أقطار الدنيا بحرية ويأخذ تأشيرة الدخول من المطارات حاله حال أبناء دول كثيرة تطبق هذا الحال، وأن تخلوا أرضه من الار*ها*بيين وينمحي الشر ويعم السلام، إن أمنياتنا موجهة إلى الله وهو القدير والسميع العليم وكلنا أمل أنه سيستجيب لبكاء الثكالى وطلبات المحرومين وسيضع حدا لكل ما يجري كي بعون منه ينتقل العراقيون من حال إلى حال … إنه سميع مجيب.
عبدالله النوفلي
2012
[email protected]
..