مقالات دينية

إبتعد من الغنى لتقترب من المجد

إبتعد من الغنى لتقترب من المجد

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( … لا تقدرون أن تخدموا الله والمال ) ” مت 24:6 “

   علمنا الرب يسوع في الصلاة الربية فقال ( إعطنا خبزنا كفاف يومنا ) فعندما يقتنع الإنسان بخبز الكفاف لإشباع جسده من الغذاء ، عندها سيقسم الجميع ممتلكاتهم بينهم فتنفق على الجميع بالتساوي وكما فعل جماعة المؤمنين في بداية المسيحية ، فكان كل شىء مشتركاً بينهم لأنهم كانوا يعيشون في إطار المحبة الحقيقية والتي كانت تضم الجميع إلى جسد المسيح الواحد بإنسجام ووئام تام .  فالذي يصوم عن الطعام لكي يعيش حياة الفقر ولا يدفع للبائس خبزاً واحداً فلا نفع إذاً سيكون له ولا يكنز لنفسه في السماء شيئاً ، علماً بأن أيام الصوم الذي يدعم بالصلاة والصفح يحتاج أيضاً إلى أن يعطي صدقة لمن يحتاج إليها ليعيش أقدس الأيام .

  كان المسيح غنياً جداً عندما كان جالساً على عرشه السماوي قبل التجسد . تنازل لمحبته للإنسان فتجسد وولد فقيراً لكي يغني بفقرهِ الجميع بعد أن قدم ذاته لكي يفتدي الجميع من أجل خلاصهم . وجرد من ملابسه وهو ما يزال حياً على الصليب فمات وقبر كما تموت الحنطة في الأرض لكي يعود منتصراً فعاد بالربح على كل من يؤمن به . هكذا فأن الخبزالذي يقدمهُ الإنسان للجائع سيعود عليه بالمنافع الكثيرة . فعلينا أن نفهم هذا الدرس ونعيشه وذلك عندما ننظر إلى الأرض التي تثمر كثيراً لا لأجلها ، إنما لكي تطعم بني البشر والحيوان . أما الإنسان الذي يقدم أعمال الرحمة للمحتاجين فأن النفع سيخزن له أولاً ، أي لأجل نفسه يفعل لأنه إذا أعطى الفقير إحساناً فإن ما يعطيه سيعود له مع ربح كبير وكأنه يقرض الله . فعلى الغني أن يصغي إلى أقوا وأمثال المسيح الذي أحبه ومات من أجلهِ . المسيح الذي إفتقر لأجله لكي يغنيه بفقرهِ .. فعلى كل مسيحي أن يقتدي بالمسيح ويضحي بأتعابه لمن هُم بأمس الحاجة إليها لكي يرتقي في سلم المحبة نحو الأعالي . فالغني الذي أ{اد أن يهدم مخازنه لكي يزيد حجمها جاءه الملاك لينهي طموحه . والغني الذي لم يرحم لعازر يوماً ، كان إنساناً غنياً وغبياً لأنه لم يجمع لنفسه من مال الظلم لآخرتهِ . وأن أفظع أشكال الجشع هو أن لا يعطي الميسور ولا حتى من فتات الطعام الزائد من مائدته لمن هو بحاجة إليهِ . أو الفائض عن حاجته كما تعل الدول الغنية التي تلقي بآلاف الأطنان من الح*بو-ب والمواد الغذائية في البحار وتمنع من إرسالها إلى الدول الفقيرة وإن كانت قريبة من حدودها والتي تعاني من الجوع بسبب إستغلالها من قبل من إستعمرها . لو تم فعلاً توزيع خيرات العالم على البشرية بإنصاف لما كان هناك من فقير او غني . إشكروا على كل شىء . أأنت فقير ؟ هناك دون شك من هو أفقر منك . ألديكَ طعام يكفيك لعشرة أيام ؟ غيرك لديه ما يكفيه ليوم واحد ، فإقتسم إذاً ما يفيض لديك مع من هو بحاجة .

  البخيل والأناني الذي لا يشاطر حاجاته مع المحتاجين سيسلم أولاً إلى النار قبل غيرهِ من الخطاة . فعلى الإنسان أن يعطي القليل لكي يحصل على الكثير لأن الله هو أكرم منه . إذا أردنا إذاً أن نحول عبْ الرخاء إلى فائدةٍ عميقة ، فلنشرع بتوزيع ما لدينا على المحتاجين الذين سيحفظونه لنا في خزائن أمينة ، أي في أحضان السيّد حيث هناك لا يفسد السوس ولا ينقب السارقون لتسرق .

   أيها الأغنياء الأغبياء وإن كنتم أساقفة وكهنة أو مؤمنين في كنيسة الرب ، إبتعدوا عن مستنقع غناكم لتقتربوا من الغنى الأبدي . لا تكن جشعاً شقياً وتظن أن كل شىء مُعِد لأجل بطنك وراحتك ، بل أعتبر أن كل ما تملكه اليوم هو غريب عنك . ستتركه لغيرك لتخسر كل شىء ، وتذكر فقط إنك ستكون مسؤولاً أمام الله عن تصرفاتك بما كنت تملك . لا تتكبر على الفقير بسبب غناك ، أو بسبب من يمجدك ويمدحك ويحترمك ، بل إحترس لمستقبل نفسك لأنك تراب وإلى تراب الأرض ستعود كما عادوا الأغنياء ذوي الشهرة قبلك .

  إعلم أيها الغني هذه الحقيقة كلما زاد غناك نقصت محبتك ، لأنه لو أحببت الفقير كنفسك لكان عليك أن تعطي له بعضاً من أموالك . فأموالك أصبحت ترتبط بك كإرتباط أعضاء جسدك ببعضها ، وبُعدك عنها سيسبب لك الحزن كما هو الحال في بتر أحد أعضاء جسدك .

   الغنى إذاً خدعة شيطانية لكي يفقد الإنسان محبته لأخيه الإنسان فيعيش لذاته وأنانيتهِ وكبريائهِ فيظن بأن حجمه ومنزلته لا تقاس بأولئك البائسين الجائعين العراة والمرضى . يوزع أمواله بسخاء في المناسبات التي ترفع إسمه عالياً في المجتمع وأمام أنظار الكثيرين ، بينما لا يفرق القليل من أمواله لمن هو أكثر حاجة إليها . وأخيراً سينال منه الموت ليترك ما أدخرهُ لورثته الذين ينتظرون ساعة موته ، أما هو فيحضر أمام محكمة الله العادل ليلقى نفسه وحيداً فريداً دون صديق أو قريب ،  ودون محامٍ أو دفاع . حينذاك ستتجلى له الحقيقة بوضوح عندما يرى ويتذكر كل أعماله السيئة المجردة من عمل الرحمة عندما تنصب أمام عينيه دموع الأيتام وتنهدات الأرامل وصرخات العمال الذين سرق أجورهم ، تقول الآية ( ظالم الفقير يُعيِّر خالقهُ ، ويمجده راحم الفقير ) ” أم 31:14″ . ومن هناك سيتوجه الغني إلى المكان الذي يليق به وبأمثاله ليتذكروا نص الآية ( غناكم قد تهرأ ، وثيابكم قد أكلها العث) ” يع 2:5 ” .

توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) ” 16:1 “.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!