مقالات

بمناسبة اليوم العالمي للاجئين: قراءة في تقرير الاتجاهات

شهد عام 2024 تصاعدًا جديدًا في أعداد المهاجرين القسريين حول العالم، حيث بلغ العدد الإجمالي 123.2 مليون شخص بنهاية العام، بزيادة قدرها سبعة ملايين مقارنة بعام 2024، أي ما يعادل شخصًا واحدًا من كل 67 شخصًا على ظهر البسيطة. يشمل هذا الرقم اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين القسريين داخل بلدانهم، والأشخاص المحتاجين إلى حماية دولية، إضافة إلى اللاجئين الفلسطينيين تحت ولاية الأونروا.
يمكن ملاحظة أن أكثر من ثلث العدد الإجمالي من المهاجرين القسريين ينتمون إلى أربع جنسيات رئيسية: السودانيون (14.3 مليون) والسوريون (13.5 مليون) والأفغان (10.3 مليون) والأوكرانيون (8.8 مليون).

من يستضيف اللاجئين؟
تُظهر بيانات التقرير أن عبء استضافة اللاجئين لا تتحمله الدول الغنية بالدرجة الأولى، بل تتحمل الجزء الأكبر منه الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، حيث يعيش فيها نحو 73٪ من اللاجئين حول العالم. كما أن 67٪من المهاجرين القسريين يظلون في دول مجاورة لبلدانهم الأصلية، ما يعكس طبيعة النزوح القريب جغرافيًا نتيجة ظروف الطوارئ. تُعد لبنان الدولة الأعلى عالميًا من حيث عدد المهاجرين القسريين بالنسبة إلى عدد السكان، إذ يمثل اللاجئون أكثر من 10٪ من السكان، ما يسلط الضوء على الضغط الديموغرافي الهائل الذي تتحمله بعض الدول الصغيرة مقارنة بحجم سكانها.

التركيبة السكانية للهجرة القسرية
رغم أن الأطفال يمثلون 29٪ من سكان العالم، فإنهم يشكلون 40٪ من المهاجرين القسريين، ما يعكس هشاشة الفئات المتضررة. تشكّل النساء أيضاً نسبة كبيرة من بين المتأثرين بالهجرة القسرية، ما يزيد من تعقيد احتياجات الحماية والمساعدة.

اتجاهات العودة والحلول الممكنة
شهد عام 2024 زيادة ملحوظة في أعداد العائدين، حيث عاد 9.8 مليون شخص إلى مناطقهم الأصلية، منهم 1.6 مليون لاجئ و8.2 مليون مهاجر قسري داخلي. كما تم تجنيس 47,200 شخص عديم الجنسية، وتوطين 188,800 لاجئ في دول ثالثة. رغم هذه المؤشرات الإيجابية، واجه العديد من العائدين أوضاعًا هشة في بلدانهم، لا سيما في سوريا وأفغانستان وجنوب السودان، حيث تفتقر تلك المناطق إلى الخدمات الأساسية والاستقرار الأمني.

بؤر الأزمات في عام 2024
في عام 2024، تركزت الهجرة القسرية في عدة بؤر أزمات متفاقمة، كان أبرزها السودان الذي شهد أكبر موجة تهجير قسري في العالم، حيث بلغ عدد المتأثرين 14.3 مليون شخص، معظمهم نزحوا داخليًا أو عبروا الحدود إلى تشاد ومصر وجنوب السودان. في غ*ز*ة، أدت الحرب المدمرة إلى نزوح داخلي لحوالي 90% من السكان، وسط انهيار شبه كامل للبنية التحتية. في ذات الوقت استمرت معاناة الأفغان، خاصة مع تزايد حالات الترحيل القسري من باكستان وإيران، في ظل تدهور اقتصادي وأوضاع معيشية صعبة. إذا انتقلنا إلي ميانمار، نجد أن عدد النازحين ارتفع إلى 3.6 مليون نتيجة التصعيد العسكري والكوارث البيئية. لم تكن أوكرانيا بمنأى عن التصعيد، حيث تسببت الحرب المتواصلة في تهجير مئات الآلاف. في هايتي، ساهم العن*ف واسع النطاق وتدهور مؤسسات الدولة في تهجير داخلي تجاوز المليون شخص. هذه البؤر مجتمعة تعكس تعقيد الأزمات الإنسانية وتؤكد أن الهجرة القسرية باتت سمة دائمة للنظام الدولي المعاصر.

سوريا: بين عودة الأمل وصعوبات الواقع
أدى سقوط حكومة الأسد في ديسمبر 2024 إلى تجدد الأمل بعودة اللاجئين، وأسفر عن عودة نحو 500 ألف لاجئ و1.2 مليون مهاجر قسري داخلي خلال الأشهر الأولى من عام 2025، وسط توقعات ببلوغ الرقم 3.5 مليون عودة بنهاية العام. لكن تبقى المخاوف الأمنية ونقص الخدمات والبنية التحتية عوائق أمام عودة مستدامة.
أظهر استطلاع إقليمي أجرته مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في يناير 2025 أن 80٪ من اللاجئين السوريين يأملون بالعودة إلى وطنهم يومًا ما، بينما أعرب 27٪ عن نية العودة خلال عام، وهي زيادة لافتة مقارنة بـ 2٪ فقط في استطلاع أبريل 2024. رغم هذا التفاؤل، أشار الكثيرون إلى تحديات تتعلق بالسكن، والخدمات، والوضع الأمني، ما دفع بعضهم إلى التريث في اتخاذ قرار العودة.

أزمة التمويل والنظام الإنساني المتآكل
في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد المهاجرين القسريين، يشهد النظام الإنساني العالمي نقصًا حادًا في التمويل، ما يهدد استمرارية المساعدات الغذائية، والمعسكرات اللاجئين والنازحين، وخدمات الحماية، خصوصًا في الدول المضيفة. كما أن ضعف جمع البيانات الدقيقة يُعرقل الاستجابة السريعة والفعالة، ويُقوض التنسيق بين الفاعلين الدوليين.
بحسب التقرير، فإن انخفاض الموارد يهدد بوقف بعض خدمات الدعم النفسي والاجتماعي، والمعسكرات اللاجئين والنازحين، والمساعدات النقدية، ما قد يدفع بعض المهاجرين القسريين إلى اتخاذ قرارات خطرة بالهجرة عبر طرق غير آمنة أو العودة غير الطوعية.

خاتمة
يشير تقرير الاتجاهات العالمية للهجرة القسرية إلى أن الظاهرة لم تعد أزمة طارئة تُعالج بوسائل إغاثية محدودة، بل تحولت إلى سمة هيكلية من سمات النظام العالمي المعاصر. فالهجرة القسرية اليوم لم تعد محصورة في سياقات النزاعات أو الكوارث، بل أصبحت نتاجًا معقدًا لتراكمات سياسية واقتصادية وبيئية وأمنية، تتشابك عبر الحدود وتتحدى قدرة الدول والمنظمات على الاستجابة. بينما تلوح بوادر بعض الحلول الجزئية، كزيادة معدلات العودة الطوعية أو التوطين في بلدان ثالثة، فإن غياب الإرادة السياسية الدولية، واستمرار النزاعات، وتراجع التمويل الإنساني، يفاقمون المعاناة ويقلصون آفاق الحلول المستدامة.

بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، يبات من الضروري تذكير المجتمع الدولي بمسؤوليته الجماعية، ليس فقط في توفير المساعدات الإنسانية الطارئة، بل في السعي نحو معالجة جذور التهجير القسري، عبر الدفع نحو التسويات السلمية، وتعزيز العدالة الاجتماعية، واحترام القانون الدولي الإنساني، فالمهاجرون القسريون ليسوا أرقامًا في تقارير، بل بشر اقتُلعوا من جذورهم، ويستحقون الفرصة للعيش بكرامة وإعادة بناء حياتهم في بيئة آمنة ومستقرة. إن صون كرامة الإنسان يجب أن يبقى المبدأ المُوجّه لأي استجابة دولية للهجرة القسرية، وأن غياب هذا المبدأ هو ما يهدد بتحوّل الظاهرة من أزمة إنسانية إلى وصمة أخلاقية دائمة في جبين العالم “المتحضّر.”

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!